خفايا بيزنس العسكر.. كيف أهدر السيسي 4 آلاف مليار جنيه على مشروعات فاشلة؟

- ‎فيتقارير

يمثل مشروع كوبري الملك سلمان الذي تم تصميمه على عجل وخرج ملاصقا للعمارات والمباني السكنية، فضيحة عالمية مدوية لنظام العسكر والهيئة الهندسية للقوات المسلحة وحكومة الانقلاب؛ لأنه يعكس انعدام الكفاءة من جهة، وانعدام الضمير من جهة ثانية، وإهدار المليارات من جهة ثالثة.

ومن خلال الصورة المتداولة فقد تلاصق الكوبري مع المباني السكنية والإدارية المجاورة له، على الجانبين، مما يشكل خطورة على القاطنين بها. وتبارى النشطاء في التعبير عن السخرية الممزوجة بالأسى لما آلت إليه أوضاع مصر تحت حكم حفنة من الجنرالات الفسدة الذي اغتصبوا الحكم بانقلاب عسكري على الرئيس المنتخب والمسار الديمقراطي في 3 يوليو 2013م.

هذه الكارثة تفتح الباب على مصراعيه لتسليط الضوء على مشروعات الطاغية عبد الفتاح السيسي الفاشلة التي تمت بلا جدوى اقتصادية حقيقية، والتي أهدر عليها 4 آلاف مليار جنيه خلال 6 سنوات فقط كلها من القروض والديون.

وبحسب وزيرة التخطيط، فإن النظام أنفق أكثر من 4 آلاف مليار جنيه على 25 ألف مشروع خلال السنوات السبع الماضية، منها تفريعة قناة السويس والعاصمة الإدارية والعلمين الجديدة وشبكة الطرق والكباري.

https://www.facebook.com/almokattam/posts/10158291718717720

انهيارات متكررة

ولم يكن انهيار جسر تحت الإنشاء بالقاهرة، في بداية مايو الجاري، هو الأول من نوعه، ولكنه كان حلقة في سلسلة انهيارات ضربت طرقا وجسورا، تشرف على إنشائها الهيئة الهندسية للجيش.

وخلال الأعوام القليلة الأخيرة، تكررت وقائع الانهيار في طرق حديثة، افتتحها رئيس الانقلاب "عبد الفتاح السيسي"، رغم إنفاق مليارات الجنيهات على تنفيذها خلال زمن قياسي.

وبحسب مراقبين، فإن هذه الانهيارات تمنح المصداقية للاتهامات التي وجهها المقاول محمد علي للجيش وللنظام كله بالفساد والتربح من المال العام بشكل واسع.

  1. بدأ مسلسل الانهيارات في فبراير 2016، من محافظة بني سويف (وسط)، حينما انهار أحد الجسور العلوية التي تشرف الهيئة الهندسية على إنشائها، بمنطقة كوم أبو راضي، التابعة لمركز الواسطي بالمحافظة، بتكلفة 800 مليون جنيه. كما انهار جسر مشاة تحت الإنشاء على طريق (القاهرة-الإسماعيلية) الصحراوي، ما أسفر عن مصرع 4 أشخاص وإصابة 12 آخرين. كذلك وقع انهيار جزئي بجسر الجامعة الجديد، بمحافظة "سوهاج" جنوبي البلاد، قبل مرور 6 شهور على افتتاحه.
  2. في 15 يونيو 2017، وقع هبوط أرضي في طريق "الإسكندرية الصحراوي"، الذي تشرف على عمليات إنشائه الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، المعنية بكافة مشروعات البنى التحتية في البلاد، منذ الانقلاب العسكري منتصف العام 2013.
  3. أكتوبر 2019، انهيار الطريق الدائري الإقليمي (بتكلفة 7.9 مليارات جنيه) الواصل بين مدينة الفيوم (غرب) وطريق الإسكندرية الصحراوي (شمال)، إثر هبوط بطول 150 مترا، وعرض 30 مترا، عقب موجة أمطار ضربت البلاد.
  4. مارس 2020م، أغلقت سلطات  الانقلاب 10 طرق صحراوية وتحويلات رئيسية تربط بين المحافظات؛ بسبب تعرضها لشروخ، وانهيارات، جراء موجة الأمطار التي شهدتها البلاد. وشملت قائمة الطرق المغلقة "طريق شرم الشيخ – النفق الجديد، وطريق القاهرة – السويس الصحراوي، وطريق القاهرة – العين السخنة، ومحور الضبعة – مطروح، وطريق الكريمات الصحراوي، وطريق المنيا – القاهرة الصحراوي، وطريق الجيش الشرقي (القاهرة – أسيوط)، وتحويلة الطريق الدائري أعلى الجولف، وتحويلة الطريق الدائري (أبراج سما)، وتحويلة طريق الفيوم.

