منذ يومين تعرض الفنان خالد النبوي، بطل مسلسل “ممالك النار” الإماراتي، والذي شنع وهاجم الخلافة العثمانية في مصر، لأزمة قلبية نُقل على إثرها لمستشفى قصر العيني الفرنساوي وأجرى عملية قسطرة، وطلبت زوجته منى المغربي من الجمهور الدعاء له عبر صفحتها الشخصية على موقع فيس بوك.
“النبوي” الذي قام بدور السلطان المملوكي “طومان باي”، وقبل أن يزج بتاريخه الفني في خضم الحملة الإماراتية على تركيا، زعم في مقابلة مع المطبلاتي عمرو أديب، أن السلطان العثماني سليم الأول عندما دخل إلى القاهرة قتل عشرين ألف مواطن مصريٍ بريءٍ، وأحرق البلاد، وأن السلطان أرسل العلماء والحرفيين إلى إسطنبول، وعاشت البلاد المصرية سنوات من الظلم والجوع والفقر والحرمان، فهل لدى فنان السيسي دليل على ذلك؟
البلاط المملوكي
استشهد أهل التشويه والتزوير بالمؤرخ المصري ابن إياس، وشهادة هذا المؤرخ مجروحة في كل ما يتعلق بالعثمانيين، إذ إن محمد بن أحمد بن بركات بن إياس نفسه من المماليك، وقد اتصل أبوه مع البلاط المملوكي، فهو ذو أصول شركسية، ومعروف بعدائه وبغضه للعثمانيين وللسلطان سليم تحديدا، وذلك لأنهم قضوا على دولة أجداده.
غالبا ما يُقصد عندما يذكر أن سليم قام بمجزرة في القاهرة، بأنه قتل كل من له صلة بالحكام المماليك السابقين، ولكننا إذا نظرنا إلى وصف المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي وهو يصف دخول سليم إلى مصر فيقول: “ولما خلص له- أيّ السلطان سليم- أمر مصر عفا عن من بقي من الجراكسة وأبنائهم، ولم يتعرض لأوقاف السلاطين المصرية”.
ويضيف الجبرتي: “بل قرر رواتب الأوقاف والخيرات والعلوفات، وغلال الحرمين والأنبار، ورواتب للأيتام والمشايخ والمتقاعدين، ومصارف القلاع والمرابطين، وأبطل المظالم والمكوس والمغارم، ثم رجع إلى بلاده، وأخذ معه الخليفة العباسي، وانقطعت الخلافة والمبايعة، وأخذ معه ما انتقاه من أرباب الصنايع التي لم توجد في بلاده، بحيث إنه فقد من مصر نحو نيف وخمسين صنعة”.
وأضاف، في الثناء على العثمانيين، قائلاً: “وكان العثمانيون في صدر دولتهم من خير من تقلد أمور الأمة بعد الخلفاء المهديين، وأشد من ذب عن الدين، وأعظم من جاهد المشركين، فلذلك اتسعت ممالكهم بما فتح الله على أيديهم، وأيدي نوابهم، وملكوا أحسن المعمور من الأرض، ودانت لهم الممالك في الطول والعرض”.
وتابع الجبرتي: “هذا مع عدم إغفالهم الأمور، وحفظ النواحي والثغور، وإقامة الشعائر الإسلامية والسنن المحمدية، وتعظيم العلماء وأهل الدين، وخدمة الحرمين الشريفين، والتمسك في الأحكام والوقائع بالقوانين والشرائع، فتحصنت دولتهم، وطالت مدتهم، وهابتهم الملوك، وانقاد لهم المالك والمملوك”.
الروايات التاريخية
ذكر رائد التاريخ الاجتماعي المصري الدكتور محمد أنيس في كتابه (الدولة العثمانية والشرق العربي): “ومن أعمال سليم وهو في القاهرة عفوه عن البقية الباقية من المماليك، فأصدر أمرا بعدم التعرض لهم ولممتلكاتهم وباستمرار صرف رواتبهم كما جرت العادة، ليحتفظ بهم كعنصر هام في إدارة البلاد”.
وهذه الروايات التاريخية لمؤرخين مصريين مشهود لهم بصدقيتهم كفيلة بإثبات زيف ما قيل عن دخول العثمانيين إلى مصر بعد إنهاء الحكم المملوكي لها، ويمكننا الاستناد عليها في حديثنا عن بدايات الدخول العثماني لمصر، ونحن لم نستعرض جميع الروايات التي تناولت الحدث؛ لأن الموضوع يحتاج منا لعشرات الصفحات التي تثبت الأساليب السلمية والعسكرية للعثمانيين، وطريقة تعاملهم مع سكان البلاد التي دخلوها.
يقول الدكتور والمؤرخ التركي محمد مقصود أوغلو، إن الغرب والمستشرقين “شوهوا حقائق تاريخنا عندما علمونا أن العرب طعنوا الأتراك من الخلف، وهذا ليس صحيحًا، العرب شاركوا الأتراك في الحروب طوال قرون وكانت آخرها حرب جناق قلعة”.
وتابع: “بالمقابل، علموا العرب أن الأتراك استعمروكم واحتلوكم، وهذه مزاعم باطلة لزرع الفتن بين الطرفين، والصحيح أن ما كان يجمعنا هو الإسلام.”
ورافضًا وصف الفتح العثماني الإسلامي بالاحتلال أو الاستعمار، لفت إلى أن الفرنسيين عندما احتلوا الجزائر فرضوا لغتهم وقتلوا الناس وغزوا عقولهم، بينما العثمانيون لم يفرضوا لغتهم، بل العكس أخذوا من العربية وأدرجوها في لغتهم.