عُرف السودان باللاءات الثلاث “لا صلح.. لا اعتراف.. لا تفاوض.. حتى يعود الحق لأصحابه، وظل محافظا على موقفه المشرف تجاه القضية الفلسطينية، حتى أتى “البرهان” فنسفها، وهرول الى التطبيع العلني دفعة واحدة بحجة أمن السودان، ومتى كانت إسرائيل بوابة العبور لأمان الدول العربية؟!.
خطوة مفاجئة أقدم عليها رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان، عبد الفتاح البرهان، بلقائه رئيس وزراء العدو الصهيوني، بنيامين نتنياهو، ليفتح بذلك جدلا بين تجريم وتبرير الخطوة، وبين تشكيك بجدواها وتأييدها.
ويعد اللقاء الذي جمع البرهان ونتنياهو الإثنين في أوغندا هو الأول من نوعه، المعلن لمسئول سوداني رفيع بالجانب الإسرائيلي منذ استقلال السودان عام 1956.
ويبدو أن اللقاء يدشن لمرحلة تحول كبير في العلاقات العدائية بين الخرطوم وكيان العدو الصهيوني، إذ ظل السودان داعما للقضية الفلسطينية، وتمسك برفضه لأي علاقة مع العدو الصهيوني.
وكشف مكتب رئيس وزراء العدو الصهيوني، في بيان على تويتر، عن أن نتنياهو والبرهان التقيا في أوغندا، واتفقا على “بدء تعاون يقود نحو تطبيع العلاقات بين البلدين”.
فهم خاطئ
ويرفع عسكر السودان شعار “نقاطع كلنا أو نطبع كلنا”، ولسان حالهم يقول: “لكن أن تطبع مصر والأردن في العلن وتطبع الإمارات والسعودية وعمان في الخفاء وأن يستفيدوا جميعا اقتصاديًّا من تطبيعهم السري، فهذا استغفال وتلاعب واستعباط لا نقبل به.. فليعلنوا طرد السفراء ومقاطعة إسرائيل الآن ونحن معهم إن استطاعوا فعلها ولن يفعلوها”!.
وقال البرهان، في خطاب ألقاه نيابة عنه المتحدث باسم الجيش العميد ركن عامر محمد الحسن، إن السودان يعمل من أجل مصالحه، دون التعارض مع عدالة القضية الفلسطينية، وأضاف أن “الاتصالات مع نتنياهو وبومبيو بدأت منذ ثلاثة أشهر وطرحنا فيها ما يستفيد منه السودان”.
وتابع “لنا الحق في العيش ضمن المنظومة الدولية مثل الآخرين ولن يمنعنا أحد من السير في هذا الطريق”، مشيرا إلى عزمه تشكيل لجنة من مجلسي السيادة والوزراء لدراسة مزايا وعيوب العلاقة مع إسرائيل.
وأوضح أنه أخطر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بلقاء عنتيبي قبل يومين من موعده، مشددا على أن قوى الحرية والتغيير ليس لديها اعتراض على الخطوة، لكن اعتراضها جاء على عدم التشاور حولها قبل الذهاب.
وفيما يتعلق بحركة الطيران، أشار البرهان إلى أن بعض شركات الطيران تعبر أجواء السودان متوجهة إلى إسرائيل منذ أشهر، مضيفا “اتفقنا على عبور كل الشركات ما عدا شركة العال”.
وحول علاقات السودان بالسلطة الفلسطينية، قال “لم نتصل بالسلطة الفلسطينية ولم يتصلوا بنا، والسلطة نفسها معترفة بإسرائيل”، معتبرا أن قرب السودان من إسرائيل قد يكون مفيدا في “مساعدة الفلسطينيين على حل مشاكلهم”.
لا تُصالح
وفي ظل التدافع الكبير من خونة التطبيع العربي ربما تطالب إسرائيل، واحة الديمقراطية والسلام في الشرق الأوسط، الخونة العرب الشبقين على التطبيع معها وتقديم أي تنازل يستطيعون تقديمه لسواد عيونها، بالوقوف بالدور وعدم التدافع كالهمج!.
وليس غريبا لو تخيلنا والحال هكذا أن تصدر وزارة خارجية العدو الصهيوني بيانًا تأديبيًّا موجهًا للدول العربية، تؤكد فيه تقديرها لتعب القادة العرب من العلاقات السرية ورغبتهم في لعق مؤخرة تل أبيب، على الملأ دون خجل أو خوف من تسريبات الصحف الأجنبية، لكنّ هذا لا يعني أن يتزاحموا بهمجية دون أي احترام للدور.
وعلى طغاة العرب أن يعوا قبل الإقدام على التطبيع بأن وجود عوامل مشتركة بينهم وبين الصهاينة كالقمع والاستبداد والبطش والبروباجاندا السياسية لا يعني أنّهم متشابهون؛ فهذه المسائل تتم في إسرائيل ضمن عمل مؤسسي ممنهج ضد الفلسطينيين فقط!.
وربما يتوجه نتنياهو بنصيحة أخوية للبرهان المتحمس لدخوله عالم السياسة مؤخرا، وهو يظنَّ أنَّ سيطرته على السودان تخوِّله الحصول على كلِّ ما يريد على الفور، عندها يهمس له نتيناهو: “لا يا حبيبي، عليك الوقوف بالدول مثلك مثل غيرك، وعندما يحين الوقت سنسمح لك بالتطبيع معنا”!.
وسيضيف نتنياهو في نصيحته للبرهان: “عقب ذلك نباشر بالإجراءات لإزالة بلدك من قائمة الإرهاب، ومن الممكن إن بقيت مهذبا تسمع الكلام أن نعلمك كيف تمارس الإرهاب دون أن تُدرج على أي قائمة سوداء”.
وهى النصيحة التي على دول الخليج العمل وفق حدودها، وعدم الاستعجال والتوقف عن تعطيل دور الدول الأخرى، وسيقول لهم نتيناهو: “منذ التسعينيات وأنتم تقفون خلف رؤساء أمريكا غير قادرين على حسم خياراتكم وبذات الوقت تعطلون مساعي دول شقيقة لكم بأن تجرّب حظّها”.
وسيضيف نتنياهو: “كل ذلك وفي نهاية المطاف تخرجون علينا بمعاهدة عدم اعتداء؛ وهل كنتم يومًا تجرءون على الاعتداء علينا؟ تعلّموا من السادات والملك حسين كيف أنجزوا الأمر بسرعة وشجاعة ولم يهدروا وقتنا”.