نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالا للكاتب صموئيل تادروس، وهو زميل كبير في مركز الحرية الدينية بمعهد هدسون، يسخر خلاله من الأذرع الإعلامية لعبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري.
وقال تادروس: “قبل بضعة أيام وصلتني رسالة على تطبيق واتسآب تقول: “إن مصر تهزم المؤامرة وتنقذ العالم”، وقد شرح النص الذي أعقب ذلك كيف أن فيروس كورونا كان جزءا من مكيدة هندسة الغرب، وكيف تمكن جهاز المخابرات البطولي في مصر من تحييد المؤامرة المنحرفة”.
وأضاف تادروس أن الرسالة زعمت أن وزيرة الصحة المصرية قامت بزيارات إلى الصين وإيطاليا، كما أوضح صاحب الإعلان المجهول، لتزويد البلدين الصديقين بالعلاج الذي ابتكره المصريون، حتى الرئيس ترامب كان يتوسل مصر طلبا للمساعدة، وتشير الرسالة إلى أن المسئولين تغلبوا بذكاء على وباء استهدف البلاد، وهو ما يؤكد القيادة العالمية لمصر.
وأوضح الكاتب أن ارتباط مصر بنظريات المؤامرة ليس غريبا، لعقود من الزمان، كان الشرق الأوسط مرتعا للمؤامرات المتخيلة (التي تشمل اليهود غالبا)، بداية من هجمات الحادي عشر من سبتمبر خلال الأزمة المالية في عام ٢٠٠٨ إلى ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، وعلى مدى العقد الماضي، عملت المنافذ الإعلامية الدعائية باللغة العربية في روسيا وإيران على تعزيز هذه الروايات، في هيئة منعطفات قوية مناهضة لأمريكا عادة.
ولكن في الآونة الأخيرة، ركزت هذه القصص على رواية مصرية فريدة: تحديدا، تقوم فكرتها على أن القوى المظلمة التي تتآمر ضد مصر تقوم بذلك بسبب دورها المفترض كقوة رائدة في الشرق الأوسط والعالم، وأن نجاحها في مكافحتها يؤكد هذا الوضع ويدعو للفخر.
ولقد نجح عبد الفتاح السيسي في استخدام هذه القصص لترهيب المواطنين، ومنذ توليه السلطة في عام ٢٠١٣ في أعقاب الربيع العربي، نشرت وسائل الإعلام التي تديرها الدولة العديد من الروايات التي تستند إلى محاولة غربية مزعومة لتقويض مصر وتقسيم دول المنطقة، وهو التهديد الذي كثيرا ما يوصف تحت عنوان “حرب الجيل الرابع”، ولقد استخدم السيسي واحدة من خطاباته مع ضباط الجيش للتعرف على نقطة ضعف بعينها: البيئة الإعلامية المفتوحة نسبيا ومنظمات المجتمع المدني المزدهرة التي ورثها عند صعوده إلى السلطة، وقد حاول في السنوات القليلة الماضية تصحيح هذه المشكلة.
وقد أعطى انتشار فيروس كورونا إعلام الانقلاب مصدرا غنيا جديدا للمواد، وتربط إحدى التدوينات على نطاق واسع على فيسبوك فيروس كورونا بمؤامرة عمرها ١٠ سنوات مرتبطة بطرح شبكات الجيل الخامس، وزعم الإعلام أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والممثل توم هانكس، والمليونير بيل غيتس، متورطون في ملحمة حرب التجسس هذه، وتم نشر هذه الرواية على صفحة خاصة بعمر سليمان، رئيس المخابرات المصرية السابق.
غالبا ما يركز المنتقدون الغربيون على سجل مصر السيئ في مجال حقوق الإنسان على قمع الحكومة لوجهات النظر المعارضة، ولم يلاحظ أي دور فعال للدولة في محاربة المؤامرات المتوهمة عبر سرد مضاد للنجاحات المتخيلة. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كانت أجهزة الدولة الدعائية تقصف المصريين بحكايات عن انتصارات البلاد بشكل يومي.
وفي عام ٢٠١٣، ادعت وسائل الإعلام الموالية للنظام أن البحرية المصرية انتصرت في صراع وهمي مع الأسطول الأمريكي السادس (بما في ذلك اعتقال قائده)، بعد عام واحد، روجت الأذرع الإعلامية للسيسي لعلاج مصري لفيروس نقص المناعة البشرية، غني عن القول، قصة أخرى زائفة تماما.
وحتى الماضي ليس محصنا من مثل هذه المآسي، ووفقا لمعرض نظمته المؤسسة العسكرية المصرية في عام ٢٠١٥، فإن إسهام الجيش المصري المزعومة كانت عاملا رئيسيا في انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى. (في الواقع، لا غنى عن القول إن الإسهامات المصرية في جهود قوات التحالف الحربية كانت ضئيلة للغاية).
ولكن الدعاية ونظريات المؤامرة تتطلب جمهورا مستعدا للاعتقاد، وبقدر ما تبدو هذه القصص سخيفة، فإن الواقع المحزن هو أن جزءا كبيرا من المصريين غالبا ما يكونون مشاركين فعالين ومستعدين في مثل هذه السخافات.
كانت الدعاية الناجحة للنظام لتصبح مستحيلة من دون استعداد العديد من المصريين لتعليق الفكر العقلاني من أجل سكن عالم مواز، حيث تقف مصر في مركز الكون وتنتصر على أعدائها.
وأشار الكاتب إلى أن تاريخ مصر الطويل والملفت هو جزء كبير من المشكلة، إن الأهرامات وأمجاد الماضي القديم لمصر ليست رموزا رائعة فحسب، بل هي أيضا أعباء ثقيلة، تذكير دائم لأمة فخورة بأن ماضيها سيكون دائما أكبر من حاضره أو مستقبله.
وهذا ما جعل مصر عرضة لسعي يائس إلى الخلاص من ويلات الحاضر. وتكاد تنتهي هذه المحاولات دوما إلى الكارثة. كان أحد القادة القلائل الذين قاوموا هذا الإغراء للوعد بإحياء الماضي.
ويردد السيسي الشعارات التي يحبها المصريون، “مصر هي الدنيا وهتبقى قد الدنيا”، كما يعلن غالبا. فهو مثله كمثل الفراعنة القدامى مهووس بمشاريع البناء الضخمة، من قناة السويس الجديدة إلى عاصمة جديدة، مضيفا أن السيسي ليس السبب وراء مشاكل بلاده بل إنه مجرد عرض تراجيدي مأساوي.
في عام ١٩٩٥ نشر فؤاد عجمي مقالا رائعا بعنوان “أحزان مصر”. كتب عجمي الذي توفي في عام ٢٠١٤: “في قلب الحياة المصرية هناك شعور رهيب بخيبة الأمل، لقد كان الفخر بمصر الحديثة أعظم كثيرا من إنجازاتها”، فما زالت كلماته صالحة أكثر من أي وقت مضى.
للاطلاع على المقال: