على طريقة "بص العصفورة"، سعي إعلام رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي لإلقاء الضوء بقوة على قضية موظف قسم المشتريات في محكمة مجلس الدولة، والدور الذي قامت به "الرقابة الادارية" في القبض عليه، والعثور على قرابة 20 مليون دولار عملات مختلفة في منزله، للتغطية على الاف جرائم الفساد والرشوة الأخرى خصوصا في مجال صفقات السلاح.
وكشف تقرير لمنظمة الشفافية الدولية (نوفمبر 2015) أن تصنيف مصر بين الدول التي تواجه مخاطر الفساد في قطاع الدفاع "حرج" و"أحمر" في مخاطر الفساد في قطاع الدفاع، وهو التصنيف الأسوأ في المؤشر.
وأشار لان نظام الانقلاب أنفقت أكثر من 135 مليار دولار على قطاع الدفاع في عام 2014، وهو ما يشكل 7.6% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، وأن معدل هذا الانفاق هو الأعلى في العالم، قياسًا إلى نسبته من الناتج المحلي الإجمالي.
وكتب المهندس والخبير المصري نائل شافعي، الذي يعيش في امريكا، ينتقد التركيز على قضية موظف مجلس الدولة فقط، رغم أهميتها ويقول: "لو أنتم حقاً مهتمون بمكافحة فساد المشتريات فلتطلبوا قائمة بأكبر مكاتب المشتريات الحكومية مرتبة حسب حكم التعاملات، ثم فليبحث أهل الرقابة فيهم".
وتساءل: هل قصة الكشف عن موظف مشتريات مجلس الدولة "بطولة وهمية" في مكافحة الفساد لتلميع شاب (يقصد أبن السيسي)؟ أم لإلهاء الناس عن الغلاء وفضيحة قرار مجلس الأمن (تراجع السيسي عن قرار الاستيطان) ؟!
وتابع د. نائل علي حسابه علي فيس بوك يكشف: "طبعاً سنجد أن مكتب المشتريات في وزارة الدفاع يختص وحده بأكثر من نصف مشتريات الدولة، فهل لنا أن نعرف ما نوع الرقابة القائمة عليه؟".
وكان المدون والصحفي وائل عباس كتب عقب الكشف عن رشوة مجلس الدولة يقول:
"اللي مسك القضية الرقابة الادارية، والقضية تمس موظف في مجلس الدولة، وابن السيسي في الرقابة الادارية، ومجلس الدولة بينظر قضية تيران وصنافير، والموظف المتهم ابوه مستشار، وعيلته عندهم 3 مكاتب صرافة بتتاجر في العملة، والعملات الممسوكة في البيت قيل انها بتاعة مكاتب الصرافة دي، والمستشار جنينة حب يكشف قضايا فساد زي دي راح ورا الكرتونة".
وتساءل: "ليه جنينة وحش والرقابة الادارية حلوة؟ وقال ان الرقابة الادارية مسكت قضية تجارة الاعضاء من كام يوم، واكتشفنا ان قضية تجارة الاعضاء متهم فيها دكاترة اخوان ومنهم اللي سايب البلد من سنين (أي انها وهمية)، وقال لو اخدنا كل المعلومات وضربناها في الخلاط "ها تطلع ريحة وحشة قوي .. قوي .. قوي"، في اشارة لهدف تلميع نجل السيسي وسحب فكرة مكافحة الفساد من الجهاز المركزي للرقابة الادارية لتلميع اسم ابن السيسي.
فساد هائل في مشتريات السلاح
وكان كتاب الصحفي الامريكي بوب وودورد The Veil، كشف فساد هائل في مشتريات السلاح المصرية في عام 1980 من شركة "الأجنحة البيضاء" التي كان يملكها نائب الرئيس حسني مبارك ومنير ثابت وأبو غزالة.
كما كشف الكونجرس الامريكي عام 1996 تقاضي ليلى تكلا النائبة بمجلس الشعب المصري، رشوة من شركة لوكهيد مارتن للسلاح، لتوزعها على جنرالات مصريين لشراء مروحيات، وطالب بمحاكمتها.
لا رقابة على عمولات السلاح
وخلال رصده لتزايد الإنفاق السري على الدفاع، قال تقرير "منظمة الشفافية الدولية" الاخير، إنه في مصر: "تعد ميزانية الدفاع التي تقدر بحوالي 4.4 مليارات أمريكي سرًّا من أسرار الدولة، ولا تتوافر تلك الميزانية بأي صيغة من الصيغ للجمهور أو للسلطة التشريعية".
وأضاف أن الجيش المصري منذ عام 1979 سُمِح له قانونًا بالاحتفاظ بحسابات مصرفية تجارية خاصة به، كما أن ميزانيته مستقلة عن بقية الحكومة، وأنه يسيطر على جزء كبير من الاقتصاد من خلال أعماله".
وفي تصريحاته الاخيرة السبت 24 ديسمبر 2016، فضح السيسي الهدف الاساسي الذي يسعي له جنرالات الجيش وهو السيطرة على 50% من الاقتصاد بدعاوي الامن القومي وتوفير السلع الرخيصة للمصريين بينما الهدف هو تعزيز امبراطورية الجنرالات التي لن تكتف بامتيازات تجنيها من وراء صفقات السلاح الضخمة الاخيرة.
وحينما طالب نواب برلمان الثورة 2012، بالرقابة على اقتصاد الجيش، قال اللواء محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية وعضو المجلس اﻷعلى للقوات المسلحة سابقًا، في تصريحات شهيرة سابقة عام 2012 أن النشاط الاقتصادي للقوات المسلحة «عَرق الجيش»، وزعم أن الجهاز المركزي للمحاسبات يقوم بالرقابة على أعمال القوات المسلحة عبر مئات اللجان التي يرسلها سنويًا.
ويقول يزيد صايغ، الباحث الرئيسي بمركز كارنيجي للشرق اﻷوسط والمختص بالدور السياسي للجيوش العربية أن المشكلة هي عدم وجود رقابة مدنية على ميزانية الجيش وصفقات السلاح ومن ثم العمولات التي يجري دفعها.
وطبقا للقانون المصري والمراسم الدولية يفوض القانون المصري، رئيس الجمهورية لعقد صفقات السلاح للدولة وطبقا للقوانين التي تم اتخاذها قبل انتخابات مجلس النواب كان هناك قانون يحدد العلاقة بين رئيس الجمهورية والمجلس الاعلي للقوات المسلحة في شراء الاسلحة لمصر .
وحذر تقرير سابق لموقع "ميدل إيست آي" الاخباري من مخاطر "الإمبراطورية الاقتصادية العسكرية في مصر" على جهوزية الجيش المصري للحروب، بسبب تفرغ قادته للهيمنة على كل فروع الاقتصاد والخدمات، وتحصيل المكاسب المالية لهم ولمحاسيبهم المقربين منهم.
وأثناء تحقيقات مبارك الأخيرة تبين أن هناك نسبة تقدر بحوالي 5% تعتبر عمولة عن كل صفقة سلاح تشتريها مصر يحصل عليها رئيس الجمهورية، ونسبة قريبة من ذلك لوزير الدفاع والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذين يقومون بالتعاقد مع شركات السلاح العالمية.
وأكد حسني مبارك الرئيس السابق في التحقيقات وقتها إن هذه العمولات معروفة دوليا وأن عبد الناصر والسادات كانا يتقاضيان هذه العمولات وهي بنسبة 5.2 % وتعتبر من ضمن الأعراف الدولية.
وعقب ثورة يناير وفتح ملف العمولات ورشاوي صفقات السلاح، كشف حافظ أبو سعدة، الرئيس السابق للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، عن وجود مرسوم ملكي منذ عهد "السلطان حسين"، يتيح لرئيس البلاد الحق في الحصول على سمسرة وعمولة تقدر بـ 5% عن كل قطعة سلاح تدخل البلاد حتى ولو كانت رصاصة، مؤكدًا أن العمولات نظير عبور السفن الحربية من قناة السويس أو عند إبرام صفقات للسلاح إلى مصر، نظرًا لأن القانون المصري يلزم أي سفينة حربية مهما كانت جنسيتها أن تحصل على موافقة رسمية من وزارة الدفاع المصرية حتى تتمكن من العبور.
وأيضًا عبور حاملات الطائرات والغواصات التي تعبر تحت المياه، رغم أن قوانين العبور في قناة السويس تحتم على الغواصات الظهور على السطح وعبورها مكشوفة، ولكن نظرًا للأسرار الحربية تم استثناؤها من قبل وزارة الدفاع المصرية.
أيضا قال د. عبد الله الأشعل، أستاذ القانون الدولي بالجامعة الأمريكية، إن صفقات السلاح باب سري وخلفي للحصول على أموال الشعوب العربية، وأن ثروة الرئيس المصري السابق "حسني مبارك" أغلبها من عمولات في صفقات السلاح، وصفقة تصدير الغاز لإسرائيل، وصفقات عقارية في مناطق الاستثمار السياحي في الغردقة وشرم الشيخ، بالإضافة إلى أنه كان أكبر وكيل للسلاح في مصر بحكم وضعه كرئيس للبلاد، ويأخذ عمولته بالقانون المشبوه الذي أعطى لرئيس الجمهورية الحق في عقد صفقات السلاح مع الدول الأجنبية.
ولأن القانون لا يزال معمولا به يحصل السيسي وكبار جنرالات الجيش علي نفس العمولات التي سبق الحديث عنها، والتي لا يعرف قيمتها ولا اين تذهب.
الخلاصة
الخلاصة أن قضية رشوة موظف مجلس الدولة، كشفت 3 أمور:
(الاول) أن حجم الفساد الذي تحدث عنه المستشار هشام جنينه وقدره بـ 600 مليار جنية ليس أكاذيب، فاذا كان موظف صغير تبين أن المتبقي من حجم الرشاوي التي تلقاها هو 155 مليون جنيه، فهذا يؤكد أن هناك حجم فساد أكبر من ما قاله المستشار جنينه، وتكون هذه القضية اشبه برد الاعتبار للمستشار هشام جنينه.
(الثاني): أن هناك محاولات لتلميع الرقابة الادارية وابن السيسي، والتركيز علي ان الرقابه الاداريه عامله شغل في مكافحه الفساد، وبرغم أن هذا يثير سؤال: لماذا تم حبس هشام جنينه إذن وقال نفس الشئ عن الفساد، إلا أن هناك من يرون ان هناك ابعاد اخري تتعلق بتلميع ابن السيسي