مع أزمة “كورونا”، وحلول شهر رمضان، تزداد الأوضاع الاقتصادية سوءًا لدى من قطعت السلطة في رام الله رواتبهم من عوائل الأسرى والجرحى والشهداء لأسباب سياسية أو كيدية، مع تنصل السلطة من مسؤولياتها تجاههم.
وتستمر معاناة الأسرى الفلسطينيين المقطوعة رواتبهم، بفعل عدم وفاء الحكومة الفلسطينية لوعود متكررة أطلقتها، تعهدت فيها بحل مشكلات صرف مرتبات مئات الأسرى.
وكشف مدير عام وزارة الأسرى عن وجود “لجنة مختصة” في رام الله، تعمل على “فرز وفلترة” أسماء الأسرى بحسب انتمائهم السياسي، مؤكدًا أن “الحكومة الفلسطينية في الضفة ما زالت مستمرة في سياسية قطع رواتب الأسرى، وفي كل شهر هناك دفعة جديدة من الأسرى تقطع رواتبهم، حيث قطع في الشهر الماضي راتب 4 من الأسرى في غزة”.
صفقة القرن
وكأن ما يحصل في الضفة الغربية والقدس المُحتلتين من استيطان وتهجير لا يكفي كي تُدرِك السلطة الفلسطينية في رام الله أن القادِم أعظم، وخاصة أن “صفقة القرن” في صفحاتها الـ”181″ هي أخطر ما يواجه القضية الفلسطينية.
تؤكد قيادة السلطة أنها ترفض الصفقة ولن تستسلم وستُواجه الضغوط الأميركية. وهي بالتالي لن تمدّ الجسور مع “إسرائيل” مُتعهِّدة أمام الفصائل الفلسطينية أنها ستوقف التنسيق الأمني وتدرس خيارات أخرى للمواجهة.
لكن في واقع الأمر نحن أمام ازدواجية كارثية تنتهجها السلطة الفلسطينية، وتبدَّى ذلك في خطاب السيِّد محمود عباس في مجلس الأمن من خلال ما قدَّمه من “أفكار” للمفاوضات معوِّلاً على الشُركاء الأوروبيين، وكذلك مدّ اليد للإسرائيليين لفتح صفحة جديدة من “المفاوضات”.
ناهيك عن تقدير السيِّد عباس لضبّاط إسرائيليين دافعوا عن “وطنهم” واليوم يدافعون عن الشراكة مع السلطة الفلسطينية لإقامة دولتين كما جاء في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي.
يقول الكاتب الصحفي ياسر الزعاترة: “يوم أمس؛ فوجئ عدد من الأسرى المحررين وعشرات من نواب المجلس التشريعي، بتعطيل حساباتهم في البنوك وحرمانهم من مخصصاتهم المالية.. هذا جزء من عار سلطة تستهدف كل ما له علاقة بمقاومة الاحتلال.. لقد صُممت لخدمة الاحتلال، وكانت وفيّة لدورها، ولا زالت حتى الآن؛ وإن خطب قادتها ضده!!”.
لن أمد يدي
الأسير المحرر طه عفانة الذي قطعت السلطة راتبه منذ قرابة سنة ونصف السنة أكد أنه يعاني وضعًا اقتصاديًا صعبًا؛ إذ إنه يسكن بالإيجار وتراكمت عليه المبالغ المستحقة.
وقال عفانة: “أعاني من بتر في قدمي، حيث أصبت في مسيرات العودة؛ الأمر الذي حولني إلى غير قادر على العمل”، وبين أنه لا يستطيع تلبية متطلبات أسرته المكونة من ستة أفراد فهو لا يمتلك في بيته سوى غسالة أحضرها له أهل الخير، وفرشتَيْن له ولأولاده، قائلاً: “أرجو أن يوفر لي أهل الخير ثلاجة مع قرب شهر رمضان واحتياجات هذا الشهر التموينية”.
وأضاف: “خرجتُ في برنامج تلفزيوني لمناشدة الرئيس محمود عباس لإرجاع راتبي لكن دون جدوى، وقد راجعتُ مرارًا بخصوص راتبي لكنهم أخبروني أنه مقطوع لانتمائي لـ”حماس””.
ولفت إلى أنه يعيش على ما يوفره له “مكتب نواب الشمال” وأهل الخير من مساعدات، لكنها لا تكفي لتلبية متطلبات أبنائه اليومية، قائلاً: “أنا لن أمد يدي للناس، فكرامتي فوق كل شيء ومن حقي أن يُعاد لي راتبي”.
شاركه المعاناة ذاتها الأسير المحرر الستيني محمد المنسي المقطوع راتبه منذ المدة نفسها وهو مصاب وزوجته بأمراض مزمنة عدة جعلته يخرج في رحلات علاج للخارج على نفقته الخاصة، ما أرهق كاهله.
وأضاف المنسي – خلال حديثه مع صحيفة “فلسطين” – أنه يعجز عن تزويج ابنه أو فتح مشروع له، وأنه ولكبر سنه ولمرضه، بات عاجزًا عن العمل في أي مهنة ويعتاش على مخصصات ابنه الشهيد التي بالكاد تكفي متطلبات منزله.
وأكد أنه تواصل مرارًا مع شخصيات في السلطة لإعادة راتبه دون جدوى حيث يتهمونه بالانتماء لـ”حماس”، وقال: “وعد رئيس وزراء رام الله محمد اشتية بإعادة راتبنا في إبريل الحالي، لكن يبدو أن الانشغال بأزمة “كورونا” لن يجعل حل ملفنا قريبًا”، وأضاف: “الراتب حق شرعي لأسر الشهداء والأسرى والجرحى، فأنا قدمتُ للوطن شبابي والآن يتركونني في شيخوختي”.
بدوره عد القيادي بـ”فتح” ديمتري دلياني قطع السلطة رواتب أهالي الأسرى والشهداء خرقا للقوانين الفلسطينية، قائلاً: “لا يوجد شيء في القانون يعطي الحق لأي سلطة تنفيذية بقطع راتب أحد لآرائه ومواقفه السياسية أو لجزء من الوطن بحكم الجغرافيا”.
وأضاف: “هذه سابقة تاريخية لم تحصل في العالم، وهي سياسة فاشلة تنم عن ضعف وقلة حجة وتخلي السلطة عن مسئولياتها، فلم يثبت أن مناضلاً كبيرًا أو محررًا غير آراءه السياسية بسبب قطع راتبه أو توقف عن نقد الأسلوب الذي تُدار به السلطة”.
وتابع دلياني: “قيادات حركة فتح صوتها عالٍ وبارز ضد قطع الرواتب، وبينهم أعضاء مجلس ثوري ومناضلون ومحررون من الضفة الغربية الذين كانوا أساسًا للعمل الوطني والمقاوم بلا استثناء”.
وأكمل حديثه بالقول: “أما الموظفون بـ”فتح” كقيادات فهم يوافقون على قطعها ويحرضون على استمرار القطع لأنهم يدركون أنه إذا عادت الأمور إلى مجاريها فليس مكان لهم بفتح”.
واستنكر دلياني ممارسات السلطة التعسفية بحق قطاع غزة من حيث فارق الرواتب بين موظفيها بالضفة وغزة، والانتقاص من رواتب موظفيها الذين أمرتهم بالجلوس في بيوتهم ثم عاقبتهم على الانصياع لأوامرها في ظلم واضح ليس له مثيل في الدنيا.
