هل ما قامت به حكومة السودان التي يتقاسمها المجلس العسكري الانقلابي من حلّ منظمة "الدعوة الإسلامية" سينقذ اقتصاد البلاد؟ وهل سيحدّ من انتشار وباء كورونا؟ وهل سيلغي طوابير الوقود والخبز؟ ولماذا لا يصرف عسكر الخرطوم عُشر جهدهم الانتقامي في النهوض بالبلد؟ أليس ذلك أفضل للوطن والمواطن؟.
وثمة معركة قانونية ستخوضها منظمة الدعوة الإسلامية لإبطال قرار لجنة "إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال" بحل المنظمة ومصادرة ممتلكاتها، ولكن بعد نفاد اتصالات ومحاولات لإثناء الحكومة السودانية عن القرار.
وقررت لجنة إزالة التمكين، مساء الجمعة، إلغاء قانون منظمة الدعوة الإسلامية لسنة 1990، وحجز واسترداد كل أموال وحسابات وأصول المنظمة وفروعها داخل وخارج السودان، العقارية والمنقولة، ومقراتها ودورها وشركاتها واستثماراتها، على أن تؤول لوزارة المالية.
ثورة السودان
ويربط سودانيون بين وقائع متوالية تجري في بلادهم منذ الإطاحة بنظام عمر البشير في إبريل من عام 2019، وأخرى تشبه إلى حد كبير ما جرى بعد الثورة المصرية المنكوبة التي تم اغتيالها بانقلاب قاده وزير الدفاع والرجل الأقوى في مصر عبد الفتاح السيسي، صيف عام 2013، مدعوما بغطاء من التحالف السعودي الإماراتي الرافض الديمقراطية والإصلاحات السياسية المترتبة على "الربيع العربي".
وتشبه بدايات ثورة السودان ما جرى في مصر، إذ شهدت الخرطوم قبل عام انتفاضة شعبية واعتصامات جماهيرية تشبه إلى حد كبير ما وقع في القاهرة عام 2011 بميدان التحرير والمحافظات المصرية، ولاحقا استجابت قيادة الجيش للتطلعات الجماهيرية لتعزل رئيس النظام السوداني مثل ما جرى من قبل في القاهرة، ومن ثم قامت بتشكيل مجلس عسكري لإدارة البلاد.
مآلات التجربة المصرية جعلت السودانيين يرفضون السماح للجيش بالانفراد بإدارة المرحلة الانتقالية ليطالبوا بتسليم السلطة للمحتجين، وأن يعود الجيش إلى ثكناته، وهو الأمر الذي رفضه العسكريون، ما أدى لصدام دموي مع المحتجين قُتل فيه 61 من المعتصمين أمام القيادة العامة، طبقاً لتقدير سليمان عبد الجبار، وكيل وزارة الصحة السودانية، الصادر في يونيو من عام 2019، بينما تؤكد مصادر حقوقية أن العدد يصل إلى 108 ضحايا.
واتهمت لجنة إزالة التمكين منظمة الدعوة الإسلامية بأنها كانت تشكل معقلا لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير منذ أول يوم، عندما تم إعداد وصياغة بيان انقلاب "ثورة الإنقاذ" داخل مقرها بالخرطوم في 30 يونيو 1989.
ويقول جاد السيد رباح، مدير معهد مبارك قسم الله للبحوث والتدريب التابع للمنظمة، "إن المنظمة الآن لديها اتصالات بقيادات الحكومة السودانية لاحتواء قرار لجنة إزالة التمكين؛ لتبعاته السالبة على أنشطة إنسانية كبيرة تتكفل بها المنظمة".
ويقر رباح بوجود تدخلات من نظام الحكم السابق، مثل تأثيره على بعض السياسات، أو على مجلس الأمناء، لكن المنظمة كانت مضطرة للتعامل مع نظام البشير كأمر واقع، ويشير إلى أن النظام السابق في أول عهده اعتقل رئيس مجلس الأمناء واضطرت المنظمة حينها لاستبداله.
المنظمة دعوية
من جانبه، يصف الأمين العام لحزب المسار الوطني لؤي عبد المنعم قرار لجنة إزالة التمكين بأنه سياسي، وينطلق من خلفيات سياسية لاتهام المنظمة بأنها معقل للإسلاميين.
ويضيف لؤي أنه إذا صح أن هناك وجودا للإسلاميين في المنظمة فهذا شيء طبيعي لأن المنظمة طبيعتها دعوية، وسيكون مفهوما وجود تيارات إسلامية داخلها.
ولا يرى الرجل أي تجاوزات في قانون المنظمة، لأن ثمة منظمات دولية وإقليمية بالسودان لديها الامتيازات ذاتها وأكثر، مثل الأمم المتحدة التي لديها مهابط طيران خاصة.
