توقعت صحيفة الجارديان اندلاع حرب بسبب المياه، على خلفية الخلافات بين مصر وإثيوبيا والسودان حول سد النهضة .
ونقلت الصحيفة تصريحات عن أحمد المفتي، وهو محام بارز في مجال حقوق الإنسان وخبير في شئون المياه، حول توقعاته باندلاع حرب المياه القادمة بين مصر وإثيوبيا والسودان، مضيفا أنه انسحب من الوفد السوداني المشارك في مفاوضات سد النهضة اعتراضا على موقف إثيوبيا.
واستنكر المفتي قرار إثيوبيا بناء سد النهضة الكبير، الذي تكلف ٤.٥ مليار دولار (٣.٦ مليار جنيه إسترليني) على نهر النيل الأزرق الذي يمتد من بحيرة تانا في إثيوبيا لمقابلة النيل الأبيض في الخرطوم ويتدفق إلى مصر، مضيفا أن مشروع السد سيؤثر على منسوب المياه عند المصب اعتمادا على مدى سرعة إثيوبيا فى ملء خزانها الذى يبلغ ٧٤ مليار متر مكعب.
وقال المفتي: "أؤمن أنه بعد سنة، اثنتين، عشرة… مئة سنة، سيتسبب هذا السد في عدم الاستقرار في المنطقة، فهذه هي جراثيم عدم الاستقرار، وسوف تتسبب في حرب مياه، إن لم يكن في عهد هذه الحكومة، سيكون في عهد حكومة أخرى"، مضيفا أنه حين يرى الشعب نفسه وهو يموت من العطش فلن يسكت وهو يعرف أن هناك ماء قريبًا منه.
ومن المقرر أن تبدأ إثيوبيا في ملء خزان السد في وقت لاحق من هذا العام، بعد عشر سنوات من المفاوضات المشحونة بين دول حوض النيل.
وفي مطلع أبريل، أعلن رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، أنه سيتم الانتهاء من البناء رغم تحديات الوباء، حيث سيتم ملء الخزان خلال موسم الأمطار الذي يبدأ في يونيو، مضيفا أن "إنقاذ الأرواح هو أولويتنا وبعدها يأتي السد".
واقترح رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك "إدارة مشتركة" للسد، مما يؤدي إلى استنزاف مياه السودان من النيل الأزرق، مع إمكانية توفير الكهرباء الرخيصة المطلوبة بشدة في المستقبل.
ومع ذلك، فإن مصر ترى في المنبع منذ فترة طويلة أن السد يمثل تهديدا وجوديا قد يحرم سكانها البالغ عددهم مائة مليون نسمة من المياه التي يحتاجون إليها للبقاء على قيد الحياة في مناخ متغير، حتى إن بعض المسئولين المصريين ناقشوا تفجير السد، فيما تقول إثيوبيا والسودان إن الطاقة المائية للسد ضرورية لمواطنيها من أجل النمو والازدهار.
وقال المفتي: "أعتقد أنه في غضون سنة واحدة من ملء خزان السد، تبدأ العيوب في الظهور.. هذا السد يعرض الحقوق للخطر الحق في الحياة والحق في العمل"، معربا عن تخوفه من انهيار السد نفسه، مضيفا "سوف يكون هناك نقص في المياه، والافتقار إلى السلامة في السد الذي ألغى حق الإنسان في الحياة للشعب السوداني".
وغادر المفتي وفد السودان إلى المحادثات في ٢٠١٠، بعد أن أعلنت إثيوبيا أنها ستواصل البناء، والآن، بالإضافة إلى عمله في مجال حقوق الإنسان، يقضي أيامه في التجول في المجتمعات الزراعية لتحذيرهم من مخاطر الجراد والعمل على تقديم نشرة إخبارية تتابع تطورات السدود بالتفصيل الدقيق.
