رفعت السلطات السعودية درجة التدابير الاحترازية والإجراءات الوقائية بمدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وقررت منع التجوال في أرجاء مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة كافة على مدى 24 ساعة يوميا، مع استمرار منع الدخول إليها أو الخروج منها، وذلك اعتبارًا من تاريخ اليوم الخميس الثاني من أبريل وحتى إشعار آخر.
وليست المملكة العربيّة السعوديّة هي الوحيدة التي ستُواجه ظروفًا صعبةً في الأيّام المُقبلة، مِثلما تنبّأ وحذّر الملك سلمان بن عبد العزيز في خِطابه الذي ألقاه عن أخطار فيروس كورونا، وإنّما جميع دول الخليج والبُلدان العربيّة الأخرى أيضًا، فهذا الفيروس الوبائي يُمكن تصنيفه في خانة أسلحة الدّمار الشامل، ونتائجه الخطيرة مفتوحة على كُل الاحتمالات.
ملك الكورونا
خطاب العاهل السعودي الذي لم تَزِد مدّته أكثر من خمس دقائق، ولم يتضمّن أي جديد باستِثناء لهجته التشاؤميّة المُستقبليّة، لم يتطرّق إلى حرب النفط التي تخوضها بلاده حاليًا ضِد روسيا وأدّت إلى انخِفاض الأسعار إلى أقل من 25 دولارًا.
ولم يأتِ على سيرة الاعتِقالات التي تردّد أنّها شَمِلَت 20 أميرًا على رأسهم شقيقه الأصغر أحمد بن عبد العزيز، ومحمد بن نايف وليّ عهده الأسبق، والعجز الكبير الذي ستُعاني منه الميزانيّة السعوديّة وقد يَصِل إلى أكثر من مِئة مِليار دولار.
ويرى مراقبون أن وجود الأمير محمد بن سلمان على رأس السلطة سبب أزَمات مُتعدّدة تُواجهها المملكة، وخلقت تُربةً خصبةً للصراع، وأبرزها وجود صِراع مُتفاقم على السّلطة داخل الأسرة الحاكمة، وازدِياد حدّة المُعارضة لحُكم وليّ العهد، وسيطرته على كُل مفاصل الدولة ومُؤسّساتها.
وإقدامه على سياسات “مُغامرة”، آخرها اعتقال مُنافسيه الأمراء وأكثر من 200 من المسئولين ورجال الأعمال بتُهم الفساد، والدخول في حربٍ نفطيّةٍ ضِد روسيا، الدولة العُظمى، وفي التّوقيت الخطأ، أي في ظِل انخفاض الطّلب على النفط وانهِيار أسعاره نتيجةَ تراجع الطّلب عالميًّا بفِعل انتشار وباء الكورونا.
ولا ننسى حرب اليمن التي تقترب من نهايتها، ولكن لصالح تحالف أنصار الله الحوثي، وتآكُل “شرعيّة” الحُكومة “الشرعيّة” التي أرادت المملكة إعادتها إلى السّلطة قبل خمس سنوات، ولم تعد وربّما لن تعود على الإطلاق، خاصّةً بعد سُقوط مُحافظة الجوف المُلاصقة لحُدود المملكة، واحتمال أن تتبعها قريبًا مُحافظة مأرب، حيث تتركز فيهما احتِياطات النفط اليمنيّة.
وتعيد سياسة آل سعود منذ صعودهم على اكتاف الخلافة العثمانية بمباركة ومساعدة بريطانية أمريكية، ما جاء في كتاب الله، حيث يقول رب العزة {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون{.
هذا مثلٌ أريد به أهل مكة، فإنها كانت آمنة مطمئنة مستقرة يتخطف الناس من حولها، ومن دخلها آمن لا يخاف، كفرت بأنعم الله أي جحدت آلاء الله عليها، ولهذا ألبسها الله وأذاقها الجوع بعد أن كان يجبى إليهم ثمرات كل شيء، ويأتيها رزقها رغدا من كل مكان، وذلك لما استعصوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوا إلا خلافه، فدعا عليهم بسبع كسبع يوسف، فأصابتهم سنة أذهبت كل شيء لهم.
صهيونية آل سعود
واليوم تعيد سياسة آل سعود القمعية الباطشة المنفذة لأوامر كيان العدو الصهيوني الكرة مرة أخرى. واستغل الرئيس الأمريكي الأحداث في الشرق الأوسط، وحرب اليمن التي تقودها السعودية، وخلافات الأخيرة مع إيران، فرصة من أجل الضغط بشكل مباشر وغير مباشر لملء خزينة بلاده بالمال، وفي المقابل لم يحقق ما تريده الرياض بحماية أرضها، وفشلها في الرد على الاعتداءات التي تعرضت لها من قبل الحوثيين وإيران.
ومن أحد تصريحات الرئيس الأمريكي المتعلقة بـ”الدفع مقابل الحماية”، كان قوله إن السعودية وافقت على أن تدفع مقابل كل ما سنرسله من قوات لمساعدتها، وذلك بعد ساعات من إعلان واشنطن عزمها إرسال ثلاثة آلاف عسكري إلى جانب أسلحة للمملكة العربية السعودية.
ولا يستطيع أيّ مراقب أن يتجاوز عن حادث مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لأن ذلك يتعلّق بمستقبل الدولة السعودية، والأسرة السعودية ذاتها، فلقد اعترف النظام السعودي بقتل خاشقجي داخل القنصل السعودية في مدينة إسطنبول في تركيا بعد 18 يوما من الإنكار، فقد قُتل خاشقجي يوم 2 أكتوبر 2018، ولم يعترف النظام السعودي إلا يوم 20 من الشهر ذاته، بعد أن ظلّ يكذّب كل الروايات التي تتحدّث عن مقتله داخل القنصلية، والادّعاء أنه خرج منها سالما مُعافى.
مستقبل أسرة آل سعود التي تحكم المملكة عبر ثلاثة أجيال، ربما وصل للنهاية، لو صدق كلام عالِم الاجتماع العربي “عبد الرحمن إبن خلدون”، الذي حدّد في كتابه “المقدّمة” عُمر الدولة الأسرية في ثلاثة أجيال آخرها يكون من الملوك الشباب.
وتحدد بريطانيا وأمريكا والكيان الصهيوني مستقبل أسرة آل سعود، بعدما انكشفت الأسرة السعودية لشعوب الأرض كلها، خاصة الشعوب الإسلامية ومنها الشعب السعودي على الخصوص، وهي الشعوب التي كانت تعتقد أن أسرة آل سعود يمثّلون الإسلام، لأنهم يتحكّمون ويشرفون على الحجاز المقدّس، بما فيه من الحرمين الشريفين في مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة، فقد كان المسلمون يتحدّثون عن الحجاز عند حديثهم عن الحجّ أو العُمرة، وصارت السعودية مكان الحجاز.
واليوم رأى المسلمون أمراء الأسرة السعودية يختلفون حول مَن يكون ولياً للعهد، وشاهدوا وليّ العهد محمّد بن سلمان يقبض على الأمراء ورجال الأعمال في شهر أغسطس 2017، من أجل استنزاف أموالهم وإجبار الأمراء من قبل على مبايعته وليا للعهد، فصار الأمراء ورجال الأعمال من الأعداء المُفترضين للملك ووليّ عهده، لأنه في الوقت نفسه دفع حوالى 500 مليار إلى الرئيس ترامب عند زيارته للرياض في شهر مايو 2017، في مقابل أن يوافق على تعيينه وليا للعهد!.