نشرت منظمة "just security" الحقوقية الأمريكية تقريرا حول الانتهاكات بحق الأطفال في سجون عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري. وسلط التقرير الذي ترجمته الحرية والعدالة الضوء على الانتهاكات التي يرتكبها نظام السيسي بحق الأطفال بداية من الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والحبس لمدد مختلفة في ظروف سيئة.
وقال التقرير إن الولايات المتحدة دأبت على تبرير دعمها لأجهزة الأمن المصرية بأنه ضروري لأمن واستقرار مصر والمنطقة، ومع ذلك، فإن الوسائل التي تعمل بها أجهزة الأمن المصرية تشمل الاعتقال التعسفي وتعذيب بعض الأطفال الضعفاء.
وأضاف التقرير أنه مع اجتياح الفيروس التاجي في الشرق الأوسط فإن ظروف الأطفال المحتجزين مهيئة لأزمة صحية عامة، وأصبح الوضع أكثر سوءاً من أي وقت مضى. ويجب على الولايات المتحدة أن تضع حداً لدعم الأجهزة الأمنية التي تخفي وتعذب الأطفال، وأن تضغط على مصر لوضع حد للانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق المحتجزين والاستخدام الروتيني للاحتجاز ضد الأطفال.
وأوضح التقرير أن قضية محتجز يبلغ من العمر 17 عاماً يدعى وسام توضح الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال، فقد ظلت أسرة وسام وأصدقاءه لمدة ثلاثة أيام في أواخر عام 2017، لا يعلمون أي شيء عن مكانه، وفي نهاية المطاف، علموا أنه اعتُقل وهو في طريقه إلى الاحتجاج، وفي الأيام الأولى من احتجازه، لم يقدم له الجنود والحراس سوى بقايا الطعام، وتم استجوابه لساعات دون السماح له برؤية محام، وأمضى الأشهر الخمسة التالية في زنزانة مزدحمة في مركز شرطة بالقاهرة بلغت مساحتها 9 × 9 أقدام وكان بها أقل من 15 محتجزاً، بعضهم من البالغين، محشورين معه، وكانت الزنزانة مكتظة لدرجة أن السجناء "ينامون على جدول المناوبة: مجموعة منا تنام لمدة ست ساعات، وتستيقظ مجموعة أخرى"، كما قال لنا.
وحتى أبريل 2020، لا يزال وسام قيد التحقيق بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، المتهمة مؤخراً بنشر الفيروس التاجي. ويطلب منه تسجيل المراقبة في مركز للشرطة كل يوم.
واعتبر التقرير وسام واحدا من المحظوظين حيث أخفت أجهزة الأمن المصرية أطفالاً آخرين لمدة تصل إلى 15 شهراً وعذبتهم، بحسب تقارير لهيومن رايتس ووتش ومنظمة "بلادي جزيرة للإنسانية" التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، كشف مؤخراً عن أطفال محتجزين لأسباب سياسية في مصر، وعلى غرار وسام، احتُجز معظمهم مع بالغين في زنازين مكتظة وسيئة التهوية، وحُرموا من الغذاء الكافي والرعاية الطبية، كما تعرض العديد منهم للتعذيب.
وتطرق التقرير إلى قضية معتقل آخر يدعى عبد الله، الذي كان يبلغ من العمر 12 عاماً فقط عندما اختفى في 31 ديسمبر 2017، بعد بضعة أشهر من انضمام شقيقه الأكبر إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وخلال الأشهر الستة الأولى، احتُجز عبد الله في عدة مراكز احتجاز، حيث صُدم بالكهرباء، والمياه، وفقد القدرة على تحريك يده اليمنى، وأُجبر على الاستلقاء على إطار سرير معدني ساخن يحترق. وخلال المائة يوم التالية، احتُجز في الحبس الانفرادي وحُرم من الغذاء الكافي والزيارات العائلية والرعاية الطبية وفرصة الاستحمام. بعد فترة من التحسن الطفيف في العلاج، وعد ضابط شرطة في المركز الذي كان محتجزا به في يناير 2019 بإعادته إلى أسرته، ومع ذلك، عندما وصلت شقيقته الكبرى في اليوم التالي لاستلامه، أنكر الضباط معرفتهم بمكان وجوده. ولم تره أسرته منذ ذلك الحين.
