تمتد العسكرة إلى جميع قطاعات الدولة دون أن يوقف زحفها أحد؛ وبعد أن احتكرت شركات الجيش كل شيء في مصر بعد انقلاب 3 يوليو 2013م، يتجه جهاز المخابرات نحو تأسيس شركة جديدة باسم "صحة مصر"، ستحصل على حق إدارة عدد كبير من المستشفيات الحكومية، وتنظيم تقديم الخدمة بها وتطويرها.
الشركة الجديدة ستكون على غرار شركة "إعلام المصريين" التي آلت إليها إدارة كل الوسائل الإعلامية المملوكة للجهاز، من صحف ورقية وقنوات فضائية وإذاعات، وكذلك شركة "استادات مصر" القابضة التي تهيمن على جميع استادات مصر الرياضية.
ووفقا لصحيفة "العربي الجديد"، فإن الشركة الجديدة التابعة للمخابرات بدأت بالتواصل مع عدد من المستثمرين في مجال التعليم الجامعي، وعرضت عليهم منحهم حق انتفاع لمستشفيات حكومية لمدد تصل حتى 20 عاما؛ بهدف تأسيس كليات جديدة للطب. وأن القائمين على الشركة التابعة للجهاز السيادي، عرضوا على ملّاك عدد من الجامعات الخاصة تسهيل كل الإجراءات اللازمة لتأسيس كليات جديدة للطب البشري يصل عددها إلى 15 كلية. وبحسب التسريبات المتعلقة بهذه التوجهات، فإن الشركة ستتولى حق إدارة المستشفيات وتنظيمها، وإعادة هيكلتها.

تورتة لرجال الأعمال
وكان مالكو الجامعات الخاصة يرفضون الدخول في مجال كليات الطب بسبب صعوبة الإجراءات، وكذلك لارتفاع تكلفة تأسيس مستشفيات خاصة لتدريب الطلاب وممارستهم للمهنة من خلالها، لكن الشركة الجديدة التابعة للمخابرات سوف توفر لهم كل هذه الإجراءات من خلال منح عدد من المستشفيات الحكومية للجامعات الخاصة بحق الانتفاع لمدد قابلة للتجديد"، كما حدث مع شركة "استادات مصر" الرياضية التابعة من الباطن لجهاز المخابرات.
وعلى الرغم من عدد الجامعات الخاصة الكبير في مصر، فإن اشتراط وجود مستشفى بمواصفات معينة كان يحول دون فتح المزيد من الكليات الخاصة، قبل أن تتغاضى الحكومة عن هذا الشرط، ولم تقدم على تلك الخطوة سوى جامعة "السادس من أكتوبر"، قبل أن تلحق بها جامعة مصر للعلوم والتكنولوجية منذ فترة قريبة.
وتمت الموافقة خلال الفترة الأخيرة على إنشاء 4 كليات طب خاصة في الجامعة الحديثة، وجامعة النهضة، وجامعة الدلتا للعلوم والتكنولوجيا، وجامعة بدر، فيما قرر مجلس نقابة الأطباء في وقت سابق عدم قيد متخرجي كليات الطب الخاصة، التي يدرس الطلاب فيها من دون وجود مستشفى جامعي كملك خاص في الكلية بعدد أسرّة تتناسب مع عدد الطلبة، يشمل كل التخصصات، على غرار المستشفيات الجامعية، وذلك بالنسبة إلى الكليات التي لم تبدأ الدراسة بها بالفعل.
وتواجه مصر نقصًا شديدًا في أعداد الأطباء؛ نتيجة هجرة الكثير منهم، وتقديم آلاف الأطباء استقالاتهم من العمل في المستشفيات الحكومية.

احتكار إماراتي
وإذا كانت المخابرات تتجه لاحتكار المستشفيات الشعبية بدعوى التطوير، فإن شركة كليوباترا الإماراتية التابعة لمجموعة شركات أبراج كابيتال تمضي بإصرار نحو احتكار مستشفيات القطاع الخاص.
