لهذه الأسباب.. السيسي هو المتهم الأول في بناء سد النهضة وخراب مصر

- ‎فيتقارير

مع اقتراب إثيوبيا من حجز المياه أمام بحيرة سد النهضة، مع بداية يوليو المقبل، يكثف إعلام العسكر هذيانه وأكاذيبه من أجل إبعاد زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي عن تحمل المسئولية عن هذه الكارثة التي تهدد مصر بالخراب. وبالأمس ادعى دجال إعلام العسكر أحمد موسى أن الإخوان هم سبب مصيبة السد، وأن السيسي وجده أمرًا واقعًا، مقرا بأن الوضع الحالي صعب للغاية، مضيفا فى الوقت ذاته أنّ موقف إثيوبيا متعجرف وغير قانوني في المفاوضات.

ومن قبل ادعى السيسي نفسه أن ثورة 25 يناير 2011م هي المسئولة عن سد النهضة الإثيوبي، محاولا ترويج أكاذيب بهذا الشأن، وأن أديس أبابا بدأت في بناء السد في عام الثورة، استغلالا للفراغ السياسي الذي نشأ عن الثورة وهشاشة الوضع السياسي لمصر.

براهين تعصف بالأكاذيب

ربما يعتقد البعض أن الانسياق وراء الرد على اتهامات النظام للثورة بالتسبب في أزمة سد النهضة هو انجرار  لتكتيكات أجهزة العسكر المخابراتية، لكن الأمر يستلزم التوعية المستمرة بالحقائق الدامغة والبراهين القوية لحماية أجيال مصر الناشئة من عمليات التجريف والتجهيل المتواصلة، عبر ماكينة الإعلام العسكري التي تجيد صناعة وفبركة الأكاذيب والروايات الركيكة وتسويقها على نطاق واسع.

أولا: تكشف أكاذيب أحمد موسى وإعلام العسكر عن مغالطات كبيرة بشأن السد الإثيوبي، وأن هناك إصرارا على ترويج الأكاذيب الكبيرة التي تعصف بها الحقائق الدامغة والبراهين الساطعة؛ فبالرغم من أن إثيوبيا أعلنت عن البدء في بناء السد في أبريل 2011م بعد اندلاع الثورة، إلا أن الخطط الإثيوبية وتصميمات السد والدراسات المتعلقة به بدأت قبل ذلك بسنوات.

وبدأت الخطط الإثيوبية في إنشاء سدود على نهر النيل في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك. ففي 2001م أعلنت الحكومة الإثيوبية عن نيتها إنشاء عدد من المشروعات على أنهارها في إطار استراتيجية وطنية للمياه. ونشر موقع ويكيلكس وثيقة مسربة يعود تاريخها إلى 26 من مايو 2010، مفادها أن مبارك طلب من الخرطوم إنشاء قاعدة عسكرية لاستخدامها حال إصرار الجانب الإثيوبي على بناء سد. وفي أغسطس 2010 أعلنت الحكومة الإثيوبية الانتهاء من عملية مسح موقع سد النهضة، والتي بدأت في أكتوبر عام 2009. وفي نوفمبر من نفس العام، انتهت الحكومة الإثيوبية من تصميم السد، وأعلنت اعتزامها البدء في تنفيذه.

خلال تلك الأعوام، كانت هناك جولات عديدة من المفاوضات المتبادلة بين القاهرة وأديس أبابا، غلب عليها العلاقات المتوترة بين البلدين. واستمرت المفاوضات بين الجانبين حتى بعد ثورة يناير، وخلال عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي، الذي كان يؤكد باستمرار أن انتقاص قطرة مياه واحدة من حق مصر هو إعلان حرب؛ الأمر الذي أربك الجانب الإثيوبي.

وبعد انقلاب 3 يوليو 2013م استمرت المفاوضات، وبدأت الإنشاءات فعليا في 2015م، ومن المتوقع الانتهاء من عمليات البناء في عام 2022، بعد أن كان مقررا الانتهاء منها عام 2017، وفقا لتصريحات أدلى بها مدير مشروع سد النهضة، “كيفلي هورو” أواخر 2018م.

ثانيا: الأمر الآخر أن الذي كان يحكم مصر في أعقاب الثورة هو المجلس العسكري برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي، الذي كان السيسي نفسه أحد أعضائه باعتباره مديرا لجهاز المخابرات الحربية ولمدة عام ونصف العام حتى منتصف 2012م؛ فلماذا لم يحرك ساكنا؟ ولماذا لم يحم مصر من هذا العدوان الذي يهدد الأمن القومي المصري؟ ولماذا يصر إعلام العسكر على تعليق فشل النظام على شماعة الإخوان رغم أن جميع مفاصل السلطة كانت في يد المؤسسة العسكرية من الألف إلى الياء؟

دور السيسي في بناء السد

الدليل الثالث أن زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي منذ اغتصابه للسلطة، اتخذ عدة قرارات أسهمت في تقليص الخيارات المصرية في قضية سد النهضة، ورغم ذلك فإنه أطلق عدة تصريحات تطمئن المصريين على أن حصة مصر من المياه لن تتأثر، ومع ذلك اختار تحميل ثورة يناير المسئولية عن الأزمة.

