تخيّل أن شخصًا محتلًّا مثل نتنياهو يأتيك كي يأخذ أرضك كاملة، ومن ثم يسافر لدولة أخرى مثل أمريكا تاريخها حافل بالإجرام والاحتلال والتموضع والتمدد، ثم يضع لك خارطة دويلتك الجديدة “فلسطين”، وفقا لرؤيته ومصالحه، ويجبرك على القبول بها، ويعطيك مهلة للتفكير!.. أي ذل وهوان وصل إليه العرب والمسلمون؟.
بعد مرور أكثر من عامين على اقتراح الرئيس الأمريكي المتصهين دونالد ترامب لأول مرة، خطة لإنهاء “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”، والمعروفة إعلاميا بـ“صفقة القرن”، المتوقفة منذ فترة طويلة، كشف ترامب مساء الثلاثاء تفاصيل اقتراحه، الذي اعتبره بداية لـ“إحلال السلام”، وفق زعمه.
وبارك رئيس وزراء العدو الاسرائيلي المنتهية ولايته، بنيامين نتنياهو، المؤامرة الامريكية، معلنا أن العاصمة الفلسطينية، وفق “صفقة القرن” الأمريكية، ستكون في أبو ديس، شرقي القدس المحتلة، فيما ستفرض إسرائيل سيادتها على كل المستوطنات بالضفة الغربية المحتلة، بعد تصويت حكومتها المرتقب على هذه الخطوة، الأحد.
أرخبيل ترامب
ووفق خريطة نشرها ترامب على “تويتر”، عقب إعلانه عن خطته الثلاثاء، تظهر الدولة الفلسطينية المستقبلية على شكل “أرخبيل”، في ظل انتشار المستوطنات في أرجاء الضفة الغربية المحتلة، منذ عام 1967.
ونشرت وسائل إعلام صهيونية، بينها صحيفتا “يديعوت أحرونوت” ومعاريف”، بعض بنود الخطة، التي أجمع الفلسطينيون على رفضها. ووفق خبراء ومراقبين وسياسيين فإن صفقة القرن تمت بالفعل مع حكام العرب الخونة، وصفقات كثيرة مشبوهة تمت ولم يتم الإعلان عنها، لكن ما ينقص صفقة القرن فقط الاعتراف الدولي لكسب الشرعية، أما بالنسبة للشعوب فهي ليست أطرافا في الصفقة؛ لأنها محكومة بالقمع من وكلاء ترامب.
من جهتها أعلنت حركتا حماس والجهاد الإسلامي، عن نيتهما المشاركة في اجتماع للقيادة الفلسطينية، المزمع عقده برئاسة محمود عباس في رام الله، لمناقشة سبل الرد على “صفقة القرن”.
وقال القيادي في حركة «حماس» خليل الحية، في كلمة له خلال مشاركته بمسيرة رافضة للصفقة المزعومة بمدينة غزة: «نثمن دعوة الرئيس محمود عباس، ونقول بكل وضوح نحن وكل الفصائل سنشارك في الاجتماع»، مضيفا أن اجتماع «أبو مازن مهم، لكنه غير كافٍ، ويلزمه اجتماعات أخرى»، كذلك دعا الحية الرئيس الفلسطيني إلى «الاتفاق على استراتيجية موحدة لمواجهة صفقة القرن».
بدورها، أعلنت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، عن مشاركتها في الاجتماع، وقال القيادي في الحركة، خالد البطش، إن الحركة «ستشارك في اجتماع الفصائل المقرر عقده في رام الله مساء اليوم لبحث آليات العمل الوطني لمواجهة خطة ترامب».
كان عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، قد قال في وقت سابق، الثلاثاء، إن القيادة «دعت حركة حماس لحضور الاجتماع كما بقية الفصائل الفلسطينية»، مضيفا أن «هناك قيادات من حركة حماس في الضفة الغربية أكدت نيتها المشاركة».
الورقة الأخيرة
وفي التفاصيل، فإن الصهيوني “ترامب” يعيشُ أزمة حقيقية داخل البيت الأبيض وترجيحات بمغادرته له وعدم بقائه فيه بفعل الإزعاج والمطاردة التي يقوم بها الديمقراطيون بحقه، وخطوات محاكمته التي يبدو بأنها تتقدم باستمرار ولا تتوقف أمام جهود فريق الدفاع عنه “الضعيف بأدلته” أمام الموج المرتفع للديمقراطيين.
وبالتالي، فـ”ترامب” الذي لم تتغير تحركاته وتصرفاته قبل ولوجه البيت الأبيض، بقيت على نفس الأسلوب “الاقتصاد والصفقات والمصالح”، لذلك وفي خضم معركة الملاحقة القضائية التي يتعرض لها، وتضاؤل الحظوظ بولايةٍ ثانية، كان لا بُد من إلقاء ورقته الأخيرة التي يلعب من خلالها على وتر اللوبي الصهيوني “رافع أو خافض” للطامحين بدخول البيت الأبيض، وهو بذلك يُحاول اللعب على وتر الهروب من المحاكمة وضمان التجديد لولاية رئاسية ثانية.
