“الأمن الطلابي” داخل الجامعات إعادة إنتاج لدولة التجسس وجمهورية الخوف

- ‎فيتقارير

فجر عاطف صحصاح

مع استمرار الهجمة القمعية العنيفة على طلاب الجامعات، قرر الانقلاب أخيرا، أن يواجه الطلاب بزملائهم؛ بأن يجند من بينهم عيونا وجواسيس للقيام بنفس المهمات التي كان يقوم بها سابقا كُتاب التقارير في أقسي عهود الديكتاتورية والاستبداد التي عرفتها البلاد.

ومن جانبهم أكد الخبراء أن هذا الأمر سيكون وبالا على العملية التعليمية في الجامعات، فضلا عن تأثر المجتمع تربويا وأخلاقيا؛ حيث يكرس هذا المخطط لجمهورية الخوف والتي تنعدم معها أية قابلية للتقدم أو النمو.


ومن الجدير بالذكر أن وثيقة مسربة لوزير التعليم العالي الانقلابي أرسلها لرؤساء الجامعات؛ ذكر فيها بعض الأمور التي أوصت بها لجنة إدارة الأزمات بوزارة الدفاع الانقلابية بخصوص كيفية الاستفادة من طاقات الشباب حتى تحكم ميليشيات الانقلاب سيطرتها على طلاب مصر، ومن بين بنود تلك الوثيقة "تكوين أمن طلابي لمساعدة الأمن الإداري في القبض على زملائهم الطلاب".


انهيار تربوي وتعليمي

وحول ذلك يرى د. حسان عبد الله -أستاذ التربية بجامعة دمياط- أن هناك منظومة أمنية بالمعني القمعي يتم استعادتها في الجامعة، وهي المنظومة التي لا بد أن تلزمها مجموعة من المتطلبات، وهي المتطلبات التي كانت موجودة قبل ثورة 25 يناير، ومنها تشكيل هيئة للـ"جاسوسية" في الجامعات المصرية، وهي هيئة لا بد أن تضم مجموعة من الطلاب كي يقوموا بتوصيل المعلومات عن زملائهم النشطاء، ومن المحتمل أيضا أن تضم تلك الهيئة بعض أساتذة الجامعة نفسها، وكذلك بعض الموظفين الإداريين، وهذا بالطبع سيكون لصالح نظام استبدادي يريد الانقلاب ترسيخه حاليا وشرعنة وجوده.

 

ويؤكد"حسان" أن الحقيقة -من وجهة نظره- أنه لا عملية تعليمية أو تربوية حقيقية كانت تتم في الجامعات قبل ثورة 25 يناير، -إلا فيما ندر بالطبع- فالجامعة المصرية في حالة تردٍ وانهيار؛ والدليل على ذلك أنه لا توجد جامعة مصرية حصلت على أي رقم متقدم في أي من التصانيف العلمية العالمية المعتبرة، وهذا التأخر سببه في الأساس الهيمنة الاستبدادية والأمنية طوال أكثر من أربعين عاما، وكنا نأمل بعد الثورة أن تستعيد الجامعات عافيتها وأن تعود إلي دورها العلمي والتربوي المنوط بها والمعلق عليها، فأجواء الحرية الحقيقية هي المناخ الصالح الذي تنتج معه العملية التعليمية المتقدمة، في حين أنه وبعد الانقلاب عادت المنظومة الأمنية القمعية في استعادة نفسها بصورة سريعة جدا.

 

ويضيف"حسان" أن مستقبل الطلاب الذي سيقبلون القيام بهذا الدور الذي يريده منهم الانقلاب، سيكون أيضا بعد تخرجهم القيام بنفس مهمات التجسس على المجتمع؛ ومن ثم فنحن الآن وبهذا القرار نواجه أمرين، الأول انهيار علمي للجامعات، والثاني انهيار أخلاقي للطلاب يستمر لما بعد تخرجهم.

 

ولكن ألم يكن الشباب بشهادة الجميع من أهم مكونات صناعة ثورة يناير، ومن ثم كانت هناك وعود بتمكينهم وإعطائهم الفرص، فهل الانقلاب بهذا البند يعطي الفرصة للشباب، حول ذلك يجيب "حسان": إن الثلاثة أعوام التالية للثورة حاولت الدولة العميقة والنظام القمعي الفاسد الذي لم يرحل، حاولوا أن يؤكدوا للجميع أنه لا أمل في أي تغيير، وأن الأوضاع تعود للوراء بل أسوأ مما كانت عليه، ومن ثم تزداد البطالة وتزداد حالات التشاؤم، وكذلك تزيد حالات التغيب والتهرب من المجتمع، فضلا عن الكثير من الأمراض الاجتماعية الأخرى التي يتأثر بها خاصة الشباب والطلاب.