وأشار التقرير إلى قضية طفل آخر يدعى حمزة، والذي يقضي حالياً حكماً بالسجن لمدة 10 سنوات، وكان عمره 14 سنة عندما أخفته قوات من جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية في 2016 بزعم مشاركته في مظاهرة، لمدة يومين، وصعق الضباط حمزة بالكهرباء على أعضائه التناسلية ورأسه ولسانه، وفي اليوم الثالث، وقيدوا ذراعيه خلف ظهره، مما أدى إلى خلع كتفيه وقد تُرك في ممر في البرد الشديد لمدة ثلاثة أيام أخرى، في فصل الشتاء، ثم اقتيد إلى زنزانة تحت الأرض، وفي عيد ميلاد حمزة الخامس عشر، سمعه أحد الحراس وهو يتحدث إلى سجين آخر، وهو أمر محظور، وأجبر الصبي على الوقوف على أطراف أصابعه بعد أن وضع مسامير حادة تحت كعبه، وقال أحد أقاربه: "إنه يكره عيد ميلاده الآن، ولا يريد الاحتفال به مرة أخرى".
وشدد التقرير على أنه لا ينبغي أن يتطلب الأمر جائحة لحمل الولايات المتحدة على الضغط على مصر لوقف احتجاز الأطفال وتعذيبهم. ولكن مع انتشار وباء الفيروس التاجي في الشرق الأوسط، تؤدي مثل هذه الانتهاكات إلى تفاقم مخاطر الصحة العامة في أكثر البلدان اكتظاظاً بالسكان في المنطقة، وتؤدي الاعتقالات التعسفية واستخدام الاحتجاز كعقاب افتراضي للأطفال المتهمين بارتكاب جرائم إلى زيادة الاكتظاظ في الزنازين التي تفتقر في كثير من الأحيان ليس فقط إلى المياه الجارية لغسل اليدين، بل أيضاً إلى المراحيض، حيث يجبر السجناء على استخدام الدلاء.
ونادراً ما توفر إدارة السجون منتجات النظافة الصحية، التي يتعين على السجناء أو أسرهم شراؤها، وتفيد التقارير بأنها تعاقب السجناء، بمصادرة مواد مثل الصابون وورق التواليت، وحتى قبل هذا الوباء، حذر خبراء الأمم المتحدة العام الماضي من أن مثل هذه الظروف اللا إنسانية "قد تعرض صحة وحياة آلاف [السجناء] لخطر شديد".
ويفرض القانون المصري على مسؤولي الأمن إحضار المحتجزين إلى النيابة، وهي جزء من السلطة القضائية المصرية، في غضون 24 ساعة من اعتقالهم، وقد أوفت السلطات بذلك الموعد النهائي في حالة واحدة فقط من الحالات العشرين التي وثقناها للأطفال المحتجزين، من 10 محافظات في جميع أنحاء البلاد، أما الأطفال الـ 19 الآخرون فقد اختفوا قسراً. وعندما قدمت السلطات في نهاية المطاف كل طفل إلى النيابة العامة، أفادت زوراً بأن الطفل اعتُقل في ذلك اليوم أو في اليوم السابق.
وتنص القوانين المصرية على عقوبات على مسؤولي الأمن الذين يعتقلون ويحتجزون الأشخاص دون أمر قضائي، أو يحتجزون الأطفال مع البالغين، أو يعذبون المحتجزين لانتزاع اعترافات، وتم تجاهل هذه القوانين بشكل فعال في جميع الحالات التي قمنا بتوثيقها، وتعرض 15 طفلاً من أصل 20 طفلاً للتعذيب الجسدي أثناء الاستجواب، وهدد آخر لفظياً بالاعتراف بارتكاب جرائم، وتعرض آخر للضرب المبرح على أيدي مسؤولي السجن.
بموجب قانون الطفل المصري، لا يمكن القبض على الأطفال إلا للمسؤولين المعينين من قبل وزير العدل، ولا يمكن محاكمتهم إلا إذا كانت المحاكم المتخصصة للأطفال ومكاتب الادعاء بالأطفال – ما لم يكن الطفل متورطاً في الجريمة المزعومة مع شخص بالغ واحد على الأقل، وقد استغلت السلطات هذه الثغرة في عشرات القضايا لمحاكمة الأطفال إلى جانب البالغين أمام محاكم جنائية وقضائية إرهابية، وفي جميع الحالات التي وثقناها، احتجز ضباط الشرطة أو وكالة الأمن الوطني الأطفال، وحوكموا من قبل مدعين عامين ومحاكم أمنية أو عسكرية خاصة.