القرار الأخطر الذي مكَّن أديس أبابا هو توقيع السيسي على اتفاق المبادئ بالخرطوم في مارس 2015م؛ والذي يمثل اعترافا من القاهرة لأول مرة بأحقية أديس أبابا في بناء سد على نهر النيل، وأن مصر وفقا لذلك الاتفاق أسقطت حقها في الاعتراض على بناء السد. كما أعطى الاتفاق القدرة لإثيوبيا على طلب تمويل دولي لبناء السد، بعد أن كانت عاجزة قبل ذلك عن الحصول على تمويل من الخارج بسبب عدم موافقة مصر على البناء.

وللتغطية على هذه الجريمة بحق مصر وشعبها، خرج إعلام العسكر يطبل ويصفق لهذا الاتفاق المشئوم، ويبشر بحل أزمة سد النهضة، وقالت صحيفة اليوم السابع في عنوانها الرئيس: “السيسي حلها”.

المفاوضات العبثية

الدليل الرابع، هو استكبار السيسي ونظامه وإصرارهم على مسار التفاوض رغم ثبوت فشله منذ سنواته الأولى، وبالرغم من تعدد الاجتماعات الفنية والسياسية وعبر وسطاء، إلا أن جميع أشكال التفاوض انتهت إلى إعلان نظام العسكر نفسه فشل مسار التفاوض، وهو ما تكرر  أمس السبت بإعلان وزارة الري بحكومة الانقلاب أن الجولة التي انعقدت عبر الفيديو كونفرانس بين وزراء ري مصر والسودان وإثيوبيا انتهت إلى لا شيء، واتهمت عناد أديس أبابا بالتسبب في هذا الفشل.

لكن الشيء اللافت خلال سنوات التفاوض هو دور السيسي بتصريحاته وإعلامه في تخدير المصريين حتى تكرس السد كأمر واقع، ومن هذه التصريحات والمواقف في نوفمبر 2017، وخلال افتتاحه لمشروع مزرعة سمكية، قال السيسي عن سد النهضة: “مياه مصر موضوع مفيهوش كلام، وأنا بطمنكوا، ومحدش يقدر يمس ميّاه مصر”، مضيفا “اتكلمنا مع أشقائنا في السودان وإثيوبيا على عدم المساس بالمياه، لأن المياه مش تنمية دي حياة أو موت لشعب كامل، والموضوع ده خلصان، كده خلصت”.

في يناير 2018، وخلال قمة ثلاثية مع الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وهايلي ديسالين رئيس وزراء إثيوبيا آنذاك في أديس أبابا، قال السيسي إنه لم تكن هناك أزمة بالأساس بين مصر والسودان وإثيوبيا فيما يتعلق بسد النهضة. وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط الحكومية في تغطيتها للقمة: إن الزعماء الثلاثة خرجوا من اجتماع القمة “متشابكي الأيدي علامة على التضامن وروح التعاون الإيجابي”.

قبل ذلك وفي نفس الشهر، قال السيسي إنه “لن يسمح أبدًا بوجود مشكلة مياه في مصر”. وقال إن الحكومة تعمل على تنفيذ أكبر مشروع لمعالجة مياه الصرف لحل أي مشكلة متوقعة (في إشارة لسد النهضة). وفي يونيو 2018، استضاف السيسي رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد في القاهرة، وجعله يقسم باللغة العربية أن بلاده لن تضر بحصة مصر من مياه النيل، في مشهد عبثي وسط ضحكات الحضور.

خرائط “جوجل إيرث”

الدليل الخامس هو تأكيد خرائط موقع “جوجل إيرث” وهي متاحة للجميع أن سد النهضة بني في عهد رئيس الانقلاب السيسي، وكشف علماء في هندسة السدود بالاستعانة بخرائط وصور (جوجل إيرث) أن عملية البناء الحقيقية لجسم سد النهضة بدأت في عهد السيسي، وتحديدًا أواخر عام 2014. ووفقا لمحمد حافظ خبير هندسة السدود والأنفاق والمشروعات المائية، الذي يشغل منصب أستاذ مساعد بجامعة تناجا بماليزيا، ألقى محاضرة عبر حسابه على فيسبوك، أوضح فيها عدم صحة ما قاله السيسي عن أن السد بني عام 2011.

“حافظ” نشر فيديو وعددًا من الصور تم التقاطها بواسطة الأقمار الصناعية وجوجل إيرث، تحدد تاريخ البدء في بناء سد النهضة، توضح أنه حتى نهاية 2013 لم يوضع حجرا واحدا في أساسات السد، بحسب قوله، وأن البناء بدأ في عهد السيسي. حيث تبين الصور أن عملية صب الأساسات بدأت في يونيو 2014 مع مسرحية رئاسة السيسي، وانتهت طبقة الأساسات في منتصف ديسمبر 2015، وما قبل ذلك كانت عمليات تحديد مكان السد وتجريف المنطقة استعدادًا لبنائه. وبذلك تدلل وثائق “جوجل إيرث” أن سد النهضة تم بناؤه بالكامل في عهد السيسي وأنه كانت هناك ألف فرصة لمنع بناء السد لو كانوا صادقين.

وفي أعقاب تشكيك موالين للسيسي في هذه الخرائط، غرد الخبير الهندسي ممدوح حمزة على تويتر، ليؤكد صحة ما ذكره “حافظ”، مؤكدًا أنه حتى 30 يونيو 2014 لم تكن هناك أي انشاءات في موقع السد بحسب صور القمر الاصطناعي. وعرض صورا لموقع سد النهضة على جوجل إيرث من 2015 إلى 2018، تظهر أن الإنشاءات بدأت قبيل عام 2015 أو في خلال الجزء الثاني من 2014 طبقًا لصور موقع سد النهضة من القمر الاصطناعي.