“فورين بوليسي”: كورونا قد يطيح بالسيسي

- ‎فيتقارير

نشرت صحيفة “فورين بوليسي” تقريرا حول الآثار والتداعيات المحتملة لانتشار فيروس كورونا في مصر، وتهديداته المحتملة لنظام الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي.

وتوقعت الصحيفة، في تقرير لها ترجمته “الحرية والعدالة”، أن يؤدي انتشار الفيروس إلى اندلاع احتجاجات شعبية نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، تطيح بالنظام السياسي في مصر.

وبحسب التقرير، في 16 مارس، شهدت مصر 126 حالة مؤكدة من الفيروس التاجي الجديد. وبحلول منتصف أبريل، بلغ هذا الرقم 2700 شخص، وبعد أسبوع زادت الحالات بأكثر من الثلث، وعلى الرغم من أن انتشار الفيروس قد بدأ للتو، فإن نظام الرعاية الصحية الهش في مصر يعاني بالفعل، وكذلك عدد سكانها.

وإذا استمر الفيروس التاجي في انتشاره السريع، فإن الأمر لا يعدو أن يكون مسألة وقت قبل أن تنفجر الأزمة الصحية الحالية إلى أزمة سياسية.

وقد أبرزت الزيادة الحادة في عدد حالات الإصابة بكورونا الشكل الرهيب لنظام الرعاية الصحية في مصر، وقد تم تأكيد إصابة حوالى 5 آلاف حالة وتوفى 359 شخصا بسبب كورونا حتى 28 أبريل، بالرغم من أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك دون إجراء اختبارات تذكر .

نقص الأطباء والممرضين

وقال التقرير: إن هناك نقصًا في الأطباء والممرضين والأدوية والإمدادات الطبية والأسرة، في جميع أنحاء البلاد، مما يجعل نظام الرعاية الصحية غير مجهز لإدارة جائحة سريعة الحركة وقاتلة للغاية، وقد دفع انخفاض الأجور وسوء ظروف العمل العديد من الأطباء إلى مغادرة البلاد، ووصل عددهم إلى حوالي 10,000 طبيب على مدى السنوات الثلاث الماضية وحدها.

ووفقا لتقديرات نقابة الأطباء المصرية، يعمل حوالي 120,000 طبيب خارج مصر من أصل 220,000 طبيب مسجل، وتعاني المستشفيات العامة من نقص في الموظفين من حوالي 000 55 إلى 000 60 ممرضة، موضحة أنه في مصر 1.3 سرير في المستشفيات لكل 1000 شخص، مقارنة بنحو 13 سريرا في اليابان و8 في ألمانيا و6 في فرنسا، ومن غير المستغرب، وفقا للباروميتر العربي، أن 31 في المئة فقط من المصريين قالوا إنهم راضون عن الأداء العام لخدمات الرعاية الصحية الحكومية في 2018-2019، وهو انخفاض بـ19 نقطة منذ عام 2010.

وأضاف التقرير أن عدد الإصابات في صفوف الأطباء والممرضين وصلت الآن إلى 13% من حالات الفيروس التاجي في مصر، وهي نفس النسبة تقريبا المسجلة في إيطاليا وإسبانيا، وقد لجأ العديد من الأطباء إلى وسائل التواصل الاجتماعي للشكوى من ظروف العمل وسوء الإدارة ونقص الإمدادات التي يقولون إنها تعرض حياتهم للخطر، على الرغم من تحذيرات الأجهزة الامنية، وأصبحت مقاطع الفيديو للعاملين الصحيين الذين يحتجون في أروقة المستشفيات شائعة على نطاق واسع وإذا تصاعدت الأزمة، لن تنجح محاولات تكميم أصواتهم.

وأوضح التقرير أن الحكومة تجاهلت الرعاية الصحية، على مدى عقود، لا سيما إذا ما قورنت بالحصة الكبيرة من الميزانية الوطنية المخصصة لقوات الأمن، وانخفض التمويل الحكومي للصحة من 6.7 في المائة من الميزانية الوطنية في عام 2000 إلى 4.2 في المائة في عام 2016، مضيفة أن تزايد عدد حالات الفيروس التاجي سيكون بمثابة تذكير مأساوي لقادة البلد بأن التهديدات ليست كلها ذات طابع عسكري.

وأشار التقرير إلى أن عبد الفتاح السيسي، منذ استيلائه على السلطة في عام 2014، بالغ في التأكيد على تهديد الإرهاب والتضحيات التي قدمها الجيش والشرطة للحد منه، وجاء ذلك على حساب مخاطر أخرى، مضيفا أن الجيش هو أقوى مؤسسة سياسية واقتصادية وأمنية في مصر، ومنذ عام 1952، كان دورها في النظام السياسي والاقتصاد والمجتمع محوريا وحاسما، وقد شاركت بكثافة في محاربة المتشددين الإسلاميين في سيناء على مدى السنوات السبع الماضية.

ونوهت الصحيفة إلى أن الفساد المستشري وسوء إدارة موارد الدولة قد أدى إلى تفاقم الإحباط العام، واندلعت احتجاجات نادرة ضد السيسي في سبتمبر الماضي، بعد أن نشر محمد علي، وهو مقاول سابق في الجيش يعيش في المنفى الذي فرضه على نفسه، مقاطع فيديو اتهم فيها كبار القادة بالفساد، وقد أثارت تأكيدات السيسي بأن القصور الرئاسية التي تعرض للانتقاد بسبب بنائها كانت من أجل الصالح العام- الضروري لبناء “دولة جديدة” – حالة من الغضب الشعبي، وفي الوقت نفسه، تواصل الحكومة المصرية بناء عاصمة جديدة براقة شرق القاهرة، تقدر تكلفتها بـ58 مليار دولار، وهذا أمر مقلق أكثر؛ نظرا للويلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، فلا يزال المصريون يتحملون وطأة تعويم الجنيه المصري عام 2016، مما دفع الجنيه إلى خسارة نصف قيمته مقابل الدولار الأمريكي.