وقد كتب المفتي عدة كتب عن الموضوع يقول: "المقصود من هذا الرقم أن يكون سجلا، حتى يتسنى لي حين تسوء الأمور أن أقول إن المعلومات كانت هناك"، وهو ما يدفع الورق إلى الوراء فوق مكتبه الكبير.
وفى يناير الماضي، وصلت المناقشات المتوترة بين الدول الثلاث إلى ذروتها فى واشنطن، وقد تضمنت المحادثات التى تتم بوساطة أمريكية اتفاقا تمهيديا بين الثلاث دول، بما فى ذلك التفاهم على أن عملية ملء الخزان تجرى فى الموسم المطير، كما ذكرت الدول الثلاث أنها تحتاج إلى التوصل إلى اتفاق حول المراحل الأخيرة، وخاصة القضية الشائكة حول كيفية إدارة الأمور خلال سنوات الجفاف؛ لأن الكثير من الدول تعتمد على النيل الأزرق الذي تأثر بتغير المناخ.
وعندما عادت مصر والسودان إلى واشنطن للتفاوض والتوقيع على الاتفاق النهائي في فبراير، رفض المفاوضون الإثيوبيون الحضور، قائلين إن الأمر يحتاج إلى المزيد من الوقت للتداول، وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو: إن الاتفاق النهائي حول السد قد يستغرق "أشهرا" للحل.
لقد غذى موقف إثيوبيا حربا كلامية متصاعدة، واتهمت مصر إثيوبيا بالسعي للهيمنة على مياه النيل، وأثارت القضية مع جامعة الدول العربية وطالبت بدعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقام وزير الخارجية المصري بجولة في الشرق الأوسط لحشد الدعم. فقد حاولت مصر مرارا وتكرارا كسب السودان إلى موقفها من السد، حتى إنها اتخذت خطوات لإنهاء النزاع الحدودي الذي دام لعقود من الزمان.
في المقابل ادعت إثيوبيا أن الرئيس الأمريكي لديه "معلومات غير دقيقة وغير كافية" حول هذه القضية.
ويأمل السودان أن يوفر السد الكهرباء الرخيصة، وقد حاول منذ فترة طويلة تحقيق توازن بين مصر وإثيوبيا، حيث حضر محادثات في واشنطن ورفض توقيع بيان جامعة الدول العربية الذي يدين إثيوبيا.
ووصف المفتي توقيع السودان على إعلان المبادئ الذي وقعته الدول الثلاث في ٢٠١٥ بالأحمق، مضيفا أن الاتفاق قال "إذا كان هناك فائض في الكهرباء المولدة من السد، فإن دول المصب مثل السودان سوف تحصل على الأولوية لشرائها! دون أن يحدد الكمية والأسعار، أو أي شيء، موضحا أن التوقعات تشير إلى أن الإنتاج المتوقع يبلغ ٦٠٠٠ ميغاوات، لكن المهندسين في البداية يقولون إن الإنتاج لن يتجاوز ٢٠٠٠ ميغاوات، لذا لن يكون هناك فائض أبدا. وإذا كان هناك فائض، فإن هذا سيباع بأسعار عادية وفي الوقت الحالي تقدم مصر الكهرباء للسودان.
الأراضي الجافة
ونقلت الصحيفة عن مزارع سوداني يدعى عبد الله علي قوله: إن مياه النيل أصبحت لا تغطي قاع النهر، مما يكشف سلسلة واسعة من الأرض الرملية البنية، مضيفا أنه مد مضخة من مزرعته إلى النهر قرب الضفة للحصول على المياه، ولكنه سرعان ما سيضطر إلى تمديدها.
يقول علي: إن مستوى المياه قد انخفض اليوم عن ذي قبل، مضيفا أن عمره ٦٥ عاما، وكان مزارعا طوال حياته، مضيفا أن المياه في هذا الوقت من العام الماضي كانت وفيرة.
