في دراسة تحليلية اعدتها صفحة "الشارع السياسي" حول "عزل ترامب وتأثيراته المستقبلية على السياسات الأمريكية الداخلية والخارجية" تناولت الانعكاسات السياسية عى الشرق الأوسط وقضاياه، ازاء قضية عزل ترامب، متوقعة ان يخرج ترامب من أزمته ضعيفا، أو يفقد منصبه خلال الانتخابات المقبلة في نوفمبر 2020 على أقل تقدير.
وقالت الدراسة: "تكهنات عدة تحيط بمستقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد طلب النواب بالكونجرس عزله، إثر الكشف عن اتصالات مريبة جرت بينه وبين الرئيس الأوكراني، للتأثير على شعبية منافسه في الانتخابات الرئاسية ، بايدن، المقررة 2020..".
وتوقعت الدراسة أن عملية العزل لن تكون سهلة، بسبب غالبية الجمهوريين بمجلس الشيوخ، الذي يفصل في قرار العزل، إلا أن التأثيير الأكبر سيكون في الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي يتوقع عدم تجاوزه إلى الولاية الثانية، على الرغم من استغلال معسكر ترامب لمحاولة الديمقراطيين بأنها ضد مصالح الأمريكيين لتعطيل انجازات ترامب في مجالات الصحة والعمل.
ومن المنطقي أن تنعكس معركة العزل على السياسات الأمريكية الخارجية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، حيث قضايا فلسطين، والتصعيد الخليجي- الإيراني، وقضايا الديمقراطية في مصر وليبيا وغيرها من المناطق.
المسوغ الدستوري للعزل
وتناولت الدراسة المسوغات القانونية لقضية عزل الرئيس الامريكي، وقالت : لم يسجل التاريخ الأميركي عزل اي من الرؤساء الاميركيين السابقين، وكان نظام العزل فى الدستور الأمريكى تم فى ميثاق فيلادليفيا العام 1787، عندما اقترحه بنجامين فرانكلين كطريقة جيدة للإطاحة بالرؤساء “المكروهين"، وقال “يمكن عزل الرؤساء الأميركيين بشكل قانونى من منصبهم ان تمت إدانتهم بالخيانة أو الرشوة أو جرائم كبرى أخرى أو جنح”.
مضيفة: لكن العزل الناجح يتطلب تصويتا بالأغلبية في مجلس النواب، وبعد تصويت أغلبية الثلثين فى مجلس الشيوخ.
وكان الرئيس الأمريكي الديمقراطي بيل كلينتون خضع العام 1998 لإجراءات العزل على خلفية كذبه بفضيحة مونيكا لوينسكي، لكن وبعد ان صوت مجلس النواب لصالح عزل الرئيس حينها فإن الديمقراطيين نجحوا بتبرئته فى مجلس الشيوخ.
متابعة: تنص الفقرة الثانية من المادة الثانية في الدستور الأميركي: “في حال عزل الرئيس من منصبه، أو وفاته، أو استقالته، أو عجزه عن القيام بسلطات ومهام المنصب المذكور، يؤول المنصب لنائب الرئيس، ويمكن للكونغرس أن يحدد بقانون أحكام حالات عزل أو وفاة أو استقالة أو عجز الرئيس ونائب الرئيس كليهما، معلنًا من هو المسؤول الذي يتولى عند ذلك مهام الرئاسة ويبقى مثل ذلك المسؤول إلى أن تزول حالة العجز أو يتم انتخاب رئيس”. بينما تنص الفقرة الرابعة: ”يعزل الرئيس ونائب الرئيس وجميع موظفي الولايات المتحدة الرسميين المدنيين من مناصبهم إذا وجه لهم اتهام نيابي بالخيانة أو الرشوة أو أية جرائم أو جنح خطيرة أخرى، وأدينوا بمثل هذه التهم".
سيناريوهات المستقبل
وتشير التقديرات الاستراتيجية، إلى أنه من غير المتوقع أن ينجح الديمقراطيون بالإطاحة بالرئيس ترامب، وبما يؤدي إلى تعزيز فرص زميلها الديمقراطي السناتور بايدن، حتى لو أُدين ترامب ، لأنّ العزل يتطلّب موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الـ100 الذي يتمتّع فيه الجمهوريّون بالأغلبية“.
سيناريو آخر يتوقع خروج ترامب ضعيفا في جميع الأحوال، خاصة أن هذه الفضيحة تأتي قبل 14 شهرا من انتخابات الرئاسة الأمريكية التي يأمل الفوز، وهو ما قد يعرقل نجاحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة..
