“غزوة الصناديق”.. الهجوم خير وسيلة للهروب من العار

- ‎فيتقارير

 كتب- سيد توكل:

لا يمر يوم 19 مارس من كل عام إلا ويشمر جبهة "الإخوان باعونا في محمد محمود" عن سواعدهم ويكشروا أنيابهم، ولكن ليس في مواجهة انقلاب العسكر، بل في مواجهة رفاق الميدان وأشقاء ثورة يناير، ويظهر حرصهم المبالغ فيه على تأكيد رجاحة عقولهم، وسلامة مواقفهم، وادعاء الحكمة بأثر رجعي، رغم أن غالبيتهم لم يستحم بماء وملح ويغسل عار الوقوف خلف انقلاب 30 يونيو 2013.

 

فى مثل هذا اليوم قبل 6 أعوام اصطف المصريون أمام صناديق الاقتراع للاستفتاء على التعديلات الدستورية فى أول استحقاق ديمقراطي بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير التي أطاحت بالمخلوع محمد حسنى مبارك، كان الاستفتاء على التعديلات الدستورية قد شهد استقطابًا حادًا، تمحور حول المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، رغم كونها غير مطروحة في التعديلات، وإقرار وضع دستور جديد في الحالتين سواء رفض الناخبون التعديلات أو وافقوا عليها.

 

وفى صباح 19 مارس 2011 كان الفرح يعم الناس جميعا شبابا وشيوخا ولم يكن غريبا أن ترى رجلا عمره 80 عاما يعرب عن تفاؤله بالمستقبل ويعلن أنه يقف فى طابور الانتخاب للمرة الأولى فى حياته؛ رغم أنه ولد وترعرع فى عهد الملك فؤاد وعاش شبابه فى عهد الملك فاروق ثم قضى فتوته ورجولته وكهولته منسحقاً في قمع العسكر.

 

ذهب للاستفتاء على الدستور 18,537,954 ناخبا ما نسبته 41٪ من أصل 45 مليون ناخب مسجل، وصوت 14,192,577 ناخبا (77.27%) لصالح التعديلات الدستورية (نعم)، فى حين رفض 4,174,187 ناخبا (22.73%) هذه التعديلات وأشاروا بعلامة (لا)، ولأول مرة في طول التاريخ المصري وعرضه، رأى فيه المصري أن لصوته قيمة، فقد ردت الثورة الاعتبار لهذا الصوت، وهذا وحده يمثل انتصارا بليغا لثورة يناير.

 

تضمنت التعديلات الدستورية التى أقرتها الصناديق وضع قيد على مدد الرئاسة بحد أقصى مدتين لفترة أربع سنوات، والإشراف القضائى على الانتخابات، وإلزام الرئيس أن يعين نائبا واحدا على الأقل، وتشكيل لجنة لصياغة دستور جديد بعد الانتخابات البرلمانية، وسهولة أكثر فى شروط الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

 

أوصياء على الثورة!

 

حاول عدد من الدعاة المنتمين للتيار السلفى، تنميط الاستفتاء، ووصفه بأنه نصر للإسلام، وقال بالحرف “قالت الصناديق للإسلام نعم”، فى إشارة إلى نتيجة الاستفتاء، وقال “كانت هذه غزوة اسمها غزوة الصناديق”، فى حين انتقد تلك التصريحات عدد من السياسيين والأحزاب المصرية ودعوا إلى عدم إقحام الدين فى مثل هذه الاجتهادات السياسية.

 

أما المناحة التي تنصبها قوى سياسية كل عام ضد الإخوان، سببها ان النتيجة جاءت على غير ما تهوى، فقد قالت الجماهير (نعم) للتعديلات، بينما انحازت هي لـ (لا)، ومن ينتمون لهذه القوى يؤرخون للانقسام الذي حدث بين قوى الثورة منذ هذا الاستفتاء، بل ويرون أن نتيجته هي نتاج تحالف الإسلاميين والعسكر، وهزيمة للثورة، باعتبارهم هم فقط من يمثلون الثورة!

 

المفارقة أن إعلام العسكر بالغ هو الأخر في الاحتفاء بهم، وصدرهم للمشهد بأنهم من يعبرون عن الثورة فقط، وما دامت النتيجة جاءت على غير هواهم، فهي هزيمة للثورة، تبرر لهم جرائمهم بعد ذلك عندما تحولوا إلى جسر لعبور دبابات 30 يونيو، التي تحمل قائد الانقلاب العسكري للقصر الرئاسي، والإطاحة بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر القديم والحديث الدكتور محمد مرسي.

 

ويروج أصحاب مقولة "الإخوان باعونا في محمد محمود" المقولة الثانية وهى "غزوة الصناديق"، للزعم بأن هزيمة الثورة بدأت من اللحظة التي رفض فيها الشعب الوصاية السياسية، ويزعم أصحاب هذه المناحة أن 19 مارس كان نهاية الثورة على أيدي جماعة الإخوان المسلمين، "الذين خلطوا بين الدين والسياسة".

 

لكن المفارقة الأكبر أن مقولة "غزوة الصناديق" لم تخرج من أفواه جماعة الإخوان المسلمين، بل إن التيار الذي خرجت منه هذه المقولة ناصب جماعة الإخوان العداء عقب فوز الرئيس محمد مرسي، والدليل مشاركتهم في الانقلاب، واصطفافهم في مشهد كهنوتي مع البابا وشيخ الأزهر خلف بيادة العسكر. 

 

منجمون وسياسيون!

 

جبهة الهجوم على جماعة الإخوان المسلمين، لا يتورعون عن إلصاق أي تهمة بالجماعة، في المقابل تراهم يخلعون على أنفسهم أوصاف رجاحة العقل، والحكمة بأثر رجعي، فبعد وقوع الانقلاب كانوا يعلمون أن انقلابا عسكريا سيقع، وكانوا يتوقعون أن السيسي سيحكم، وهم وحدهم من حمل مشاعل التحذير، والمفارقة أن منهم من دخل تحت لواء 30 يونيو مرددين خلف العسكر أطنانا من الأكاذيب.

 

19 مارس تمثل "قميص يوسف" الذي يتوارى خلفه المذنبون، وبالنظر إلى إدعاء أن نتيجة الاستفتاء في هذا اليوم هي التي أنتجت هذا الانقلاب،  فبعد تنحي مبارك، كان هناك شعاران: الأول يقول الدستور أولا، والثاني يقول الانتخابات أولا. 

 

وأصحاب الرأي الأخير يرون بالتالي ضرورة الاستفتاء على تعديل عدد من المواد شكلت لهم لجنة، ليتم الإسراع بالانتخابات لإنهاء المرحلة الانتقالية، لأن لديهم تصورا أن استمرار المجلس العسكري في السلطة قد يغري باستمراره فيها عندما يبدأ الحديث في تشكيل لجنة لوضع الدستور والانتهاء من صياغته والخلافات التي ستنتج بين الأطراف المختلفة. 

 

وأصحاب الرأي الأول كانوا يرون أن العسكر لا يمكن أن يستمروا في الحكم أكثر من المدة التي حددها البيان الأول وهي ستة أشهر، وعليه فلا بد من أن تكون البداية بتعديل الدستور، حتى لا يتحكم فيه الرئيس الذي يوضع في ظل حكمه، لكنهم رفضوا التسليم بنتيجة الاستفتاء، لأنهم لا يؤمنون بأن الشعب صاحب السيادة، ولا زالوا إلى اليوم وبعد مرور 6 سنوات يحملون احتقارا لهذا الشعب، مع أنهم يدعون للدولة المدنية التي تحكم بالأغلبية الشعبية!