في الوقت الذى يقف أطباء مصر والعالم في خط الدفاع الأول لمواجهة فيروس كورونا وحماية المواطنين وإنقاذ حياة المواطنين، يقف عمال النظافة كخط دفاع بالشارع يرفعون المخلفات ويضاعفون جهودهم لمنع انتشار الأوبئة والفيروسات، ومع ذلك يتم تجاهلهم في جمهورية العسكر، فلا عناية طبية ووقائية لهم، ولا رواتب مجزية لعوائلهم، حتى بات رؤيتهم يتسولون من السيارات أمرًا شائعا في إشارات المرور.
فعلى الرغم من ارتفاع أعداد الإصابة بفيروس كورونا بمصر، إلا أن سلطات العسكر ضاعفت من عمال النظافة في الشوارع مع عدم اتخاذ إجراءات جدية لحمايتهم من الإصابات، وضاعف العمال شكواهم لتحسين رواتبهم.
اعتقلوهم!
واعتقلت قوات قسم شرطة ثاني مدينة نصر، الشهر الماضي، 70 عاملاً من عمال نظافة الحي السادس، ووفقا لدار الخدمات النقابية والعمالية، فإن عمال النظافة لم يحصلوا على أجورهم من “المقاول” الذي يعملون معه منذ ثلاثة أشهر، وقد توجهوا بالشكوى إلى رئاسة الحي السادس الذي يعملون في نطاقه وحرروا محضرا بقسم ثاني مدينة نصر تحت رقم 973، وتوجهوا إلى رئاسة الحي لمتابعة ما وصلت إليه شكواهم قبل أن تفاجئهم قوة من الشرطة واقتادتهم إلى القسم بعد أن حصلت على بطاقات الرقم القومي الموجودة معهم، وحررت لهم محضرا تتهمهم فيه بالتجمهر أمام الحي في خطوة تسبق اقتيادهم إلى نيابة مدينة نصر للتحقيق معهم!.
ومع ضآلة رواتبهم وانعدام الحماية لهم من الأمراض، تُزايد سلطات الانقلاب على عمال النظافة ولا تقدم لهم سوى الشكر الأجوف الذي لا يشبع بطونهم، وقدم مختار أبو الفتوح، رئيس اللجنة النقابية للعاملين بالهيئة العامة للنظافة والتجميل بالجيزة الشكر للعاملين بهيئة النظافة، من عمال وسائقين، مؤكدا أنهم يقومون على أعمال النظافة ورفع القمامة من الشوارع من أجل الحفاظ على البيئة، ولم يتغيبوا عن أداء واجبهم!.
وفي سياق متصل، هاجم رواد مواقع التواصل الاجتماعي رجل الأعمال نجيب ساويرس، أحد أهم داعمي الانقلاب العسكري، والذي صرح قبل أيام بأنه من أنصار عودة العمل فورا بعد انتهاء فترة حظر التجوال، محذرا من اضطرار رجال الأعمال إلى تخفيض الرواتب وتسريح العمالة، بسبب توقف حركة الإنتاج.
وقال ساويرس- المثير للجدل غالبا بسبب اشتباكه إعلاميا مع معظم الأحداث الجارية- إن استمرار توقف الإنتاج سيؤدي إلى زيادة البطالة، وإصابة البعض بالاكتئاب، وربما الإجرام والانتحار، وهو منهم، مشددا على أنه ستكون هناك “دماء اقتصادية” في الشوارع إذا لم يعد العمال والموظفون إلى أعمالهم!.
تصريحات ساويرس استقبلتها مواقع التواصل بالهجوم والنقد، وقال بعضهم إن ساويرس هو الوجه الأسوأ لرجال الأعمال الذين يبحثون فقط عن الربح على حساب البشر، واعتبر آخرون أن ساويرس يعبر عن الكثير من رجال الأعمال الذين يخشون الحديث عن ذلك صراحة.
ودعا مغردون ساويرس إلى تحمل العمال والموظفين فترة قصيرة مقابل السنوات الطويلة التي عملوا فيها، وساعدوا على نمو ثروته وتضخمها، وزاد من حدة الهجوم على ساويرس الموقف المعاكس الذي أعلنه العربي بدعم الموظفين وعدم خفض رواتبهم، وهو ما أعلنه أيضا رجل الأعمال ونقيب المستثمرين الصناعيين محمد جنيدي، الذي دعا ساويرس ونظراءه إلى ضرورة تحمل العمال وطمأنتهم.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى؛ فقد تعرض ساويرس لإحراج آخر من صفحة دولة السويد باللغة العربية، حيث ردت بالتفصيل حول دعوة ساويرس إلى فتح المجال العام وحركة الاقتصاد، مثل السويد.