قنبلة موقوتة

وفي عام 2018، ارتفع معدل الفقر في جميع أنحاء البلاد إلى 32.5 في المائة، بزيادة قدرها 5 نقاط مئوية عن العامين السابقين، وتراجع معدل النمو الاقتصادي، لدرجة أن النشاط الاقتصادي الخاص غير النفطي في مصر انكمش في يناير إلى أدنى مستوى له منذ نحو ثلاث سنوات.

ومما لا شك فيه أن الإغلاق العالمي الناجم عن فيروس كورونا سيسبب انخفاضا حادا في المصادر الرئيسية للعملة الصعبة التي تشتد الحاجة إليها في البلاد: عائدات السياحة (التي تمثل نحو 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر)، والرسوم من الشحن عبر قناة السويس، والاستثمار الأجنبي، والتحويلات المالية من العمال في الخارج – وكثير منهم يعملون في قطاعات تأثرت على الفور بتدابير مكافحة الفيروسات التاجية التقييدية وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي.

ومن المتوقع أن تنمو معدلات البطالة والفقر، وستكون اليد العاملة المؤقتة في مصر، التي تقدر بما يتراوح بين 5 ملايين و12 مليون شخص، هي الأكثر تضرراً، ومن بينهم، سيحصل 1.5 مليون عامل فقط على مساعدات من وزارة القوى العاملة، وهو بدل قدره 1500 جنيه مصري (حوالي 95 دولاراً) على ثلاث دفعات، أما الباقون فلن يتلقوا مدفوعات لأنهم غير مسجلين لدى الوزارة. وبدون التأمين الاجتماعي أو الأجر العادي، تشكل الملايين المنسية قنبلة موقوتة.

وتوقعت الصحيفة أنه مع استمرار انهيار القطاع الصحي تحت وطأة الوباء وتصاعد الصراعات العامة، ستجد الحكومة أنه من المستحيل الاستمرار في تبرير نفقاتها الضخمة على المدن الجديدة والقصور الرئاسية والجهاز الأمني المنتفخ.

كما توقعت أنه من المرجح أن يسعى السيسي، في الأشهر المقبلة، إلى التخفيف من غضب الجمهور من خلال تكريم الأطباء والعاملين الصحيين (الذين سبق أن تم الترحيب بهم كـ”الجيش الأبيض” في وسائل الإعلام التي تديرها الدولة) وضخ المزيد من الموارد في نظام الرعاية الصحية، وقد اتخذ بالفعل عددا من الخطوات على هذا الطريق، وكثفت الحكومة جهودها لوقف انتشار COVID-19، وفتحت المزيد من مراكز الاختبار، واشترت مجموعات إضافية من الاختبارات واللوازم الطبية، ورفعت رواتب الأطباء المتدربين.

وفي الوقت نفسه، ولدعم القطاع الصناعي وتعزيز الاستثمار، خفضت الحكومة أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء المقدمة للمصانع وأخرت الضرائب العقارية لمدة ثلاثة أشهر. كما خفضت الحكومة الضرائب على الأسهم، وخفض البنك المركزي أسعار الفائدة بنسبة 3 في المائة وأرجأ لمدة ستة أشهر مواعيد استحقاق قروض الأعمال الصغيرة والاستهلاك، لكن هذه الجهود قد تكون غير كافية.

ثورة شعبية

وحذر مراقبون سياسيون من انطلاق دعوات إلى تغيير النظام السياسي في أوقات الأزمات، وإذا لم تتخذ الحكومة خطوات جذرية- لا سيما لدعم القطاع الصحي- يمكن توقع موسم جديد من السخط الشعبي والاحتجاجات.

في يناير 2011، هربت قوات الشرطة المصرية بأكملها، عقب تعرضها للضرب بعد ثلاثة أيام من الاحتجاجات والاشتباكات، وقد شجع الانسحاب المفاجئ الثوار وأدى في نهاية المطاف إلى خلع حسني مبارك بعد 30 عاماً من الحكم، فيما سمي بالربيع العربي في مصر، وقبل ذلك بعقود، دفعت الهزيمة العسكرية الضخمة التي منيت بها مصر ضد إسرائيل في يونيو 1967 زعيمها الكاريزمي جمال عبد الناصر إلى الاستقالة. وفي وقت لاحق، سحب عبد الناصر استقالته، لكن الهزيمة حطمت صورة مصر في العالم العربي.

وفي السياق نفسه، بلغت أحداث عام 1981 المحمومة، التي أطلق عليها اسم “خريف الغضب” في اللغة السياسية المصرية، ذروتها باغتيال الرئيس أنور السادات، الأمر الذي أدى بدوره إلى اندلاع اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن والإسلاميين المسلحين أودت بحياة أكثر من 100 شخص في مدينة أسيوط الجنوبية.

فبدون الكثير من الشرعية التي يمكن الاعتماد عليها، فإن الطبقة السياسية في مصر اليوم ضعيفة أكثر مما كانت عليه في تلك اللحظات الأخرى.

وقد عززت الأزمة الحالية بالفعل تصدعات واضحة، وأصبحت وزيرة الصحة المصرية هالة زايد مصدرًا للتندر على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن سافرت إلى إيطاليا لتقديم المساعدات الطبية، في حين ظلت الإمدادات في الداخل غير متوفرة.

لقراءة المزيد:

In Egypt, the Coronavirus Poses a Political Threat