منذ 7 سنوات تستمر في سيناء عملية عسكرية أطلقت عليها دولة الانقلاب "الحرب على الإرهاب"، سبع سنوات تكبد فيه الأمن المصري خسائر فادحة، وأعلن المتحدث العسكري عن تصفية أعداد ضخمة من المسلحين ممن يصفهم بالإرهابيين والتكفيريين .
وسط كل هذا يدفع المدنيون من أهالي سيناء كلفة تلك الحرب قتلا وتهجيرا ونسفا للبيوت وحصارا قاتلا لمدن شمال سيناء، ومؤخرا وصف حقوقيون ونقاد فنيون دراما رمضان بتشويه الواقع في سيناء، وتقديم رواية منقوصة أو مغلوطة عما يجري على الأرض.
هنا سيناء أرض الفيروز كما عرفها المصريون، صارت اليوم ساحة حرب مفتوحة، وأبرز ضحاياها هم سكانها المدنيون الذين وجدوا أنفسهم بين شقي رحى جيش يقوم بنسف بيوتهم وتهجيرهم من أراضيهم، وتنظيم يعاديهم كما يعادي الدولة، ويقتل منهم العشرات ممن يتهمهم بالعمالة لقوات الأمن المصرية، لكن ثمة معركة أخرى تدور رحاها في ميدان الدراما.
الاختيار دراما ضخمة ممولة من شركة مصرية تتبع أجهزة المخابرات، اختار صناع العمل بث رسائل من خلال المسلسل تناقض واقعا يعيشه أهل سيناء كل يوم، هكذا تستمر الصورة النمطية، أهل سيناء في نظر الحكومة المصرية إما مواطنون صالحون يتعاونون مع الأمن وإما إرهابيون تكفيريون يغدرون بجنودنا الغلابة، وهي صورة يرفضها أهل سيناء المقهورون.
مشاهد التناقض بين المسلسل والواقع كثيرة وتتجاوز التعامل مع الإنسان السيناوي إلى مفهوم وقيمة الأرض، أليس من احترام الأرض تعميرها لا تجريفها؟ يتساءل أهالي سيناء غير مستغربين من تغييب صناع المسلسل مشاهد نسف بيوت مدينة رفح المصرية وقراها عن بكرة أبيها، وهي مشاهد تعمدت الكاميرا تجاهلها، لكن منظمات حقوقية دولية وثقتها بالصوت والصورة، بل وبالأقمار الصناعية، فهل يمكن للدراما الدعائية أو الموجهة أمنيا أن تغير الواضع حتى لو كان مصورا وموثقا دون سيناريوهات مسبقة أو أستوديوهات سابقة التجهيز؟.
بدوره قال عيد المرزوقي، الناشط السيناوي، إن ما يقدم في الدراما التلفزيونية الرمضانية على رأسها مسلسل الاختيار عن أهالي سيناء، لا يمت للواقع بصلة ويشبه بيانات المتحدث العسكري، وهو ما يؤكد أن المسلسل تجسيد لما ورد في بيانات المتحدث العسكري على مدار 7 سنوات، والصورة الحقيقية يتم التكتيم عليها منذ 7 سنوات.
وأضاف المرزوقي، في مداخلة هاتفية لقناة الجزيرة مباشر، أن المسلسل لم يذكر أنه في بداية الحرب كانت الاشتباكات في قرى محددة جنوب رفح، وأن القبائل الموجودة في هذه المنطقة عرضت حل المشكلة ورفضت المخابرات، ولم يتطرقوا إلى عشرات المواطنين الذي استشهدوا جراء القصف الجوي وقذائف الهاون في ظل حظر التجوال وانقطاع شبكات الهاتف والإنترنت وردم آبار المياه المصدر الوحيد، كما لم يذكر المسلسل أن أحمد منسي استولى على منزل أحد المواطنين ونصب فيه الكمين الذي شهد مقتله.
وبعيدًا عن لغة الدراما تخبرنا الأرقام بحقيقة الوضع المأساوي الذي يعيشه المدنيون في سيناء، منظمة "نحن نسجل" وثقت في تقرير لها جانبا من الخسائر البشرية والمادية للمدنيين في سيناء خلال عام 2019، والشهور الثلاثة الأولى من عام 2020.
وحسب التقرير، فإن 485 شخصا قتلوا جراء التصفية الجسدية التي نفذتها قوات الجيش والشرطة في سيناء في 2019، وقتل 44 مواطنا مصريا بينهم 9 نساء و10 أطفال جراء إطلاق الجيش النار عشوائيا تجاه المدنيين.
كما تعرض 51 شخصا للتصفية الجسدية على يد تنظيم ولاية سيناء بدعوى تعاونهم مع الأمن، وتعرض 1146 شخصا للإخفاء القسري أو الاحتجاز التعسفي على يد قوات الجيش والشرطة في 2019، ونفذت قوات الجيش والشرطة 110 عمليات تهجير قسري وتجريف أراض وهدم مبان برفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد في 2019.
كما شهدت سيناء 874 واقعة حصار وتضييق وعزل قرى ومناطق بشكل كلي وجزئي خلال 2019، وحددت السلطات 30 لترا من البنزين شهريا، يحصل عليها المواطن في العريش وبئر العبد مع استمرار إغلاق محطات الوقود في رفح والشيخ زويد.
كما رصد التقرير 1140 واقعة نقص سلع تموينية وبترولية واجهها سكان محافظة شمال سيناء خلال 2019، و112 واقعة قطع لمياه الشرب و518 حادثة قطع للتيار الكهربائي على الأقل في شمال سيناء خلال 2019، وحرق 70 منزلا وعشة على يد قوات الجيش في سيناء بخلاف ما تم تجريفه من الأراضي الزراعية.
كما أشار التقرير إلى وفاة 8 مواطنين على الأقل بالرصاص العشوائي للجيش خلال الشهور الثلاثة الأولى لعام 2020، كما نفذت قوات الجيش والشرطة 33 عملية تصفية جسدية في الفترة ما بين يناير ومارس 2020، واستمر انقطاع الكهرباء المتكرر ومنع دخول كثير من المواد الغذائية والتجارية إلى شمال سيناء.
بدوره قال الناشط الحقوقي هيثم غنيم: إن زعم سلطات الانقلاب أن تجريف الأرض وهدم المنازل يأتي ضمن مسلسل الحرب على الإرهاب لا أساس له من الصحة؛ لأن هجمات المسلحين على قوات الجيش والشرطة لم تتوقف حتى بعد تجريف المزارع وهدم المنازل وتهجير أهلها.
وأضاف غنيم، في مداخلة لقناة الجزيرة مباشر، أن معسكر الأحراش التابع لقوات الأمن المركزي في مدينة رفح يتعرض لهجمات مسلحة على الرغم من تهجير المدينة، وما زالت أرتال الجيش المصري في مدينة رفح تتعرض لهجمات بالعبوات الناسفة، بل شهدت الشهور الأخيرة عودة المسلحين لشن هجمات مثل اقتحام الكمائن ومناوشتها من بعيد، وبث التنظيم مقاطع فيديو لقيام عناصر من القناصة التابعين له باستهداف ضباط جيش وشرطة.
وتساءل غنيم: لمصلحة من يتم تهجير جميع سكان القرى المتواجدة من عند العلامة رقم 1 على ساحل رفح وحتى العالمة قم 14 بالقرب من معبر كرم أبو سالم؟، مضيفا أن الكيان الصهيوني طلب في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك تهجير السكان من هذه المنطقة، ولم يتم تنفيذ الطلب إلا في عهد الخائن السيسي.