حيث أوضحت الصفحة أن مقولة ساويرس “إنه يجب على الناس أن يستمروا كلهم في الحياة اليومية العادية بدون أي تغيير اقتداء بالسويد” غير صحيحة؛ لأن الحكومة السويدية نصحت كبار السن والفئات المعرضة للإصابة بعزل أنفسهم طوعا، وكذلك تم منع الزيارة لدور المسنين، كما أوصت الخارجية السويدية بعدم السفر إلى خارج البلاد حتى يونيو المقبل، إلا في الحالات الطارئة.
رمضان بلا موائد!
ويشتكي عمال النظافة كغيرهم من المصريين من غلاء الأسعار الذي طال السلع الأساسية قبل حلول شهر رمضان، والذي رأى فيه البعض عملا ممنهجا للقضاء على أي معارضة في المجتمع.
وقال أحد عمال النظافة، ويدعى محمود فتحي، إنه كان يعاني في رمضان الماضي من عدم القدرة على شراء البلح لغلائه، ولم يتخيل أن الأوضاع ستسوء لدرجة عدم القدرة على شراء سلع أساسية كالأرز والزيت.
وأبدى محمود فتحي أسفه الشديد لتوقعه عدم القدرة على الوفاء باحتياجات أسرته المكونة من ستة أفراد خلال رمضان المقبل، وقال إن متوسط ميزانية تكاليف الإفطار اليومي لأسرتها البالغة خمسة أفراد ارتفع هذا العام عما كان عليه العام الماضي.
وتداول ناشطون ومغردون مقطع فيديو للسفيه السيسي، يتساءل فيه بحدة عن “المسئول المدني” بأحد مواقع الإنشاء تحت إشراف الجيش، بعد رؤية العمال دون “كمامات”، الأمر الذي أثار غضبا على مواقع التواصل الاجتماعي.
واعتبر ناشطون سؤال السفيه السيسي عن المسئول المدني في هذا الموقف وبهذه الكيفية “إهانة للمدنيين”، وأظهر الفيديو انفعال السفيه السيسي بسبب عدم ارتداء العمال “كمامات” للحد من انتشار فيروس كورونا، ما دفعه للسؤال “فين المدني المسئول اللي هنا”؟.
ودشن ناشطون هاشتاج “فين المدني اللي هنا” للسخرية وانتقاد عقلية عصابة السيسي في التعامل مع المدنيين مقارنة بتعامله مع ضباط الجيش، وجاء الوسم أيضا ردا على هاشتاج “السيسي حبيب الغلابة” الذي دشنه الذباب الإلكتروني احتفاء بالمقطع لإبراز ما اعتبروه “خوف السيسي على الغلابة”.
لم يكن السفيه السيسي وحراسه على مستوى تمثيل القدوة للعمال، فقد غضب لعدم ارتدائهم الكمامات بينما كان هو حاسر الفم والأنف وكذلك حراسه الشداد الغلاظ، ولم ينتبه إلى أن إلزام العمال بوضع الكمامة بشكل يومي سيكلفهم من أمرهم رهقا، حيث يحتاج إلى ميزانية أخرى، كما تحتاج ذلك الشركة المدنية التي لم يكن هذا في حسبانها عند إسناد المهمة إليها من قبل الجهة الإدارية بالأمر المباشر!.
المفارقة الأكثر غرابة أن العمال عادوا لمواقع العمل، وهو تصرف يفتقد للحكمة ويذكرنا بالتهاون في التعامل مع الوباء في البداية وهو ما نتج عنه انتشاره، ومن المعلوم أن هناك إصابات بين العمال في مجال المقاولات بالذات لا سيما في العاصمة الإدارية الجديدة، فهل من المنطقي أن يكون السؤال أين الكمامات؟ أم لماذا نزلوا للعمل في وقت يتردد على لسان مسئولين أننا في أسبوعين حاسمين؟ فلماذا لم يتم الانتظار حتى نهايتهما للسماح بنزول العمال إلى مواقع العمل؟.