“أحمد سعيد حبيب”.. من جزارة أمن الدولة إلى سلخانة القضاء الشامخ!

- ‎فيتقارير

طوال ست سنوات، أصدر قضاء الانقلاب بمصر أحكامًا عديدة بالإعدام والحبس لمدد طويلة توازي أعمار أمم كاملة، حيث بدت تلك الأحكام كأنها أحكام انتقامية، وبدا هؤلاء القضاة كسوط في يد جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي، يجلد به جميع خصومه، بل الشعب المصري كله.

ويظهر السؤال: كيف رضيت السلطة القضائية التي طالما ادّعت النزاهة والشموخ أن يصدر عنها تلك الأحكام، وتسمح بالاعتداء على المصريين وإعدامهم وسجنهم بدم بارد؟ كما يجعلنا نتساءل: هل لا يزال أحد يصدق أنَّ في مصر قضاء؟

برتبة جزار

وقبل الإجابة عن السؤال الذي قد يبدو بسيطًا جدًّا ولا يحتاج إلى كثير تفكير، نأخذ عينة من القضاء الفاسد، وهو ضابط الشرطة السابق “أحمد سعيد حبيب”، والذي أصبح رئيس محكمة برتبة جزار، بعدما كان ضابطًا سابقًا في جهاز أمن الدولة، وبعدها أصبح رئيس محكمة أمن الدولة بالزقازيق.

عُرِفَ بتوجهه العدائي ضد المعتقلين، ولا يأخذ بشهادة الشهود أو الأوراق الرسمية، وجميع أحكامه تعتمد على تحريات الأمن الوطني، كما أنه يتعمّد عدم السماع للمتهمين وإهانتهم بأساليب غير لائقة وتهديدهم بالحبس، وجميع أحكامه نهائية من درجة واحدة دون وجود فرصة للاستئناف أو النقض.

قام بالحكم على أكثر من 300 معتقل بالحبس، وبعد ذلك يقضي بترحيلهم للسجون، كما أنَّ هناك 100 معتقل تمت إحالة قضاياهم إلى هذا القاضي، ويذكر أنه ما زال في منصبه داخل الدائرة للسنة الرابعة.

وتسود حالة من القهر بين أُسر الشرقية بسبب ظلم هذا القاضي؛ جراء تحامله ضد المعتقلين وتعنته في الأحكام، حيث إن أقل حكم يصدره هو الحبس سنتين مع الغرامة!.

وبالعودة إلى الوراء سنوات لمعرفة هل يمثل “حبيب” حالة منفردة أم أنّ القضاء كله فاسد، نرى أنه ومع بداية عام 2013 انخرط القضاة في التحريض السياسي على الرئيس الشهيد محمد مرسي، بل وشاركوا في أعمال تُمهّد الطريق للانقلاب العسكري، حيث أكّد المستشار أحمد سليمان، وزير العدل السابق، أن “أحمد الزند ومعه محمد عبد الرزاق ومحمد عبد الهادي فتحوا أبواب نادي القضاة لحركة “تمرد” لتوقيع استمارات انضمام القضاة إلى الحركة، في سابقة لم تحدث في تاريخ القضاء المصري، ما يُعد اشتغالًا صريحًا بالسياسة”.

وتابع سليمان قائلا: “كما انضموا للحركة في ميدان التحرير، وهناك مقاطع فيديو لهم بالصوت والصورة، وقُدمت ضدهم العديد من البلاغات، ومنها قبل 30 يونيو 2013، ولم يتحرك مجلس القضاء الأعلى، بينما “قضاة تيار الاستقلال” بمجرد صدور بيانهم انهالت الإجراءات في لحظتها، واجتمع النادي في اليوم ذاته، وقرر شطب عضوية القضاة خلافًا للائحة التي لا تُجيز هذا الشطب”، لكن بعد الانقلاب تبدّل الأمر فخمد هذا الحراك وتلك الحماسة السياسية، وطأطأ الجميع رأسه.

إفشال سلطة

من يرى الجهد الضخم الذي بذله القضاة في إفشال سلطة الرئيس الشهيد محمد مرسي والسلطة التشريعية وعرقلة الانتقال الديموقراطي، يظن أن هؤلاء القضاة على وشك تأسيس دولة جديدة تُعلي من إجراءات القانون وتتربع فيها المحاكم على قمة السلطة، لكن ما حدث غير ذلك تماما.

بعد أن أذاع السفيه السيسي بيان الانقلاب على الرئيس الشهيد مرسي وإعلان خارطة الطريق، هدأ النشاط القضائي تماما وأذلوا رؤوسهم طوعا للحاكم المتغلب، وظهر أن غالبية القضاة يؤيدون خريطة الدم التي أعلنها العسكر، وقد شارك رئيس المجلس الأعلى للقضاء في مشهد بيان الانقلاب.

كما وافق رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور على تولي منصب رئيس الدولة بصفة مؤقتة، “ما يُمثّل مخالفة للدستور الذي تم الاستفتاء عليه سنة 2012، ومخالفة أيضا للحكم الذي أصدرته المحكمة بشأن صحة قانون الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز مرسي”.

بل عمل القضاء على شرعنة كل ما يقوم به الجنرال وحاشيته ودولته من قتل واعتقال وإعدامات مخالفة لأي منطق قانوني. يقول المستشار أحمد سليمان معلقًا: “أي متابع لأحوال العامة في مصر يستطيع أن يرصد بوضوح عدة مظاهر: منها الإسراف في إصدار قرارات الحبس الاحتياطي، وكذلك تجديد الحبس الاحتياطي في غيبة المتهم، والحبس في وقائع غير مُجرّمة كرفع إشارة رابعة ومصادرة حق المتهمين في الدفاع وعدم معرفة أماكن بعض المحبوسين، والقضاء بأقصى عقوبة على المتهمين”.

في تلك الفترة حاول غالبية هؤلاء القضاة جني ثمار تأييدهم لعصابة الانقلاب، فطالبوا أن يُحصّنهم دستور الانقلاب من أي تدخل من عصابة العسكر في شئون القضاة، ووصل الأمر أن يُطالب القضاة بمزايا لأنفسهم لضمان استقلالهم عن سلطات العسكر وأي مساس بسلطاتهم المطلقة، لكن السفيه السيسي رفض كل تلك المطالب، واستخدم القضاء كعصا غليظة يضرب بها خصومه، مُدشّنًا أكبر تغوّل عرفه القضاء من العسكر على السلطة القضائية.