وتحسر لؤي على فقد السودان مقر أكبر منظمة إسلامية ذات تأثير كبير، وقضاء حكومته على الدعوة الإسلامية في إفريقيا، وإخلاء الملعب لمجلس الكنائس العالمي.
ويقول إن "هذه المنظمة آخر ما تبقى من المنظمات الإسلامية. هذا قرار سياسي وسداد لالتزامات ووعود لدول ومنظمات موّلت المعارضة السودانية، وصولا إلى السلطة، والسودانيون لن يسمحوا بذلك".
ويشير المفكر محمد المجذوب إلى أن المنظمة كانت لها إسهامات كبيرة في إفريقيا جنوب الصحراء بنشر الإسلام واللغة العربية وكفالة الأيتام، وفقا لأنشطة تصب لصالح الإنسان والدين.
ويرى أن القرار شابه عدم توفيق سياسي، واتخذ وفقًا لاعتبارات أيديولوجية تجعل السودان يخسر كثيرا، لأن المنظمة كانت تغني السودان عن كثير من الجهود في القارة.
وطبقًا لمدير معهد مبارك قسم الله للبحوث والتدريب التابع للمنظمة، فإن المنظمة لديها 33 بعثة في إفريقيا، وتعمل في أربعين دولة في مجالات الصحة والتعليم وكفالة الأيتام والمشردين.
ويصف الخسارة بالفادحة جراء حل المنظمة، لأن لديها مجمعات تعليمية وصحية كبيرة في النيجر وتشاد وملاوي وتنزانيا، وإلى جانب ذلك، تنظم المنظمة أعمالا موسمية مثل مشروع الأضاحي، الذي نفذ في السودان بتكلفة 1.1 مليون دولار العام الماضي، بالتعاون مع الهلال الأحمر في كل من قطر وتركيا.
وكانت المنظمة- حسب جاد السيد- ترتب لإفطار الصائم هذا العام في ظل جائحة كورونا بالسودان، بالتعاون أيضا مع الهلال الأحمر في كل من قطر وتركيا.
وأكد لؤي عبد المنعم أن للمنظمة احتراما كبيرا تحظى به في إفريقيا، إذ ظل سجلها فوق كل الشبهات، وبعيدا عن أي اتهامات بتمويل الإرهاب، وتمكنت المنظمة خلال السنوات الماضية من تقديم الدعم لأكثر من مليون أسرة في أفريقيا، وأسهمت في توفير فرص تعليم لعدد كبير من الطلاب.
لكن الوضع في الخرطوم اختلف عقب نجاح وساطة إفريقية إثيوبية في استعادة المسار السياسي وبناء شراكة ما بين قوى الحرية والتغيير الجهة السياسية التي قادت الاحتجاجات والمجلس العسكري وبموجبها حصلت قوى الحرية والتغيير على مجلس الوزراء، بينما تشارك مجموعة مدنية جرى اختيارها منهم قادة المؤسسة العسكرية في التمثيل السيادي للبلاد في مجلس رئاسي مختلط نصفه من المدنيين.
نظريا تم تجنب السيناريو المصري، هكذا اعتقد المحتجون، خصوصاً وأن قوى الحرية والتغيير لا تضم تشكيلات من الإسلام السياسي العدو المفترض للدول التي دعمت الثورات المضادة في العالم العربي، لكن عمليا يواجه الانتقال الديمقراطي في السودان خطرا حقيقيا من أمرين الأول: تمدد سيطرة المؤسسة العسكرية السودانية على اقتصاد البلاد بما يمكن أن يؤدي إلى تأسيس جمهورية ضباط على غرار التجربة المصرية.
وخاصة بعد مصادرة شركات وممتلكات عناصر النظام السابق وجهاز الأمن الذي تمت إعادة هيكلته في ظل أن المؤسسة العسكرية لديها بالأصل منذ عهد النظام السابق شركات سبق وأن وصفها موسى كرامة، وزير الصناعة السوداني السابق، بأنها ظلت مدخلاً للفساد الإداري والمالي والتحايل على الإعفاءات الضريبية والجمركية طوال فترة عملها في عهد النظام السابق.
التهديد الثاني يأتي من شبكة العلاقات الدولية المعقدة التي بدأت المؤسسة العسكرية في نسجها مع المحور السعودي الإماراتي ابتداءً ومؤخراً بالتطبيع مع دولة الاحتلال الصهيوني، والانفتاح على إدارة ترامب، وهذه الجهات هي الداعم الرئيسي لنمط الحكم الأوتوقراطي العسكري في مصر وشرق ليبيا تحت دعاوى الاستقرار ومواجهة الفوضى والتطرف.