يشارك وزير العدل السعودي السابق وأمين عام "رابطة العالم الإسلامي"، محمد العيسى، في منتدى افتراضي يدعم الاحتلال الإسرائيلي، بتنظيم من اللجنة اليهودية الأمريكية "AJC"، وبمشاركة وزير جيش الاحتلال "بيني غانتس"، ورئيسة وزراء ألمانيا المستشارة أنجيلا ميركل.
الصهيونية بمعنى الدفاع عن “حق الأمة اليهودية في التمتع بدولة في أرض إسرائيل”، ظاهرة سياسية أکثر من كونها مفهوما دينيا. ولذلك, وكما نعلم، أن العديد من اليهود الحقيقيين يرفضون الصهيونية تمامًا بناءً على معتقداتهم ونصوصهم الدينية. لكن من ناحية أخرى، هناك أيضًا أتباع لغير الديانة اليهودية يؤمنون بالصهيونية.
إلى جانب السياسيين الأمريكيين، يعد محمد بن سلمان ولي العهد السعودي والحاکم الفعلي للسعودية، والذي ينبغي أن يكون حاكم الأمة الإسلامية وسادن الكعبة المشرفة وخادم الحرمين الشريفين، من بين المسئولين السياسيين الصهاينة في العالم.
مؤسسة “ميدل إيست مونيتور” الإخبارية والإعلامية ومقرها لندن، في تقرير حديث لها تحت عنوان “هل محمد بن سلمان صهيوني؟”، استعرضت العلاقات العائلية.
وجاء في التقرير في الأسبوع الماضي، زار “محمد العيسى” وهو رجل دين سعودي بارز (الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي)، معتقل “أوشفيتس” النازي للعمل القسري في بولندا (والذي يرمز إلی نهاية الهولوكوست)، احتفالا بالذكرى السبعين لتحرير المخيم.
وعلى الرغم من أن العشرات من العلماء المسلمين قاموا بزيارة المخيم حتى الآن، ولکن وفقا للمكتب الإعلامي لمرکز أوشفيتز التذكاري، فإن العيسی هو المسئول الديني الإسلامي الأعلى رتبةً الذي قام بذلك حتی الآن.
إن زيارة أوشفيتز، بالطبع، ليست مشكلةً للمسلم بحد ذاتها؛ فالإسلام يأمر المسلمين بإدانة القتل غير القانوني لأي إنسان، بغض النظر عن دينه. لكن النقطة المهمة هي أن العيسی حليف مهم لمحمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ولا يبدو أن محمد بن سلمان يکنّ احتراما لحياة الإنسان. لذلك، فإن زيارة العيسی إلى أوشفيتز تحمل مفاهيم سياسية واضحة، تتجاوز القضايا الإسلامية.
في ضوء استغلال تل أبيب للهولوكوست لأغراض استعمارية جيوسياسية، كان ابن سلمان ومن خلال إرسال العيسی إلى أوشفيتز، يهدف لإظهار دعمه للکيان الإسرائيلي. ويستخدم ولي العهد السعودي العيسی عمومًا لمثل هذه الأغراض، وکأنه يحاول إثبات هويته الصهيونية بهذه الطريقة.
على سبيل المثال، يقود العيسی جهود المصالحة مع المسيحيين الإنجيليين، وهي جماعة معروفة في الحد الأدنی في أمريكا بأنها صهيونية قوية وأنصار متحمسون لـ “دولة إسرائيل”. حتى أن العيسی دعا إلى زيارة وفد ديني من المسلمين والمسيحيين واليهود إلى القدس، والتي ستكون عمليا “ترويكا صهيونية”.

كل ما تريده إسرائيل
وتعمل اللجنة الأمريكية على مناصرة قضايا اليهودي ودعم الاحتلال الإسرائيلي حول العالم، وتستمر الفعالية الإلكترونية لمدة خمسة أيام، من 14 إلى 18 من الشهر الجاري.
