أغرى العجز الذي يتعامل به مسئولو الانقلاب مع سد النهضة، إثيوبيا على التمادي في تحدي مصر بشكل سافر؛ حيث أعلنت إثيوبيا عن استعدادها لكافة الخيارات التي قد تلجأ إليها مصر إزاء الموقف الإثيوبي الرافض للمطالب المصرية، وهو ما عبّرت عنه بعض الكتابات الصحفية الإثيوبية في الفترة الأخيرة، والتي تحدّت الموقف المصري الذي ضيعه السيسي منذ البداية، بتوقيع اتفاق مبادئ سد النهضة، الذي مكّن إثيوبيا من الإسراع في بناء سد النهضة.
وفي هذا الإطار ادّعت صحيفة إثيوبية، الخميس، أن القاهرة تُعد حربًا ضد أديس أبابا بهدف تدمير قرابة 70% مما أُنجز من أعمال بناء سد النهضة، زاعمة أن تاريخ مصر يتسم بالتآمر من أجل إبقاء إثيوبيا “ضعيفة ومتشظية ومتخلفة”.
جاء ذلك في مقال نشرته صحيفة “كابيتال” الأسبوعية لكاتبة تُطلق على نفسها اسم “ملكة سبأ”، انتقدت فيه مساعي مصر لفرض اتفاقيات بشأن توزيع مياه نهر النيل “أُبرمت في عهد الاستعمار”، حسب وصفها.
ودعت الكاتبة أديس أبابا إلى دراسة بناء آلاف السدود الصغيرة إلى جانب سد النهضة، مشيرة إلى أن “رياح التهديد والتحريض على إثيوبيا بالحرب تهب عبر صحاري مصر”، بحسب تعبيرها.
وأضافت أن إثيوبيا قد تضطر إلى الانخراط بشكل رسمي وغير رسمي، وبشكل ضمني أو صريح، في بناء سدود صغيرة في كامل منطقة تجمعات مياه النيل الأزرق على امتداد عدة مئات من الأميال داخل حدود البلاد، تحسبًا لأي هجوم من جانب مصر.
استمرار في التحدي
ومضت “ملكة سبأ” إلى القول: إن إثيوبيا قد تطلق حملة متواصلة لاستغلال كل مسطحاتها المائية، التي تشكل نهر النيل العظيم، بعزم وحزم وبدوافع انتقامية ردا على موقف مصر “العدائي الدائم”.
وزعمت الكاتبة أن إثيوبيا ظلت تتعرض لتهديد واضح ومحاولات تخريب صريح من الحكومات المصرية المتعاقبة، منذ عهود موغلة في القدم، لتثنيها عن الاستفادة من المسطحات المائية التي وهبها الله لها دون الإضرار بحقوق دول المصب.
وأشارت إلى أن عبد الفتاح السيسي تنحّى للتو من رئاسة الاتحاد الإفريقي، حيث كان يُفترض منه أن يضطلع بدور مهم في إيجاد “حل إفريقي لمشكلة إفريقية”، لكنه أصر “بأنانية وبشكل مخادع وغير لائق على إقحام وسطاء غير أفارقة للتدخل، في مخالفة تامة لاتفاقية الإطار التعاوني لدول حوض النيل” المبرمة في مدينة عنتيبي الأوغندية عام 2015.
واعتبر المقال أن الوساطة الأمريكية بمثابة “تنصل مصري مخز من التزامها القاري ومسئوليتها تجاه التقيد والوفاء، واحترام المبدأ الأساسي للاتحاد الإفريقي الذي يتبنّى حلا إفريقيا لأي مشكلة إفريقية”.
ووفقًا للمقال، فإن من تصفهم الكاتبة بـ”المراقبين المنحازين الذين نصبوا أنفسهم وسطاء ووكلاء” لم يتركوا لإثيوبيا مجالا كبيرا للمناورة والاستمرار في المفاوضات، في إشارة على ما يبدو إلى الولايات المتحدة.
وأعربت الكاتبة عن أملها في أن تتمكن رئاسة الاتحاد الإفريقي في دورتها الجديدة- التي تولتها جمهورية جنوب إفريقيا- من الاضطلاع بدور إيجابي في هذه القضية.
وخلال الأسبوع الماضي، تصاعدت أزمة سد النهضة بعد إعلان إثيوبيا انسحابها من المفاوضات مع مصر والسودان برعاية أمريكية، مؤكدة حقها في مياه النيل، وأنه لا توجد قوة تمنعها من استغلال مواردها في التنمية، وهو ما رفضته القاهرة، واعتبرته تصعيدا غير مبرر.
إلى ذلك، أعلنت موسكو الخميس، أنها عرضت الوساطة بين مصر وإثيوبيا لحل أزمة سد النهضة.
جاء ذلك على لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا”، خلال مؤمر صحفي الخميس.
وقالت المتحدثة، إنه تم بحث أزمة السد خلال قمة “روسيا- إفريقيا” في مدينة سوتشي في أكتوبر الماضي، وفق فضائية “روسيا اليوم”.
وأشارت “زاخاروفا” إلى أن موسكو عرضت التوسط لحل الأزمة بين الطرفين خلال القمة، وأن روسيا تربطها علاقات وثيقة مع القاهرة وأديس أبابا.
وتابعت: “نحن مع أطراف الأزمة لإيجاد حل وسط يرضي الطرفين، ويكون على مبدأ المساواة ووفقا للقوانين والأعراف الدولية”.
وأبدت الحكومة الإثيوبية تحفظاتها على الاتفاقية التي صاغتها الولايات المتحدة، وقالت إنها طلبت مزيدا من الوقت للتشاور؛ ما اعتبرته القاهرة غيابا متعمدا لعرقلة توقيع الاتفاق في إطار سياسة المماطلة التي تنتهجها أديس أبابا.
وساطة أوروبية
لاحقا، أعلنت إثيوبيا اعتزامها بدء الملء الأولي لخزان “سد النهضة”، خلال الصيف المقبل، مشددة على أنه لا توجد قوة تستطيع ثني أديس أبابا عن استكمال بناء السد، فيما ردت القاهرة بأنه لا يمكن ملء السد دون موافقتها.
في غضون ذلك، دعا وزير الخارجية الانقلابي سامح شكري، الاتحاد الأوروبي إلى حث إثيوبيا على توقيع اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة، حفاظا على الأمن والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي.
جاء ذلك خلال لقاء “شكري”، الخميس، مع “يوهانس هان” مفوض الاتحاد الأوروبي للميزانية والإدارة، في مستهل زيارته للعاصمة البلجيكية بروكسل.
وعلى ما يبدو، فإن إثيوبيا المدعومة باستثمارات إماراتية سعودية وحماية إسرائيلية ستسير بقوة نحو ملء السد، في يونيو المقبل، دون توقف للمطالب المصرية التي فقدت أوراق الضغط، ومكّنت إثيوبيا من شرعية ممارساتها في استكمال السد وجلب استثمارات دولية غير مسبوقة بعد توقيع اتفاق سد النهضة في 2015، وسط تهديدات فعلية لمصر بفقدان نحو 50% من حصة مصر المائية.