“الحج للأغنياء فقط”.. هل أسقط جشع السيسي الفريضة عن الفقراء؟

- ‎فيتقارير

في مصر.. لم يعد الحج فريضة تذلل الصعاب لأجل إتمامها ويُيسر على المسلمين لتلبيتها، بل تحول إلى سبوبة وموسم للتربح بعد أن بات واحدًا من منافذ الكسب السريع لشركات السياحة وحكومة جنرالات الانقلاب على حد سواء.

حتى بات شعار “الحج للأغنياء فقط” هو الأبرز على مدار اعوام الانقلاب بعد أن تخطت أسعاره قدرات الطبقات المتوسطة إلى زمرة المرفهين أصحاب الملايين، أما الفقراء ومحدودو الدخل فلا عزاء لهم، مكتفين بإسقاط الفريضة لعدم الاستطاعة!

شخلل عشان تحج!

أسباب عدة كانت وراء القفزات الجنونية في أسعار الفريضة هذا العام والذي سبقه، بعضها يقع مسؤوليته على عاتق العسكر وجشعهم الذى أودي بالجنيه إلى التراجع بشكل ضاعف من قيمة فاتورة الحج.

والجزء الآخر يقع على الجانب السعودي، الذي يواصل مسيرته في رفع أسعار كل الرسوم والخدمات المقدمة، من أجل سد العجز الذي تواجهه المملكة طيلة الأعوام الأخيرة، ليدفع فقراء المسلمين وحدهم الثمن.

وهنا مكمن الخطورة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بفضح وفتح ملفات اقتصادية وشبكات منافع، ونفقات لعائلة الحاكم ومصالح وبيزنس ضخم لقادة عسكريين، في دولة تتصدر تصريحات القائمين عليها عند أي مطالب فئوية أو متاعب شعبية، نغمة الضيق والحاجة والحرمان.

ربما تكون عصابة السفيه السيسي هي صاحبة السبق، في صناعة مزيج متنافر تم تجنيسه عنوة، جمع بين تصيد الأخطاء واجتزاء الأقوال والأفعال من سياقها، ورمي الاتهامات جزافًا وبدون أدلة وفي جميع الاتجاهات، والهجوم والسخرية من الخصوم، وقولبة الاتهامات وحصرها في فصيل وتوجه سياسي بعينه، بحيث يتم تصنيف أي معارض مهما كانت خلفيته أو دوافعه أو أفكاره وأهدافه عليه، وتجاوز لكل ممنوع وانتهاك لكل ما هو محرم، مع تحريض واضح ضد كل مخالف أو معارض للسلطة.

ووصل بأحد سدنة إعلام النظام لمطالبة القوى الأمنية بالضرب في سويداء القلب في مستهل حكم الجنرال الدموي، وصولًا إلى استعمال وزيرة الهجرة في حكومته قبل عام لإشارة قطع الرقبة على الطريقة الداعشية لكل معارض للعسكر.

وسواء كانت مطالبات الأول مقصودة والثانية عفوية، ففي كلتا الحالتين تلك هي حقيقة عصابة الانقلاب ومنهجيتهم، ومع كل هذا تجد في المقابل إعلام العسكر وعماله وأعماله يعملون ويحاولون بشتى السبل، رسم صورة تكاد تكون مثالية وملائكية لأركان النظام العسكري، وتصديرهم في ثوب الزاهدين في السلطة والثروة.

وتصوير السفيه السيسي وكأنه المنقذ للوطن دون غيره، وربطه والدولة في رباط واحد وثيق، بحيث من يحاول انتقاده أو معارضته أو كشف فساد عصبته، هو عدو وخصم وخائن تستحل محرماته وشرفه وعرضه وحقوقه، وحتى دماؤه، في مزيج متناقض لن تجد له مثيلا في كل الوجوه العسكرية للعصابة منذ تأسيس “مملكة يوليو العسكرية”.

موسم الدولارات!

وأعلنت وزارة الداخلية في حكومة الانقلاب، البدء فى قبول طلبات التقدم لحج القرعة اعتبارًا من يوم السبت الموافق 22-2-2020م حتى يوم الأحد الموافق 8-3-2020، ويُشترط لمن سبق له أداء فريضة الحج أن يكون قد مضى على آخر حج له خمس سنوات هجرية كاملة، حيث تقبل طلبات الحج هذا العام لمن سبق لهم أداء فريضة الحج آخر مرة عام 1435هـ – 2014م وما قبلها.

