“نيويورك تايمز”: هل تقود أزمة كورونا إلى انقلاب في السودان؟

- ‎فيتقارير

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا حول تطورات الأوضاع في السودان والإجراءات التي تتخذها الحكومة السودانية لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد.

وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "الحرية والعدالة": إن النزاع حول تدابير مكافحة الفيروس التاجي في الخرطوم، عاصمة السودان، أدى إلى مواجهة مفتوحة بين القادة العسكريين والسياسيين في البلاد؛ ما يؤكد هشاشة انتقال البلاد إلى الديمقراطية.

وأضافت الصحيفة أن رئيس الوزراء المدني، عبد الله حمدوك، أعلن يوم الخميس أنه أقال والي الخرطوم، الفريق أحمد عبدون حمد، لتحديه أمرا حكوميا بإلغاء صلاة الجمعة في الخرطوم والمدينة الشقيقة عبر النيل، أم درمان.

وأوضحت الصحيفة أن السودان، شأنه شأن العديد من البلدان الإفريقية، لديه معدل منخفض نسبيا للإصابة بفيروس كورونا – 32 حالة مؤكدة وخمس وفيات – ولكن المسؤئولين يخشون أن يؤدي تفشي المرض على نطاق أوسع إلى الإرهاق بسرعة على النظام الصحي المتهالك في البلد.

وأشارت الصحيفة إلى أن والي الخرطوم رفض أمر رئيس الوزراء، وقال في بيان أصدره مكتبه بعد ساعات إنه ينوي البقاء في منصبه، وهو عمل من أعمال التحدي العلنية غير العادية التي كشفت عن وجود شرخ متزايد داخل المجلس الأعلى الحاكم، الذي يتألف من مدنيين وجنرالات في الجيش، ومن المفترض أن يقود البلاد نحو انتخابات ديمقراطية في عام 2022.

ولفت التقرير إلى أنه قبل عام، احتشد عشرات الآلاف من المتظاهرين على أبواب مقر قيادة الجيش في الخرطوم في مشاهد بهيجة أجبرت على الإطاحة بعمر حسن البشير، ديكتاتورهم المحتقر منذ ثلاثة عقود، وقد تم التقاط الأمل الحماسي لتلك اللحظة في صورة من قبل ياسويوشي تشيبا، وهو مصور في وكالة الأنباء الفرنسية، التي فازت يوم الخميس بجائزة صور العام العالمية للأخبار.

ولكن هذا التفاؤل المندفع قد خفت حدته في الأشهر الأخيرة بسبب عدم الاستقرار السياسي والانهيار الاقتصادي وومضات الاضطرابات العنيفة التي لم تبد مسار بلد لا يزال يكافح من أجل الخروج من ظل حكم السيد البشير القاسي.

ونوهت الصحيفة إلى أن حمدوك، وهو خبير اقتصادي كبير سابق في الأمم المتحدة، كافح من أجل الصمود في وجه جنرالات الجيش الذين سيطروا على حقائب السياسة الرئيسية، بما في ذلك محادثات الاقتصاد والسلام مع المتمردين المناهضين للحكومة في جنوب البلد، وفي منطقة دارفور الغربية المضطربة.

وفي الشهر الماضي نجا السيد حمدوك من محاولة اغتيال على ما يبدو بعد انفجار أصاب موكبه. ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم، لكن أنصار السيد حمدوك ألقوا باللوم فيه على منافسين عسكريين قالوا إنهم تواطئوا مع مسئولين سابقين في نظام البشير. وقال فيصل محمد صالح وزير الإعلام السوداني بعد ذلك "هناك أشخاص يحاولون استهداف مكتسبات الثورة السودانية".

وتابع التقرير: "أدت أزمة الفيروس التاجي إلى تفاقم تلك التوترات، وبعد قفزة في الحالات المؤكدة هذا الأسبوع ألغت الحكومة صلاة الجمعة وأعلنت إغلاقا لمدة ثلاثة أسابيع من المقرر أن يبدأ سريانه اليوم السبت، وفي تحدٍ لهذه الأوامر، احتشدت مجموعة من المتظاهرين خارج مقر قيادة الجيش يوم الخميس للمطالبة بالإطاحة بحكومة السيد حمدوك، ورفع المشاركون لافتات كتب عليها "لا لحكومة الجوع".

وبعد ساعات، ومع تطور المواجهة مع حاكم الخرطوم، اللواء حمد، اتصل مسئولون مدنيون سودانيون كبار بالمسئولين الغربيين والصحفيين المحليين للتحذير من أنهم يخشون أن يستخدم الجيش أزمة كورونا للاستيلاء على السلطة في حين أن العالم الخارجي كان مشتتًا بسبب أزمة الصحة العامة.

ونقلت الصحيفة عن مسئول في هيئة دولية في الخرطوم، طلب عدم الكشف عن هويته، إن القادة المدنيين على خلاف مع قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان الذي ادعوا أنهم مدعومون من قطر الغنية بالنفط ومصر المجاورة.

وتعمل حكومة السيد حمدوك الانتقالية تحت قيادة المجلس السيادي الذي يرأسه اللواء البرهان.