 

ومن جانبه د. محمد سيف –أستاذ الطب البيطري بجامعة بني سويف، وعضو حركة "جامعيون ضد الانقلاب" يقول: "البند الخاص بتكوين "أمن طلابي" يعبر عن العودة إلى عصور الدولة البوليسية؛ حتى يكون الشعب عينا على بعضه، يراقب كل منهم الآخر، لصالح القائمين  في السلطة، وهذا بالطبع يوجد مناخ سلبي داخل الجامعة يؤثر على أداء الطلاب، ويشيع جوا من الخوف والرهبة داخل الجامعة؛ مما ينعكس سلبا على جودة العملية التعليمية، والأداء التعليمي بين الطلاب، ومما ينعكس سلبا أيضا على منتج العملية التعليمية برمتها وهو "الطالب"؛ والذي مطلوب منه بعد ذلك أن يتولي بناء بلده وصناعة المجتمع، في حين لن يكون هذا الطالب بعد هذا الأداء الجامعي الذي يريده الانقلاب إلا عينا على زملائه وأهله وجيرانه لصالح آخرين، أو سيكون متحسسا من التعامل مع الآخرين خائفا فزعا منهم، مما يعني إصابة المجتمع كله بحالة من "الإرهاب" التي تنعكس سلبا على أي عملية إنتاجية؛ لأن الأيدي المرتعشة لا تستطيع أن تنتج، ولا تستطيع أن تعطي، وبالتالي يتدهور الوضع  العام، ويتسمر في حالة من حالات الانحدار والانتكاس الواحدة تلو الأخرى".

 

وربطا بين هذا البند وبين التراجع التربوي والقيمي الذي يحدث منذ بداية الانقلاب يضيف "سيف": "يرسخ الانقلاب لدولة الخوف في المجتمع المصري، ويعلم الانقلابيون جيدا أن من أهم الشرائح التي تصر على مواجهة هذه الجمهورية هي شريحة الطلاب، وبالتالي هو يستهدف هذه الشريحة في مراحلها المبكرة، فتنتج بالطبع لدين أجيالا قد أصابتها حالة من حالات الخوف وفقد الأمان، والفرد عندما يشعر بالذعر لا ينتظر منه أبدا أن يؤدي جيدا، مما يفقد البلاد القدرة على أي تقدم أو نمو أو نهضة".

 

ومن جانبنا كأساتذة -يتابع "سيف"-: "لا نملك في هذا الإطار سوى استمرار النصح والتوجيه وفضح مساوئ هذا الأمر، وضرره بالجامعة وبالمجتمع الأكبر فيما بعد، مما يعني لو استمر التكريس للامبالاة وعدم الانتماء لهذا الوطن، وتنتهي بصاحبها بالأثرة والأنانية، والتقوقع حول ذاته وعدم الالتفات إلى مشكلات مجتمع ووطنه من حوله، والحقيقة أن التربية على كتابة التقارير السرية والتلصص ونقل الأخبار للسلطة هو ما عصف بالمجتمع في الماضي وأسهم في تأخره، الأمر الذي يريد الانقلاب تكراره مرة أخرى، وإعادة إنتاجه بشكل أكثر شراسة".

 

حركة طلابية مستمرة

من جهته أكد محمود الأزهري -المتحدث باسم حركة طلاب ضد الانقلاب جامعة الأزهر- "أن الحراك الطلابي من القوة والاستمرار ما يعجز عن مواجهته الانقلابيون، وليس أدل على ذلك من هذا النوع من البنود والإجراءات".

وفي السياق نفسه يؤكد أحمد غنيم -المتحدث باسم طلاب ضد الانقلاب- أن هذا النوع من التخطيط لن يوقف الحراك الطلابي ولن يخيف الطلاب، مشيرا إلى أنه لا يوجد شيء يمكنه إيقاف هذا الحراك الهادر بالجامعات والمعاهد والمدارس، فثورة الطلاب التي لم يوقفها رصاص الداخلية والبطش والقتل والاعتقال لن توقفها تدابير المخابرات، مضيفا أن هذه الإجراءات لا يمكنها كذلك أن تجر الطلاب إلى اقتتال داخلي، مؤكدا أنهم على وعي بالمحاولات الحثيثة والمتكررة لجرّ الطلاب إلى العنف، قائلا: "أكدنا ونكرر أن السلمية هي خيارنا الاستراتيجي الذي أفلست أمامه سلطات الانقلاب والذي لن نتخلى عنه حتى تحقيق كافة أهدافنا".