وترفض الحكومة المصرية نشر معلومات دقيقة عن المحتجزين، بما في ذلك عدد الأطفال في مراكز الاحتجاز، لكن منظمة بلادي وثقت اعتقال أكثر من 2000 طفل لأسباب سياسية منذ استيلاء الجيش على السلطة في عام 2013. ومن بينهم 100 طفل من أصل 180 طفلا اعتقلوا في سبتمبر 2019، في أعقاب احتجاجات مناهضة للحكومة في مدن في جميع أنحاء مصر، عندما اعتقلت السلطات 4400 شخص من بينهم متظاهرون وسياسيون ومحامون ومارة.
إن القانون الدولي والقانون الأمريكي – وعلى وجه التحديد حظر دعم الأعمال غير المشروعة دوليا – يلزم الولايات المتحدة بضمان ألا يساهم دعمها لمصر في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحرمان من الحق في الحياة. ولتحقيق هذه الغاية، يتعين على الكونجرس أن يشترط على الولايات المتحدة تقديم الدعم الأمني لمصر لوقف زوال وتعذيب الأطفال. يجب على الكونغرس أيضا أن يتوقف عن تضمين اللغة التي تسمح لوزير الخارجية بالتنازل عن شروط حقوق الإنسان الخاصة بالمساعدات الأمريكية باسم الأمن القومي – وهي عبارة عن زيادة سنوية بعد سنة، كما لو أن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر ليست سيئة بما فيه الكفاية.
ويضيف الفيروس الذي يسبب COVID-19 ضرورة صحية عامة للولايات المتحدة للضغط على مصر للإفراج عن الأطفال الذين ما كان ينبغي احتجازهم في المقام الأول. وأفرجت بلدان أخرى في المنطقة عن آلاف المحتجزين. ودعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) جميع الحكومات إلى "الإفراج العاجل عن جميع الأطفال" من الاحتجاز إذا تمكنوا من العودة بأمان إلى أسرهم أو إذا كانت هناك بدائل أخرى للاحتجاز. وحثت اليونيسيف أيضا ً على الوقف الفوري لأي عمليات نقل جديدة للأطفال إلى مرافق الاحتجاز، بسبب تزايد خطر الإصابة بثاني أكسيد الكربون في الاحتجاز.
وعلى الرغم من هذه النداءات، لم تفرج السلطات المصرية بشكل مشروط إلا عن عدد قليل من المحتجزين، بينما قامت باعتقالات جديدة، بما في ذلك أشخاص يُزعم أنهم نشروا "أخبارا كاذبة" عن الفيروس ويواجهون عقوبة السجن لمدة خمس سنوات، وكذلك العاملون في الصحة الذين اشتكوا على وسائل التواصل الاجتماعي من نقص الأقنعة.
تستمر الاعتقالات التعسفية وسوء معاملة الأطفال في مصر. وفي ديسمبر الماضي، اعتقلت قوات الأمن الوطني 47 طفلاً من منازلهم في السويس، اختفى الأطفال حتى منتصف مارس، وعندما ظهروا مرة أخرى في مكتب المدعي العام، ولم يظهر أي تغيير في ملابسهم، وبعضهم فقد حذاءه ولم يفرج إلا عن خمسة أشخاص.
والانتهاكات بحق الأطفال جزء من الانتهاكات الحقوقية الخطيرة الواسعة النطاق التي ارتكبتها أجهزة الأمن المصرية، وبينما تستمر هذه الانتهاكات، ينبغي على الولايات المتحدة أن تنهي دعمها لأجهزة الأمن المسيئة، وأن تدعو إلى إطلاق سراح المحتجزين وإيجاد بدائل للاحتجاز، وأن تشجب علناً مثل هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان – احترام حقوق الأطفال، وأن تعمل على احتواء كارثة وشيكة.
للمزيد:
Coronavirus Adds Urgency to Ending Egypt’s Detention and Torture of Children