يقدم النيل الأزرق صورة مروعة لأزمة المناخ، ليس فقط لموارد المياه السودانية ولكن للمنطقة بأسرها، وفي الوقت الذي تتنازع فيه السودان ومصر وإثيوبيا حول مياه حوض النيل، فإن أزمة المناخ تتعدى الحدود.
وأعرب "علي" عن أمله أن يحافظ النهر على محاصيله التي تميزت هذا العام بالمزيد من البرسيم لأنه يمكن زراعته في المناطق الجافة، ولكن هذا يعني أرباحا أقل؛ فالبرسيم لا يدر أرباحا مثل الطماطم والبامية التي يبيعها في الخرطوم. كما أن نقص المياه يعني أن هناك حاجة إلى المال اللازم لمضخة تعمل بالديزل للري.
وأوضح علي أن مجرى النهر المكشوف يعني أن دول المصب ستتعرض للجفاف، معربا عن اقتناعه بأن السلطات الإثيوبية بدأت في ملء خزان السد، مما أدى إلى انخفاض التدفق إلى النيل الأزرق، مضيفا "أعتقد أن السد يؤثر علينا هنا".
وأشار علي إلى أن نقص المياه يؤدي بالفعل إلى تشريد الناس، مضيفا أن عددا من المزارعين تخلوا عن أرضهم وانتقلوا إلى العمل مع الآخرين القادرين على شراء المضخات، وهو يخشى المصير نفسه إذا لم يستطع تحمل التكاليف المتزايدة، مضيفا "لم نتعب قط مثل هذا العام، بهذه الكمية من المياه، كيف يمكنني أن أزرع؟".
كما التقت الصحيفة حسن خلف الله، مزارع القطن، الذي كان فخورا بمحصول هذا العام، ولكنه قلق من العام المقبل، قائلا: إنني قلق على السودان. "الآن، أنا لست متأثرا [بنقص المياه]، ولكن سأكون كذلك في المستقبل".
وأضاف خلف الله أن أنماط الطقس تغيرت وانخفض منسوب المياه في قنوات الري، مضيفا أن القناة الرئيسية التي تمد حقوله بالماء انخفض منسوبها، مضيفا "نحن نتوقع أن لا يكون هناك ما يكفي بعد شهر إبريل".
الطاقة المائية
ومع ذلك فإن المفاوض السوداني، صالح حمد حميد، من وزارة الري والموارد المائية، على ثقة من أن البلاد قادرة على تحمل بعض الخسائر في الموارد المائية بينما يجني ثمار الطاقة الكهرومائية الرخيصة.
وقال "يسعى السودان إلى ضمان حقوقه المائية وتحقيق الاستفادة المثلى من مياه النيل الأزرق المشتركة، الاقتراح السوداني يحسن من الطاقة المتولدة من سد إثيوبيا، ويقلل من الضرر أثناء التعبئة والتشغيل لكل من دول المصب في السودان ومصر.
وأكد حامد أن البلدين اتفقا على جدول زمني محدد بسبع مراحل، ويمكن أن يزيد أو ينقص هذا من سبع سنوات، وفقا للجفاف ومستويات المياه، مما يطيل الجدول الزمني إذا كانت مستويات مياه النيل الأزرق أقل من المتوسط.
وأشار إلى أن هناك حاجة إلى جدول زمني مشترك للملء لأن السد سيخلق خزانا يعادل ضعف حجم بحيرة ميد في سد هوفر، أكبر خزان في الولايات المتحدة، مما سيخفض تدفق النيل الأزرق بنسبة تصل إلى ٢٥ في المائة ويمكن أن يخفض من طاقة سد أسوان في مصر.
ورغم أن الاتفاق الأولي يشير إلى فترات جفاف محتملة، فإن الإشارة إلى تغير المناخ كانت ضئيلة للغاية، وهو تهديد لا يمكن إنكاره لموارد المياه.
رابط التقرير: