لا تتوقف المبادرات والدعوات المطالبة بضرورة الإصلاح السياسي في مصر، جراء تدهور الأوضاع السياسية واتساع دوائر قمع المعارضين ومصادرة الحريات، وتزايد أعباء الأزمة الاقتصادية على كاهل الطبقة المتوسطة والكادحين، وهبوط أغلبية الشعب المصري تحت خط الفقر، فضلًا عن أزمة الفقر المائي التي قد تضرب مصر إزاء بناء سد النهضة الإثيوبي.
فقد شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا للانتقادات الموجهة لسلطة الانقلاب من داخل المعسكر المؤيد له، ومن داخل المؤسسة العسكرية، من خلال شخصيات وأحزاب سياسية كانت مؤيدة لتظاهرات 30 يونيو .
وفي المقابل، يشنُّ السيسي وأجهزته الأمنية والإعلامية حملات قمع وتشويه تطال جميع معارضيه من التيار الإسلامي أو حتى المدني، في الوقت الذي يمدد فيه حالة الطوارئ في البلاد بموافقة برلمان الدم للمرة العاشرة بالمخالفة للدستور؛ لضمان استمرار حالة قمع الحريات.
بيد أن تظاهرات 20 سبتمبر عكست مدى الغضب الشعبي المكبوت لدى المواطنين المتضررين من ممارسات النظام والمطالبين بإسقاطه، وخوفا من أن تدخل مصر في هذا النفق المظلم إن كانت لم تدخله بعد.
وطرح عضو برلمان العسكر، أحمد طنطاوي، مبادرة إصلاحية من خلال تقدمه بطلب إلى رئيس برلمان الانقلاب علي عبد العال بشأن تشكيل 12 لجنة برلمانية تستهدف إحداث حالة من الحوار الوطني حيال المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد؛ نتيجة عدم الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وانفراد السيسي بسلطة اتخاذ القرار.
ودعا “طنطاوي” السيسي إلى مغادرة الحكم في 2022، والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة لا يكون مترشحا فيها أو منافسا؛ التزامًا منه بالتعهد الذي قطعه على نفسه مرارًا بعدم الاستمرار في الحكم لأكثر من دورتين رئاسيتين، مشددا على أهمية العدول عن التعديلات التي أُدخلت على دستور 2014، لما مثلته من انتكاسة كبيرة في التوازن بين السلطات.
وقال طنطاوي، في مقطع فيديو مطول نشره على موقع يوتيوب: إن التعديلات الدستورية الأخيرة عادت بنظام الحكم إلى أنماط تشبه إدارة الدولة في القرون الوسطى، من خلال تكريس كل السلطات في يد رئيس الجمهورية، الذي وجه ضربة موجعة لعملية التحول الديمقراطي بالرغم من أنه قد آن الأوان لاتخاذ الدولة المصرية خطوات بهدف إتمامها.
قناة “مكملين” ناقشت- عبر برنامج “قصة اليوم”- النتائج المترتبة على دعوات الإصلاح السياسي في مصر من داخل المعسكر المؤيد للسيسي، وأبرز تلك الدعوات ومدى تأثيرها الحقيقي، وإمكانية إيجاد حل لواقع مصر المأزوم.
أصداء مبادرة طنطاوي ملأت أجواء باتت مخنوقة بقبضة أمنية، وهزت بقوة أوساطًا يمكن تسميتها بالمستنقع السياسي في مصر بعد الانقلاب، فقد ألقى الرجل المحسوب على جبهة الانقلاب فيما يبدو بحجر كبير يراه كثيرون تحريكًا للوضع السياسي المصادر بأوامر عسكرية، فيما يراه آخرون مبررًا كافيًا للتضييق على مُطلق المبادرة، وربما اعتقاله لاحقًا.
مبادرة طنطاوي ليست الوحيدة من داخل معسكر الانقلاب، فقد سبقها طرح حزب التحالف الشعبي الاشتراكي خارطة طريق بعنوان “برنامج ديمقراطي للخروج من المأزق الوطني الراهن”، تضمنت العفو الشامل عن المعتقلين، وفتح تحقيق في وقائع الفساد، وابتعاد الجيش عن السياسة والاقتصاد، وذلك لمواجهة تزايد أعباء الأزمة الاقتصادية، وهبوط أغلبية الشعب تحت خط الفقر، مع ارتفاع الديون على مصر إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخها.
أكثر من 6 سنوات مرت فيما تتعاقب المبادرات لحل المأزق الذي جلبه حكم العسكر لمصر، بعدما كانت تحتفل بثورتها فأصبحت في حالة سيئة على كافة المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالتزامن مع القمع وإغلاق المجال العام أمام الجميع.