وبحسب ما نشرته اللجنة عبر موقعها الإلكتروني، فسيكون العيسى وغانتس وميركل ورئيس الحكومة اليونانية كيرياكوس ميتسوتاكيس، من المتحدثين الرئيسيين في الجلسة الافتتاحية، لافتة إلى أن المنتدى كان من المفترض أن يعقد في برلين قبل أزمة كورونا.
ولفتت اللجنة إلى أن المنتدى سيناقش "القضايا التي تواجه الشعب اليهودي حول العالم"، بما في ذلك "ظهور معاداة السامية وأشكال الكراهية الأخرى في عصر كورونا، والانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، وسعي تل أبيب إلى السلام والأمن، ومستقبل العلاقات عبر الأطلسي".
وشارك العيسى في وقت سابق، مع هذه اللجنة التي تشكل لوبيا مناصرا لليهود وإسرائيل، حينما أقامت فعالية في بولندا، وزار برفقة شخصيات مسلمة "معسكر أوشفيتس" في يناير الماضي، إلى جانب زيارته لمتحف تخليد ذكرى المحرقة بالعاصمة الأمريكية واشنطن في مايو عام 2018.
وبالعودة إلى جذور الرعاية السعودية لكيان العدو الصهيوني، يقول الكاتب عبد المجيد حمدان في كتابه "إطلالة على القضية الفلسطينية"، إنه بعد أن عجزت بريطانيا عن القضاء على الثورة الفلسطينية " ثورة 1936", التي استطاعت أن تحاصر القوات البريطانية داخل ثكناتها، تم تكليف عبد العزيز بن سعود للقيام بهذه المهمة! فاتصل ابن سعود بوجهاء فلسطين واعدا بتحقيق مطالب الثورة الفلسطينية, وحين استجاب وجهاء فلسطين إلى عرض الوساطة السعودية، وجه حكام الكيانات العربية النداء التالي: "إلى أبنائنا العرب في فلسطين, لقد تألمنا للحالة السائدة في فلسطين. فنحن بالاتفاق مع إخواننا ملوك العرب والأمير عبد الله ندعوكم لسّكينة, حقنا للدماء معتمدين على حسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية. ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل".

آل صهيون
وعن هذا الدور الوظيفي الذي لعبه عبد العزيز بن سعود في إخماد ثورة عام 1936, ذكر جون فيلبي في محاضرة ألقاها في الظهران, الآتي: "لقد سرّت القيادة البريطانية أعظم سرور, ونلنا على أثرها ثلاثة أوسمة تقديرية الأولى لي, والثاني لعبد العزيز, والثالث لفيصل (بن عبد العزيز ال سعود) لهذا الدور. بل لهذا الفصل التاريخي الذي قام به صديقها الحميم عبد العزيز آل سعود, ووجهت إليه رسالة شكر تفيض بالعواطف لعمله الذي عجز عن فعله الجميع. كما سرّ قادة اليهود في فلسطين لهذا الجهد السعودي الجبار".
وكان قد تحدث جون فيلبي عن هذه المهمة في مذكراته, حيث قال: "بعد شهرين من وصولي إلى الأردن قمت بجولة في أنحاء فلسطين وكانت الثورة الفلسطينية في بدايتها, ويعيش الإنكليز في قلق منها, فحاول بعضهم توسيط الأمير عبد الله لدى الثوار الفلسطينيين لإيقاف الثورة, فلم أحبذ هذه الفكرة لعلمي أن عبد الله سيفشل في وساطته, لعدم وجود نفوذ للأمير عبد الله بين الفلسطينيين, وبالتالي سيكون الجو مناسبا لصديقنا العزيز عبد العزيز فتنجح وساطته, فترتفع أسهمه لدى الإنكليز أكثر فأكثر, وهذا ما تمّ فعلا, بل إنه بمجرد أن عرض عبد العزيز آل سعود وساطته لدى وجهاء فلسطين, حتى قبلوا وساطته بإيقاف الثورة.. واثقين مما تعهد لهم عبد العزيز به وأقسم لهم قائلا: "إن أصدقائنا الإنكليز تعهدوا لي على حل قضية فلسطين لصالح الفلسطينيين, وإنني أتحمّل مسئولية هذا العهد والوعد".
