وقفن وحدهن أمام مجلس وزراء الاحتلال العسكري السيساوي يطالبن بالإفراج عن سجينات وسجناء الرأي والغارمين والغارمات، في ظل تفشي فيروس كورونا القاتل في كل بقاع الأرض، وبدلًا من الاستماع إلى مطالبهن التي لا يختلف عليها عاقل، أمر كهنة الفرعون بالقبض عليهنّ إلى أن صدر قرار من نيابة الانقلاب بإخلاء سبيلهن.
سلطات الانقلاب التي تضرب بتحذيرات مرض كورونا عرض الحائط، قامت بإلقاء القبض على كل من ليلى سويف وأهداف سويف ومنى سيف ورباب المهدي من أمام مجلس الوزراء، بعد أن نظمن وقفة للمطالبة باتخاذ قرارات عاجلة بخصوص السجون في ظل الخوف من تفشي فيروس كورونا، كما قامت بتوقيف سناء سيف عندما توجهت إلى محيط مجلس الوزراء للسؤال عنهن، ثم أصدرت النيابة في وقت لاحق قرارا بإخلاء سبيلهن. إلا أن رسالة القبض عليهن وصلت إلى النشطاء!
ولا تزال سلطات الانقلاب العسكري في مصر تتجاهل دعوات حقوقية ومناشدات دولية للإفراج المشروط عن المعتقلين، ومسجوني الرأي؛ خوفا من انتشار وباء فيروس “كورونا” المستجد داخل السجون.
واتخذت سلطات الانقلاب قرارين، اعتبرهما حقوقيون جريمة جديدة بحق المعتقلين، إذ قررت منع الزيارة عن المعتقلين والمسجونين، الثلاثاء الماضي، تبعه قرار آخر الأحد يقضي بوقف المحاكمات وإجراءات التقاضي.
وحسب أهالي المعتقلين، فإن نقلهم لمقار النيابة وقاعات المحاكم كان المتنفس الوحيد لهم والفرصة الأكبر كي يروهم ولو للحظات، في ظل منع الزيارات عن الكثيرين منهم لسنوات.
السجون مكتظة
ومنذ الظهور الأول للفيروس بمصر 14 فبراير الماضي، تواترت الدعوات والمناشدات لإطلاق سراح المعتقلين بالسجون المكتظة، حسب تقرير للمجلس القومي لحقوق الإنسان “حكومي”، الذي قال في مايو 2015، إن التكدس بغرف الاحتجاز تجاوز 300 %، وبالسجون 160%.
من جهته قال الكاتب الصحفي وائل قنديل: “مجموعة من السيدات الفاضلات ليلى سويف وأهداف سويف ورباب المهدي ومنى سيف توجهن لمقر الحكومة للمطالبة بإخراج المحبوسين والمعتقلين، حماية من كورونا، فقامت الحكومة باعتقالهن وضمهن إلى قائمة المعتقلين.. حدث قبل قليل في مصر”.
وأضاف الكاتب الصحفي جمال سلطان: “أسجل تضامني الكامل مع تلك الأسرة الكريمة، والمصريات النبيلات، ليلى سويف وأهداف سويف ومنى سيف ورباب المهدي، ألقى الأمن القبض عليهم لأنهن ذهبن لرئاسة الوزراء يطالبن الحكومة بإنقاذ المساجين السياسيين والمحبوسين احتياطيا من الموت في السجون المكدسة بفيروس كورونا”.
وقال الإعلامي حسام الغمري: “يرفض حتى مجرد إعطائنا فرصة التضامن معه في مواجهة كورونا بجريمة القبض على الدكتورة ليلى وأهداف سويف ورباب المهدي ومنى سيف، هل فقد النظام القدرة على الفهم والتمييز؟ أما الرجولة فلا أتحدث عنها لأنه يعاني نقصا فيها منذ أتى”.
وأضاف الحقوقي جمال عيد: “الناس اللي بتزعم إن دي حكومة مهتمة بشعبها، إيه رأيكم بعد القبض على ليلى سويف وأهداف سويف ومنى سيف ورباب المهدي فقط لأنهم قالوا #خرجوا_المساجين مفيش فايدة حكومة تعادي الحرية والديمقراطية والنور”.
وانتقد الحقوقي محمود جابر فرغلي تجاهل سلطات الانقلاب كافة المطالب الخاصة باتخاذ إجراءات احترازية بالسجون المصرية مع انتشار فيروس كورونا بالعالم؛ خاصة أن بيئة السجون المصرية تسمح بانتشار الأمراض”.
وقف الكارثة
مدير مؤسسة “عدالة لحقوق الإنسان”، وصف هذا التجاهل بأنه “جريمة يُعاقِب عليها القانون”، موضحا أن “النظام لا يكترث بالمطالب الحقوقية والإنسانية، رغم أن مواد القانون تسمح باتخاذ إجراءات وقائية تُسهم بوقف كارثة توشك أن تقع”.
وقال: “لا أدري، لماذا يتعنت النظام المصري تجاه المسجونين؟”، مؤكدا أنه “إذا استمر التجاهل والتعنت فقد يحدث ما لا تُحمد عقباه، وقد يلجأ المسجونون لإنقاذ حياتهم بأي طريقة، ولا أتوقع أن يسلموا أنفسهم للموت بكورونا بسهولة”.