وللخروج من هذا الواقع المأزوم داخل الكيان الإسرائيلي، بات “نتنياهو” يلعب على وتر التطبيع مع البلدان العربية “والذي للأمانة فعل فيه ما لم يفعله زعماء (إسرائيل) كافة”، وبات يُلوِّح بضم الأغوار، ويُشيد من قبل هذا وذاك بما حققه من أمن للجمهور الإسرائيلي بفعل التنسيق الأمني ودون أي مقابل أو تكلفة يتحملها جيشه، هي محاولات يسعى من خلالها لاستمالة الناخب لاختياره لفترة جديدة، لكنها محاولات يبدو أنها غير كافية لإقناع الناخب الصهيوني.
أمام هذا الواقع، يظهر “ترامب” قادما من بعيد، يدفعُ سفينةَ النجاة لصديقه الحميم “نتنياهو” ولنفسه كذلك، والسفينةُ على متنها متاعٌ أصحابه أهل فلسطين والمسلمين كافة، ساعيا من خلال ذلك لدفع الناخب الإسرائيلي لاختيار “نتنياهو” كأعظم شخصٍ يقود كيانه ويُنقذه من الانهيار في ظل تحديات هي الأشد عليه منذ تأسيسه!.
يبرز السؤال المهم من أهل الحق: وهل بإمكاننا إسقاط صفقة القرن؟ وللإجابة على هذا السؤال فلا بُد من الرجوع إلى الوراء، وتقليب صفحات التاريخ قليلاً، فحتما من الماضي نستحضر ملامح المستقبل.
أمام كل الأزمات التي واجهت الفلسطينيين، كانت خيارات الفلسطيني تنحصرُ في أمرين لا ثالث لهما: إما التسليم بالأمر الواقع والخضوع والخنوع لإرادة المحتل “وهذا ليس من شيمة الفلسطيني”، أو مقاومة قراراته ورفضها ومواجهتها بكل ما أوتي من قوة “وإن كانت لا تكادُ تّذكر في مواجهة قوة الاحتلال وحلفائه”، وذلك المعتاد للفلسطيني، فالمحتل على مدار إنشاء “كيانه” على أرض فلسطين لم يأخذ تسليما بوجوده من أهلها.
بحرًا أم جوًّا؟
في الحالة الفلسطينية الراهنة، بإمكان الفلسطينيين توحيد الموقف والقرار والفعل، لكن الوقت الذي أمامهم ليس كبيرا لانتظار المزيد من الوقت، خطوة السيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي بدعوة الفصائل الفلسطينية للاجتماع في القاهرة وتجاوز أزمات وإشكاليات الماضي، خطوة في الاتجاه الصحيح، أمام الضغوط الكبيرة التي تستهدف القضية الفلسطينية، لكنها غير كافية.
الفصائل الفلسطينية كافة باستثناء حركة “فتح” رحبت بدعوة هنية، لكن الترحيب من الجميع لا يكفي، وانتظار الرد من قبل حركة “فتح” أمام سيف الوقت لن يرحمنا إن أصرت “فتح” كعادتها في دعوات سابقة على تجاهل قرار الإجماع الوطني.
المنطقة تغلي على صفيح ساخن، والتحرك الأمريكي هذه المرة يبدو أنه جديٌ للغاية، فالمطلوب تحرك عاجل لمواجهة أي إجراءات أو تحركات أمريكية وإسرائيلية وغيرها، لن تشفع البيانات أو الشجب والاستنكار العربي، ولن تفلح الشعوب من خلالها فقط في إسقاط الصفقة.
ينبغي أن يكون الفعل بحجم هذا التحدي الكبير، بل يجب أن تجعل الشعوب من فعلها في حال تم إصدار القرار الأمريكي دافعا لإسقاط نتنياهو وترامب وإزالتهم من المشهد السياسي بالكامل.
إن المنطقة يجب أن تتحوَّل إلى بركانٍ يتفجر في كافة الأراضي الفلسطينية، ويحرق كل من جاءها سارقاً ومحتلاً، أما البقاء في حالة انتظار لرد السلطة الفلسطينية أو حركة “فتح” فلن يرحم التاريخ أحداً.
وكثيرا ما خذلت “فتح” المقاومة في محطات مهمة وهي صاحبة التقديس للتعاون والتنسيق الأمني مع المحتل الصهيوني، فهل ستوافق هذه المرة “بشكل عملي وليس إعلامي” في إسقاط صفقة القرن؟
وختاما سئل الرئيس الكوبي الراحل فيدل كاسترو: “ما رأيك في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟”، قال: “أنا لا أفهم هذه المفاوضات، لو كنت أنا، لفاوضت اليهود كيف يريدون الرحيل برا أم بحرا أم جوا”.