وبعيدًا عما تقوم به السلطات السعودية من تفاقم للأزمة سواء من خلال رفع رسوم وخدمات الحج، أو عبر تخصيصها لمئات التأشيرات المجانية، مجاملة لبعض الشخصيات العامة، في صورة هدايا، وهو ما ينعكس سلبًا بالطبع على حظوظ وحصص المواطنين المصريين، في إطار محدودية التأشيرات المقدمة لمصر، إلا أن هناك أبواب أخرى للفساد.

الحج السياحي

أحد أبرز هذه النوافذ التي أثارت جدلاً بين المشتغلين في هذا الوسط، كونه بابًا كبيرًا للفساد والتربح؛ إذ إن هناك ما يقرب من 35595 مصريًا فازوا بقرعة الحج السياحي هذا العام.

الخبير السياحي عادل شعبان، وأحد أصحاب شركات السياحة، كشف عن حزمة من الأساليب المتبعة لاختراق النظام المعمول به، في الحصول على تأشيرات الحج السياحي، عبر تقديم مئات الآلاف من الطلبات وجوازات السفر دون علم أصحابها!

الطريقة الأولى وهي استخدام جوازات معتمرين لعمرة رمضان، وفي حالة فوز بعضهم يتم إخبارهم أن جوازهم قدم بالخطأ، وهنا يكون الخيار إن أراد الفائز الحج عليه سداد المبلغ، وإن لم يقبل قدمت التأشيرة لشخص آخر بكلفة عالية.

أما الطريقة الثانية فتتمثل في إدخال جوازات سفر أقارب أصحاب وموظفي الشركات السياحية، وفي حال الفوز يتم الاعتذار منهم أو منحهم بعضًا من المال، في نظير التنازل عن التأشيرة لتمنح لشخص آخر وهكذا.

فيما تأتي الطريقة الثالثة ممثلة في إدخال المتقدمين في الحج الاقتصادي منخفض السعر إلى الحج السياحي الخمس والأربع نجوم، وفي حال الفوز إما أن يدفعوا الفارق، أو تمنح التأشيرة لآخرين ويتم الاعتذار لهم عن الحج هذا العام.

تلاعب وتجاهل السياحة

“شعبان” أشار إلى تجاهل وزارة السياحة عشرات الشكاوى المقدمة من أصحاب شركات السياحة، بشأن التلاعب في أرقام الحج السياحي، وأنها تمنح لشركات بعينها، ما يثير العديد من علامات الاستفهام عن العلاقة بين تلك الشركات (الحيتان) وبعض المسؤولين داخل حكومة الانقلاب، ما يسهل لهم الحصول على هذا الكم الكبير من التأشيرات والتسهيلات، مقارنة بغيرهم من الشركات الصغيرة.

الحج لمن استطاع إليه سبيلاً، لكن السبيل تعرقله مبالغة في التكاليف ومتاجرة من البعض، وثمن يدفعه المصريون جراء سياسات فاشلة، أوصلتهم إلى المرحلة التي باتت فيها أداء الفريضة حلمًا بعيد المدى.

في مقابل سلطة آل سعود الجشعة، والتي جعلت من الشعيرة تجارة تعوض بها فشلها وعجزها، بسبب طموحات أمير لا يتردد في أن يطيح بكل ما أمامه من أجل الوصول إلى كرسي العرش، ولو كان الثمن مقدسات ومبادئ الإسلام التي دعت للتخفيف وعدم المبالغة.

أما في مصر فالفساد أكثر فجاجة وزكمًا للأنوف، بعدما سقطت ورقة التوت عن الانقلاب بكافة شخوصه وأركانه، ونسفت الصورة التي عمل الإعلام ومؤسسات العسكر على رسمها، عن الدولة المستهدفة والموارد غير الكافية والأعداء المتربصين بها.

والترويج أن التقشف ورفع الدعم والارتفاع المتوالي للأسعار، هي ضرورات المرحلة الحالية، ليأتي سيل الفيديوهات من المقاول المنشق محمد علي؛ لتفضح زيف وكذب تلك الادعاءات.

وأن التصريحات المتوالية التي ما ترك الجنرال السفيه السيسي فرصة إلا واستغلها؛ ليشرح فيها ويسترسل عن مدى فقر الدولة، وقلة مواردها وحاجتها للفكة والتبرع ولو بجنيه، وفاتورة القروض المستمرة اللازمة لنهضتها، يقف خلفها صورة أخرى من الرفاهية والبذخ يعيشها الجنرال وعصابته العسكرية ومنتفعو الانقلاب الذين يتقدمون قوائم الحج!