الفساد وتعديلات قانون المناقصات

ويعزو مراقبون أسباب تفشي الفساد في المؤسسة العسكرية إلى التعديلات التي تم تمريرها على قانون المناقصات والمزايدات في ديسمبر 2015م، والتي شرعنت عمليات التنفيذ بالأمر المباشر دون منافسة، وبأوامر مباشرة من رئيس الانقلاب، أو منح رئيس الحكومة الوزراء مثل هذه الصلاحيات التي شرعنت الفساد وعززت نفوذ شبكات المافيا.

وتقضي التعديلات بإمكانية تنفيذ بعض المشروعات الكبرى من خلال عقود الإسناد بالأمر المباشر، بعد موافقة مجلس الوزراء. ومنح القانون صلاحية إسناد مشروعات المقاولات بالأمر المباشر للوزراء المختصين، ما فتح الباب أمام منح جميع عقود الإنشاءات في جميع الوزارات المصرية للوحدات الهندسية في الجيش.

ومضى السيسي مصرا على هذه التوجهات بالتصديق في أكتوبر 2018، على القانون رقم 182 لسنة 2018 بشأن تنظيم التعاقدات التي تبرمها الجهات العامة. والذي يمنح قانون التعاقدات الحكومية جميع أجهزة الجيش ووزارة الإنتاج الحربي والداخلية حق إبرام عقود المقاولات والخدمات والاستيراد بطريق المناقصة المحدودة أو المناقصة على مرحلتين أو الممارسة المحدودة أو الاتفاق المباشر دون اتباع المناقصات أو المزايدات العامة.

الأكثر خطورة أن مشروعات الجيش والمشروعات التي تشرفها عليها الهيئة الهندسية لا تخضع أي جهة رقابية أو إدارية أو مالية أو حتى فنية، كما لا يتم الإعلان عن تكلفتها الحقيقية أو عوائدها السنوية.

واعترف المقاول محمد علي في فيديوهاته أن الهيئة الهندسية كلفته بالأمر المباشر بإنشاء فندق الشويفات بالتجمع الخامس بتكلفة 2 مليار جنيه (نحو 120 مليون دولار)، وعند تحذيره من الاستعجال في العمل دون وجود دراسة جدوى، أخبره قادة عسكريون أن "السيسي لا بد أن يرى أن العمل بدأ بالفعل".

وظيفتان لبيزنس الجيش

ويؤكد تقرير لمركز كارنيجي للسلام، كتبه الباحث ماجد مندور، أن السيسي يعطي الأولوية لمشاريع البنى التحتية الواسعة النطاق بهدف حشد الدعم، غير أن هذه المشاريع تُعزّز قبضة القوات المسلحة على الاقتصاد ولا تُقدّم أي منافع اقتصادية واسعة وملموسة. ويشكك في مشروعات البنية التحتية الضخمة التي ينفذها السيسي في ظل أزمة الديون المستفحلة.

وبحسب الكاتب، فإن النظام يُروَّج لهذه المشاريع بأنها أساسية لإنعاش الاقتصاد المصري، لكنها تؤدّي وظيفتَين مهمتَين. الأولى توفّر للجيش فرصا إضافية لزيادة تدخّله في جوانب مختلفة من الاقتصاد المصري،  وكان السيسي نفسه قد أشاد في نوفمبر 2014 بقدرة القوات المسلحة على تنفيذ مشاريع البنى التحتية الضخمة بوتيرة أسرع بثلاث إلى أربع مرات من القطاع الخاص، في إشارة إلى نيّته التعويل على الجيش لتنفيذ هذه المشاريع التي تُفضي إلى زيادة النفوذ الاقتصادي للقوات المسلحة.

الثانية تُستخدَم هذه المشاريع أداة لفرض السلطة وترسيخ الدعم في صفوف أنصار النظام. والمثال الأبرز في هذا المجال هو توسعة قناة السويس التي صُوِّرت بأنها ضرورية للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية. وفي عام 2014، زعم رئيس هيئة قناة السويس، مهاب مميش، أنه يُتوقَّع أن تصل الإيرادات إلى مئة مليار دولار في السنة.

ولكن الأرقام تُظهر أن الحجم الإجمالي للاقتصاد المصري بلغ 249 مليار دولار في أواخر عام 2018، في حين أن مجموع العائدات  التي أمّنتها قناة السويس في السنة نفسها لم يتجاوز 5.7 مليارات دولار.

وينتهي مدير تحرير مجلة "وورلد بوليتكس ريفيو"، فريدريك ديكنتال، في مقاله يونيو 2019م، إلى أن السيسي وبعد انقلابه العسكري، وضع نصب عينيه مشاريع البناء، بما في ذلك القنوات والجسور والمدن، في محاولة لدعم الاقتصاد، وتوفير الوظائف، وإبقاء النظام في سعادة وذلك لكون الجيش هو الذي يبني كل شيء تقريبا.

وأكد أن السيسي يمضي قدما في مشاريع لا طائل منها، إلا أن المفارقة هي أن صندوق النقد مستمر في الإشادة به، والتصفيق له، بل وإصدار قروض جديدة لحكومته.