وفي فبراير الماضي "2020"، طالب جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، حكومة الانقلاب بوقف تنفيذ صفقة استحواذ شركة مستشفيات كليوباترا المملوكة لمجموعة أبراج كابيتال الإماراتية، على مستشفيات دار الفؤاد والسلام الدولي، لتأثيرها السلبي على الاقتصاد المصري وحقوق المواطنين والمرضى، وخلق كيان احتكاري داخل الدولة.
وعدد الجهاز مخاطر هذه الصفقة وأهمها أنها سوف تفضي إلى رفع أسعار الخدمات الطبية على المريض وتقيد خياراته المتاحة في الحصول على أفضل الخدمات بأقل الأسعار، فضلا عن خلق كيان مسيطر داخل الدولة، يمثل عائق نحو دخول استثمارات جديدة بقطاع الخدمات الطبية، ذات كفاءة عالية.
ومن شأن استحواذ الشركة الإماراتية على مجموعة "ألاميدا" المالكة لمستشفيات دار الفؤاد والسلام الدولي، لدمج المجموعتين في كيان واحد، أن يؤدي لاحتكار أكثر من 2000 سرير في القطاع الخاص الطبي.
وتمتلك شركة كليوباترا المملوكة لمجموعة أبراج كابيتال الإماراتية، معظم المستشفيات الاستثمارية الكبرى بمصر، مثل النيل بدراوي والقاهرة التخصصي وكليوبترا، والشروق والكاتب وكوينز والنخيل، بالإضافة لكبرى المختبرات الطبية مثل المختبر والبرج. بينما تمتلك مجموعة "ألاميدا" كل من مستشفى السلام الدولي بالمعادي، ومستشفى السلام الدولي بالقطامية، ومستشفى دار الفؤاد 6 اكتوبر، ومستشفى دار الفؤاد مدينة نصر، ومعامل يونى لاب، وإلكسير للمناظير وطبيبي.
وبحسب البرلماني السابق أمير بسام، فإن هدف الإمارات ليس الاستثمار، خاصة وأن مجموعة كليوباترا التي تمتلكها الإمارات حققت خسائر 24% خلال 2019، رغم استحواذها بالفعل على المستشفيات الاستثمارية العريقة مثل النيل بدراوي والشروق والكاتب والقاهرة التخصصية، ومعامل البرج والمختبر، وسعيها لشراء السلام الدولي ودار الفؤاد، يؤكد أن الموضوع ليس مرتبطا بحسابات المكسب والخسارة، وإنما من أجل احتكار القطاع الطبي، لأهداف لن تصب في صالح الأمن القومي المصري.
ويحذر العضو السابق بمجلس إدارة النقابة العامة للصيادلة أحمد رامي، من أن الشركة الإماراتية تستحوذ حاليا على أكثر من 35% من قطاع الخدمات الصحية الخاصة بمصر، وبامتلاكها لمستشفى السلام الدولي ودار الفؤاد، فإنها تقترب من امتلاكها لـ 50% في هذا القطاع، وهو ما يجعلها المتحكم الأول في نصف القطاع الصحي بمصر.
فأبو ظبي تحتكر حتى اليوم أكثر من 1800 فرع لمعامل التحاليل الطبية، بالإضافة إلى مئات من مراكز الأشعة، وأبرز المستشفيات المتخصصة، وهو ما يدعم الشكوك التي سبق وأن طرحها المركز المصري للحق في الدواء، بأن الهدف هو أن يتحول المصريون لحقل تجارب في مجال الأدوية الحديثة، والعمليات الجراحية الجديدة".
ووفق رامي فإن امتلاك الإمارات لهذا القدر من المعلومات عن صحة المصريين بشكل خاص، يعني أنها ستكون معلومات موجودة لدى إسرائيل بشكل مباشر، وهو ما يهدد الأمن القومي في واحدة من أهم أركانه.