وتوقع فرغلي أن “تسود السجون حالة من عدم الاستقرار أو محاولة الخروج من السجون، رغما عن إدارتها، حاصة السجين الجنائي”.
وختم بالقول: “يستطيع النظام طواعية إخلاء سبيل المحبوسين احتياطيا، والإفراج الصحي المشروط عن المرضى وكبار السن، وأيضا يمكنه تفعيل العفو العام عن المسجونين؛ وذلك لمنع وقوع كارثة وشيكة بالسجون”.
وقال الباحث السياسي عزت النمر: “مع حالة الرعب العالمي من انتشار كورونا، الذي وصل لمرحلة الجائحة التي تهدد البشرية، لا تملك أي سلطة عندها الحد الأدنى من الإنسانية، وتملك أي قشور من الوطنية، إلا أن تفرج عن المعتقلين، أو على الأقل إيداعهم منازلهم، وليس هذا الأمر بدعا من الدول، بل تم بدول مجاورة أقربها إيران”.
الناشط الحقوقي، قال إن “المعتقلين بمصر يتضمنون قامات وطنية وشريحة من نخبة الوطن وأفضل مكوناته، لكن سلطة عبد الفتاح السيسي تتجاهل دعوات الإفراج عنهم لعدة أسباب”.
وتابع: “منها ما يتعلق بالسيسي ورموز انقلابه مجموعة القراصنة والقتلة، ولا ننتظر منهم رحمة وشفقة وعقلانية، لكن نتوقع منهم انتهاز الفرصة لقتل المعتقلين وتعذيب ذويهم، حتى لو كان بالأمر انتشار للفيروس ومقتل نصف الشعب، فهم لا يلقون لهذا الأمر بالا”.
وأضاف النمر أن “السيسي أيضا يعتبر المعتقلين وقود النار الذي ستحرقه إذا ما أخذوا حريتهم وأطلقوا من قيودهم، ويعتبر أن تحررهم وخروجهم بأي شكل يعني تعليقه على أعواد المشانق بأقرب فرصة”.
رفض إسرائيل
ويرى أن “السبب الثاني يتعلق بأصحاب القرار الرئيسي بسلطة الانقلاب ورعاته؛ إسرائيل التي بينها وبين المصريين ورموزهم حرب وجودية ومفاصلة عقائدية، ودولة الإمارات وممثلها محمد بن زايد، الأشد عداوة للمصريين ولرموزهم من اليهود، والأكثر حربا على تحرر المصريين، وانتقاما من ثورة يناير ورموزها الذين هم أكثر المعتقلين”.
وأضاف الباحث السياسي: “وإذا كان هذان صاحبي القرار الحقيقيين، فلا نتوقع منهم إلا مزيدا من التعنت والقهر والقتل”.
وقال إن “ثالث الأسباب، ما يتعلق بدعوات الإفراج نفسها، فهي ما زالت من أصوات شعبية ومنظمات حقوقية، وهذه وتلك لا تملك إلا التوصية والطلب، وهذا ما لا يجدي مع الانقلابيين ورعاتهم، وستظل الدعوات لا تلامس آذان وأسماع الانقلابيين، خاصة مع صمت المجتمع الدولي، وربما تواطؤ مراكز الثقل الدولي مع هذه الجريمة، وربما دعمهم لها”.
وأضاف أن “ما سبق يزيد من سادية الانقلاب، فبدلا من الإفراج عن المعتقلين تقوم بمزيد من الإجراءات العقابية لهم بمنع الزيارات”، مبينا أننا “أمام فجر بالخصومة واستهتار بآيات الله الماثلة أمام أعيينا؛ سنرى عواقبه عاجلة لهؤلاء الفراعين”.
ودشن حقوقيون وإعلاميون وعدد من المجموعات الشبابية على مواقع التواصل الاجتماعي حملة #خرجوا_المساجين؛ للمطالبة بالإفراج المشروط عن المعتقلين السياسيين في مصر، خوفا من إصابتهم بفيروس كورونا وتفشي المرض بينهم.
وأعرب النشطاء عن تخوفهم من وصول الفيروس إلى السجون ومقرات الاحتجاز، مؤكدين أن السجون المصرية هي الأماكن الأكثر جاهزية لأن تصبح بؤرا لا تتوقف عن نشر فيروس كورونا في كل ربوع مصر، نظرا للتكدس الكبير داخل الزنازين، واستخدام عدد كبير من المساجين للأدوات نفسها، وعدم التعرض الكافي لأشعة الشمس، وسوء التهوية وعدم النظافة وانعدام الرعاية الصحية سوء التغذية.
وطالب النشطاء عصابة الانقلاب بضرورة اتخاذ التدابير الكافية مثل “الإفراج الشرطي وإخراج كبار السن والمرضى بعفو صحي، وتطبيق قانون الحبس الاحتياطي مع التدابير الاحترازية، وإخلاء السبيل مع المنع من السفر.
كما طالبوا كذلك باتخاذ إجراءات أساسية عاجلة من فتح العنابر وإخراج المساجين للتريض وزيادة وقت تعرضهم للشمس، والسماح بدخول الأدوية من خارج السجن، وتقليل العدد والتكدس داخل الزنازين، إضافة إلى زيادة الاهتمام الطبي بكبار السن والمرضى.