السيناريو الثالث، خروج ترامب أكثر قوة: وهو أمر متروك للمفاجآت التي قد يطلقها ترامب والجمهوريين خلال الأيام المقبلة، وتشوية الديمقراطيين ، نشر اتهامات عدة حول هدفهم الانتخابي ومصالحهم الضيقة، وليس مصلحة الأمريكيين كشعب، وذلك في ظل توجهات الشعب الأمريكي التي يحققها ترامب لهم، في اعتزازهم بأكريكيتهم وانعزالهم وتمايزهم عن مشاكل العالم، التي كلفت موازناتهم تريليونات الدولار، وهو ما ينتهجه ترامب من تعميق الانكفاء الأمريكي على الذات، وعدم تقديم خدمات الحماية إلا بثمنها الكالي، كما في العراق والخليج العربي وأفغانستان. بجانب سياسات تعميم التامين الصحي وتوفير فرص عمل، عبر جذب الاستمارات الخليجية إلى أمريكا.
تأثيرات القضية على الشرق الأوسط
وسواء عزل ترامب أم بقي، فإنه وفق مراقبون، لن نحتفل بوصول خصمه الديمقراطي بايدن إلى البيت الأبيض، فكلاهما لا يكنان الكثير من الود للعرب والمسلمين، ويقفان في الخندق الإسرائيلي. فيما يبقى التريث سيد الموقف، فانعكاسات عزل ترامب على السياسة الخارجية الأميركية، وتحديدا تجاه منطقة الشرق الاوسط، غير واضحة، في ظل المؤسسية التي تدار بها سياسات أمريكا الخارجية، وتأثير اليمين المتطرف في مفاصل الإدارة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة.
حيث شهدت منطقة الشرق الأوسط بعهد ترامب تطورات دراماتيكية، خاصة على صعيد الموقف من القضية الفلسطينية والقدس، ومن الملف الإيراني. إلا أن التأثير الخارجي اقل نسبيا مقارنة بتأثيرات العزل على السياسة الأميركية الداخلية..
وكانت ادارة ترامب وبعد قرارها حول القدس اصدرت قرارات سلبية وخطيرة تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين وتقليص دعم وكالة الأمم المتحدة لاغاثة اللاجئين “الاونروا”. وتبقى رهانات غير مضمونة بتحسن الموقف الأمريكي إزاء القضايا العربية، بحسب
أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة الأردنية د. محمد مصالحة، الذي أكد أن الرئيس دونالد ترامب بات يعرف بشخصيته التي “لا تعترف بالمؤسسات والاتفاقات الدولية”، وذلك عقب إخراج بلاده من اتفاقيات دولية تحمل توقيع الولايات المتحدة، كاتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، واتفاق باريس للمناخ، واتفاقية الشراكة بالتجارة والاستثمار عبر المحيط الأطلسي، وأخيرا من الاتفاق النووي الإيراني، منذ قدومه إلى البيت الأبيض.
وأضاف "مصالحة" أن ترامب لا يريد للولايات المتحدة أن تعمل جنبا إلى جنب مع حلفائها، وكان يمكن رؤية ذلك في قرارته بشأن القدس وإيران، حيث يرى ترامب ان القوة الاقتصادية الأميركية سلاح يمكن استخدامه حتى ضد الدول الحليفة، وهو أسلوب فظ، يدفع الولايات المتحدة للعزلة في المحافل الدولية”.
وقال إن ترامب الذي وصل إلى رئاسة الولايات المتحدة، بعد إدارة سيئة في الفترة الرئاسية الثانية للرئيس السابق باراك أوباما “اعتمد نهجا بالسياسة الخارجية، يعتبر إسرائيل الصديق الأول، وإيران العدو الأول”. لافتا الى ان جميع بلدان العالم تقريبا – ما عدا القليل منها، توحدت ضد قرار ترامب عندما أعلن القدس عاصمة مزعومة لإسرائيل، ضاربا عرض الحائط بعملية السلام في الشرق الأوسط وجميع المفاوضات، ومتجاهلا الجانب الفلسطيني.
ويؤكد مصالحة انه بقرار ترامب تجاه القدس “لم يقف العالم الإسلامي وحده ضد واشنطن فحسب، بل العالم كله باستثناء إسرائيل وبعض الدول الأخرى، حيث اخرج القرار الولايات المتحدة من توازنات السلام بالشرق الأوسط، واوصلها لخسارة دورها بالوساطة بعملية السلام وإلى عتبة حرجة بشرعيتها الدبلوماسية بالمنطقة”. ومن ثم فإن اي ضغوط داخلية على ترامب تصب في صالح القضايا العربية والعالمية.
ومع عزل ترامب –إن حصل- أو خسارته الانتخابات المقبلة في نوفمبر 2020، قد تتراجع الديكتاتوريات والنظم القمعية التي يساندها ترامب، كنظام عبد الفتاح السيسي في مصر، وتسلط محمد بن سلمان في السعودية، وقتل اللواء المتقاعد خليفة حفتر لليبيين بدعم من الامارات ومصر، من أجل منع الليبيين من الاستقرار وجني ثمار ثورة 2011 حتى الآن..وهة مرتبط بتمسك الشعوب بحقوقها في الديمقراطية والأمن والتنمية ، مع عرض قضاياها بوضوح في المحافل الدولية.