وليتأكد عبد العزيز من نجاح مهمته بشكل كامل, أرسل ابنه فيصل (الذي أصبح ملكا فيما بعد) إلى القدس ليتأكد من مساعي والده في إيقاف الثورة الفلسطينية.. حيث اجتمع فيصل بقيادة الثورة في القدس الشريف, وفي ذلك الاجتماع قال فيصل: "حينما أرسلني والدي عبد العزيز في مهمتي هذه إليكم فرحت فرحتين, الفرحة الأولى كانت من أجل زيارة المسجد الأقصى والصلاة في بيت المقدس, أما الفرحة الثانية فكانت فرحتي بلقاء هؤلاء الثوار, لأبشّرهم أن جهودهم لم تذهب سدى, وأن ثورتهم قد أثمرت بإثارة اهتمام صديقتنا بريطانيا العظمى, التي أكدت لوالدي حينما رأت اهتمامه بفلسطين أنها لن تخيب آمال الفلسطينيين".
وتابع "وبناء على ما عرفته من صدق نوايا بريطانيا أستطيع أن أقسم لكم بالله, أن بريطانيا صادقة فيما وعدتنا به. وأن بريطانيا تعهدت لوالدي أنها عازمة على حل القضية الفلسطينية".
فراسة شاعر
يومها وقف الشاعر الفلسطيني المشهور عبد الرحيم محمود (الذي استشهد في معركة الشجرة عام 1948), وبعفوية ومصداقية وفراسة المؤمن الصادق والمرابط, مرتجلا قصيدته المسماة (نجم السعود) أمام فيصل, وكأنه كان يعلم مدى تورط حكام كيانات سايكس بيكو بالمشروع الصهيوني وما يجري اليوم بورشة البحرين وصفقة القرن، ليخاطب فيها فيصل ووالده عبد العزيز, ويقول:
"يا ذا الأمير أمام عينك شاعر.. ضمّت على الشكوى المريرة أَضلعٌه
المسجد الأقصى أجئت تزوره …. أم جئت من قبل الضياع تودّعه
حرم تباع لكل أوكع آبقٍ …. ولكلّ أفاق شريد أربعه
وغدا وما أدناه لا يبقى سوى …. دَمع لنا يهمي وسنّ نقرعه
واعترافا بالدور السعودي في إخماد ثورة الشعب الفلسطيني مَنَّ الرئيس الأمريكي روزفلت على عبد العزيز بن سعود بلقب زعيم العرب الأكبر, وكان ذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في لقاء سري جرى على ظهر السفينة الحربية الامريكية (كوينسي) في البحيرات المرة بقناة السويس عام 1945… حيث قال روزفلت: "إنني معجب بك يا عبد العزيز, لا لأننا نعتبرك زعيم العرب الأكبر وكبير المسلمين الأوحد فحسب, وإنما لإخلاصك لنا فأنت لن تتغير مهما كبرت وعظم شأنك, لأنك جوهر ثمين لا يقدر بثمن بالنسبة لنا. وإنني أطمئنك بأن الروابط التجارية والاقتصادية والعسكرية والأخوية ستزداد بيننا وثوقاً لما يبذله كل منا في سبيل مصالحنا المشتركة. ولا بد من إيجاد حل لقضية فلسطين يطمئن الشعب اليهودي المشرد. تكونون عونا لنا فيه والدين الإسلامي الذي اعتنقتموه وأصبحتم قادته هو دين محبة وإخاء يحترم كل الأديان السماوية. ويؤمن بكل الأنبياء والرسل وما جاءوا به. واليهود هم أقرب لكم منا, ولا بد من مضاعفة جهودكم لدى العرب والفلسطينيين خاصة لقبولهم بهم وإقناعهم أن الجميع أبناء سام".