وحسب الصحيفة، سبق لقطر أن دعمت الجماعات الإسلامية داخل السودان، في حين تتسابق مصر على موقع في المنطقة في إطار نزاع مع إثيوبيا حول سد كهرمائي عملاق قيد الإنشاء على نهر النيل، واستقبل عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب الفريق البرهان في القاهرة، لكنه أكد أنه يؤيد انتقال السودان إلى الديمقراطية.

إلا أن العديد من المسئولين الغربيين استبعدوا استيلاء وشيك العسكريين على السلطة، وقال مسئول أمريكي كبير، طلب عدم الكشف عن هويته: إن القادة المدنيين السودانيين متوترون بعد أن تراجعت شعبيتهم في الأشهر الأخيرة مع تراجع الاقتصاد، وحذروا مرارا من انقلاب محتمل في الخرطوم لدرجة أنهم أصبحوا أقرب إلى الصبي الذي يبكي خشية الذئب.

ووصف مسئول غربي مقيم في السودان الخرطوم بأنها تعج بالشائعات عن انقلاب سيتم تحت غطاء الفيروس التاجي، لكنه قال إنه لا توجد مؤشرات ملموسة على أي اضطرابات.

وفي رسالة إلكترونية، قال السفير دونالد بوث، المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، إن إدارة ترامب تقف وراء حكومة السيد حمدوك الانتقالية.

وقال بوث: "نحن ندرك أنه يمثل حلاً وسطًا بين المدنيين وقوات الأمن، وكلاهما كان له دور فعال في إنهاء ديكتاتورية عمر البشير"، مضيفًا أن الحكومة "تحتاج الآن إلى حماية الشعب السوداني من وباء كوفيد-19".

وقال المسئولون المدنيون، الذين تعتمد سلطتهم إلى حد كبير على القدرة على حشد الدعم الشعبي في الشوارع، إن الفيروس التاجي وضعهم في وضع غير موات؛ لأنهم الآن لا يستطيعون تعبئة المؤيدين خشية أن يخاطروا بنشر الفيروس.

وأضافت الصحيفة أن الصراع على السلطة في السودان معقد بسبب التوترات داخل الجيش، ويقول دبلوماسيون ومحللون إن اللواء البرهان يتسابق من أجل التفوق مع الفريق محمد حمدان، القائد الطموح لوحدة شبه عسكرية سيئة السمعة، هي قوات الدعم السريع، التي ذبحت عشرات الأشخاص، في عاصفة من إطلاق النار والاغتصاب الجماعي، خلال عملية عنيفة للخروج من المتظاهرين في يونيو.

وأوضحت الصحيفة أن هناك غضبًا داخل الجيش النظامي من سلطة الجنرال حمدان، الذي يسيطر على إمبراطورية تجارية خاصة، وقد أشار علنًا إلى طموحه في الحكم، وفي إشارة إلى مدى تشابك التحالفات والخصومات داخل القيادة السودانية، أصبح الجنرال حمدان الآن منحازًا سياسيًّا إلى القادة المدنيين الذين ذبحت قواته أنصارهم في الصيف الماضي.

وبحسب الصحيفة، مما زاد الأمور تعقيدًا أن الموالين السابقين للبشير داخل قوات الأمن استعرضوا عضلاتهم في يناير عندما نظموا احتجاجات عنيفة في الخرطوم ضد حزم إنهاء الخدمة، مما سلط الضوء على المهمة الشاقة المتمثلة في إعادة هيكلة جهاز الأمن السوداني الذي يرأسه الهيدرا.

وترى الصحيفة أن صبر الجمهور على التصارع بين القادة العسكريين والمدنيين كان ضعيفاً في الوقت الذي يكافح فيه الاقتصاد السوداني.

وأشارت الصحيفة إلى أنه لم تتحقق زيادة متوقعة في المساعدات الخارجية منذ الإطاحة بالسيد البشير، ولا تزال الولايات المتحدة تدرج السودان كدولة راعية للإرهاب، وتخنق الاستثمار؛ وتخنق السودان على أنه دولة راعية للإرهاب. وقد أدى النقص الواسع النطاق في الأغذية والوقود والعملة الصعبة إلى صعوبات.

كما يصطف العديد من السودانيين لساعات لشراء رغيف الخبز أو للحصول على الوقود لسياراتهم. وقد فر آخرون إلى الخارج، وأعلنت الأمم المتحدة أن أكثر من خمسين مهاجرا من السودان واريتريا نزلوا الأربعاء في العاصمة الليبية طرابلس في أعقاب محاولة فاشلة لعبور البحر المتوسط إلى أوروبا.

ونوهت الصحيفة إلى أن انتشار فيروس كورونا يضيف إلى تلك المشاكل، وفى يوم الخميس حذر ميشيل ياو المسؤول الكبير بمنظمة الصحة العالمية من أن إفريقيا قد تواجه زيادة كبيرة فى الإصابات فى الأشهر القادمة وفي أسوأ التوقعات، قال السيد ياو، إن عدد الحالات في القارة يمكن أن يصل من آلاف إلى عشرة ملايين في غضون الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة.

رابط التقرير: