“إحنا ماسكين عليه شريط فيديو وهو بيحلف!”، كان هذا ببساطة رد ممثل خارجية الانقلاب بمصر، ردًا على سؤال في برنامج “الحكاية”، المذاع على فضائية إم بي سي مصر، وهو ما يعني أنه لو قام رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي احمد” بالتكفير عن يمينه بإطعام ستين مسكينًا لطالب جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي أن يكون واحدًا منهم.
وفي الوقت الحالي لا يملك العسكر أية أوراق ضغط على إثيوبيا سوى تسيير وفد الدبلوماسية الناعمة المفضل لدى السيسي، والمكون من يسرا ورفيقة دربها إلهام شاهين ومعهما الراقصة فيفي عبده.
وكان السفيه عبد الفتاح السيسي قد طلب من رئيس الوزراء الإثيوبي، في يونيو 2018، أن يكرر القسم ثلاث مرات بأنه لن يتسبب في أزمة مياه لمصر، وهو الطلب الذي أثار سخرية كبيرة آنذاك، خاصة أنه كان على الهواء مباشرة خلال مؤتمر صحفي بالقاهرة.
استخفاف بالعقول!
ومن ناحية ثانية تسببت تصريحات لوزير الري في حكومة الانقلاب حول أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، في جدل على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبرها مغردون استخفافا بما وصفوه بأكبر خطر يهدد مصر حاليا.
وفي تصريحات تلفزيونية قال الوزير محمد عبد العاطي: إن رئيس الوزراء الإثيوبي لم يوف بقسمه في القاهرة بعدم المساس بالأمن المائي المصري، وإنه يخشى توقيع اتفاق يلزمه بما يقول، وذلك على خلفية تصاعد الهجوم المتبادل بين البلدين بعد انسحاب إثيوبيا من مفاوضات سد النهضة التي كانت برعاية أمريكية.
تقول الناشطة رندا محمود: “لا تلوموا آبي أحمد لأنه موظف عند شعبه ويمثلهم ويدافع عن حقوقهم. لوموا من قبلتم أن ينقلب عليكم ويبني قصوره من جيوبكم ويقتل أحراركم في معتقلاته.. تحملوا مسئولية اختياركم أو سكوتكم في الحالتين أنتم المسئولون.. عند طلب السفارات شهادة خلو من كورونا أعلنتم النفير! أليست كرامتكم أولى؟”.
جدير بالذكر أنه عندما فجّر المقاول والفنان محمد علي بركان احتجاجات عريضة في مصر، باتهامه السفيه السيسي وزوجته بإهدار مليارات الجنيهات من المال العام في بناء قصور رئاسية، بالتواطؤ مع الإدارة الهندسية التابعة للقوات المسلحة، اختار جنرال المخابرات السابق السفيه السيسي الحديث عن أزمة سد النهضة، باعتبارها خطرا وجوديا يواجه مصر، وإثارة المخاوف حول فشل مفاوضاته، كتكتيك لحشد الجماهير الغاضبة خلف عصابة الانقلاب في الأزمة، ولتشتيت انتباه المصريين وإلهائهم بعيدًا عن بركان محمد علي.
وجرت عادة السفيه السيسي، عند حديثه عن أزمة سد النهضة طوال الخمس سنوات الماضية، أن ينكر وجود الأزمة من الأساس تارة، وأن يطمئن المصريين بقدرته على حلها والسيطرة عليها تارة أخرى، وتناقض موقفه المتراخي في مفاوضات السد مع حديثه المعسول عن الأزمة.
ولأول مرة عند حديثه عن الأزمة يقلب الجنرال عادته ويغير موقفه، ويعتبر بناء السد منتهى الخطورة، وهو وإن كان في حديثه الأخير عن مخاطر السد قد قلب كلامه السابق ومواقفه القديمة، فقد نطق بالحقيقة التي يعرفها كل مصري.
لكن الغريب هذه المرة هو استدعاء السد وإقحامه في الرد على اتهامات محمد علي له ولزوجته بالفساد، وهو ما قالت بعض وكالات الإعلام الأجنبية، إنه تم بتوجيه من جهة سيادية.
لم يكتف السفيه السيسي بإقحام أزمة سد النهضة في التشويش على اتهامات الفساد، ولكنه ارتكب مغالطة أخرى، واتهم ثورة يناير باعتبارها الغلطة المسئولة عن شروع إثيوبيا في بناء السد، والتي لولاها ما بُنيت سدود على نهر النيل، وحذر المصريين، وهذا هو المهم بالنسبة له، من تكرار الثورة التي اعتبرها أخطر من بناء السد.
مستنقعات الفقر
من جهته قال وزير الخارجية الإثيوبي، جودو إندار جايتشو، إنه لا توجد قوة تمنع بلاده من استكمال بناء سد النهضة، من جانبها أعلنت واشنطن عن خيبة أمل شديدة لغياب أديس أبابا عن الاجتماع الأخير بشأن السد، مؤكدة مواصلة الجهود للتوصل إلى اتفاق.
وأضاف “الأرض أرضنا والمياه مياهنا والمال الذي يبنى به سد النهضة مالنا ولا قوة يمكنها منعنا من بنائه”، وتابع “سوف نبدأ في التعبئة الأولية لخزان سد النهضة بعد أربعة شهور من الآن”.
وأشار الوزير إلى أن بيان وزارة الخزانة الأمريكية بشأن عدم تعبئة سد النهضة مرفوض من جانب أديس أبابا، وقال جايتشو: “إثيوبيا لديها الحقوق الكاملة في انتشال مواطنيها من مستنقعات الفقر باستخدام مواردها الطبيعية”.
جدير بالذكر أن السفيه السيسي وقع مع إثيوبيا عام 2015 اتفاق مبادئ منح شرعية لسد النهضة بدون أي تحديد لشروط ملء السد، وكانت النتيجة أن أقبلت دول جديدة على تمويل السد، لأن مصر المتضررة وافقت عليه ثم رأي المصريون السفيه السيسي في مشهد عبثي يطلب من رئيس وزراء إثيوبيا أن يحلف بالله العظيم أنه لن يسبب ضررًا لمصر.
لقد ماطلت إثيوبيا وتظاهرت بقبول التفاوض من أجل كسب الوقت، وعندما انتهت أو كادت من بناء السد أعلنت أنها غير ملزمة بأي شيء لأي جهة، وأنها ستستعمل السد كما يحلو لها.