هل يؤدي كورونا إلى إعادة تشكيل النظام العالمي؟

- ‎فيتقارير

خَلَقَ وباء "كوفيد 19" حالة واسعة النطاق من الجدل حول مستقبل العالم، وكذلك المؤسسات التي يرتكز عليها النظام الدولي، وكما يقول المحللون فإن هذا الوباء غير مسبوق على الأقل من جهة وعي الإنسان والمجتمعات به.

فبرغم أن العالم شهد أوبئة أكثر شدة وضراوة من هذا الوباء من طاعون منتصف القرن الرابع عشر إلى الإنفلونزا الإسبانية بين عامي 1918 و1920، إلا أنها لم تكن بمثل هذا الاتساع والانتشار على مستوى العالم كله، ولم تكن هناك وسائل اتصال في حقب الأوبئة السابقة بهذه السرعة واللحظية كما في عالم اليوم، فأي عالم سيولد بعد لهذا الوباء؟

ويعد هذا السؤال هو الأكثر إلحاحا من قبل علماء السياسة والاقتصاد والتاريخ والفلسفة والعلاقات الدولية.

وإذا انتقلنا إلى تأثير هذه الجائحة على المنطقة العربية، فبحسب محللين فإن هذه الجائحة تضع المنطقة والنظام الإقليمي برمته أمام تحديات أمنية وسياسية واقتصادية وجودية وغير مسبوقة، في وقت تواجه فيه دول عربية أزمات اقتصادية عنيفة، فيما سارت أخرى في عداد الدول الفاشلة أو غير الفاعلة بسبب الحروب الداخلية والتدخلات الخارجية على أرضها.

كما تعمّق أزمة الوباء من تعثر النظام الإقليمي العربي وتزيد من إخفاقاته فهذا الوباء يضاف إلى سلسلة الصدمات التي هزت منطقة الشرق الأوسط على مدى العقدين الماضيين، مثل الغزو الأمريكي للعراق، وثورات الربيع العربي، والحروب في سوريا واليمن وليبيا، مما يشكل اختبارا فارقا لقدرة دول المنطقة والنظام الإقليمي على الصمود، من خلال القدرة على إدارة الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية المترتبة على الأزمة، فأي مستقبل ينتظر المنطقة العربية بعد هذه الجائحة؟

جائحة مختلفة

المهندس عبد الحميد الجلاصي، الباحث السياسي التونسي، قال إن مجموعة التفكير الاستراتيجي التي هي إحدى شبكات مجموعة التفكير في المستقبل قدمت مبادرة بمشاركة أكثر من 50 خبيرا من مختلف البلدان العربية حول سيناريو التعامل مع الجائحة وإمكانية التحكم فيها، إما باكتشاف لقاح أو الوصول إلى صيغة من صيغ التعايش.

وأضاف، في مداخلة هاتفية لبرنامج "كل الأبعاد" على قناة "وطن"، أن ما توصل إليه مجموعة الباحثين بعد ترجيحات ونقاشات مطولة أن هذه الجائحة تختلف من حيث عمقها، ومن حيث شمولها ومن حيث عدم وضوح العدو وسرعة انتشاره، بعد أن فرض حجرا على نصف البشرية، ووضع على المحك قضايا أساسية ووجودية وجوهرية حول العلاقة بالعالم والزمن والعلم وقدرة الإنسان، ووضعت على المحك مجمل المنظومات الصحية في العالم على المحك، وكذلك معظم منظومات الإنتاج ومنظومات خلق الثروة والمنظومات الاجتماعية، وأيضا قضايا الحريات وعلاقة الفرد بالدولة، وأيضا وضعت النظام العالمي السائد منذ الحرب العالمية الثانية على المحك.

وأوضح الجلاصي أن الجائحة وضعت المنظومة الدولية ومنظمة الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والمنظومات الاقتصادية وصندوق النقد الدولي وغيرها على المحك، وكذلك المنظومات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية.

وأشار الجلاصي إلى أن الجائحة أتاحت إعادة قراءة صراع الإنسان مع الجوائح، وأن هذه الجوائح تعيد تشكيل عالم جديد، خاصة إذا كانت بمثل هذا التوسع.

ضرب الاقتصاد

وقال الدكتور حازم عياد، الكاتب والباحث السياسي، إن أزمة كورونا مختلفة تمامًا عن الكوارث الطبيعية والجوائح الاقتصادية التي وقعت في 2008، وأيضا الكوارث الطبيعية مثل تسونامي، والتي تم احتواؤها لمحدودية تأثيرها الجغرافي، أو أنها مست جانبا معينا من الحياة الاقتصادية كالمؤسسات المالية والبورصات العالمية، بينما تسبب كورونا في توقف عجلة الإنتاج في العالم ولم يقتصر على بقعة جغرافية معينة، وانتشر في جميع أنحاء العالم في أقل من 5 أشهر، وأصاب أكثر من 5 ملايين إنسان وقتل ما يزيد على 360 ألف إنسان.

وأضاف عياد، في مداخلة هاتفية لبرنامج "كل الأبعاد" على قناة "وطن"، أن كورونا عطل عجلة الإنتاج وضرب المراكز الاقتصادية العالمية بعنف في اليابان وكوريا الجنوبية والصين وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، بينما جاء تأثيره محدودا على الدول الفقيرة.