خبير اقتصادي: تصعيد إيطاليا ضد مصر جاء بعد تأكدها من فقدان السيسي أوراقه الاقتصادية

- ‎فيأخبار

خلص الخبير الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي إلى أن أي خطوة تتخذها مصر تجاه الاستثمارات الإيطالية في البلاد، ردا على تصعيد روما في ملف جوليو ريجيني ومطالباتها بمحاكمة ضباط الأمن الوطني المصريين، سيكون لها مردود سلبي على الاستثمارات الأجنبية في البلاد، خاصة أن إيطاليا غيرت من طبيعة تعاملها مع مصر، وجعلت الاتحاد الأوروبي هو الطرف المواجه للقاهرة.
وكشف "الصاوي" في مقاله الذي نشرته "الجزيرة نت" أن أي تصعيد من جانب السيسي لن تكون عواقبه سليمة على البلاد، في ظل استمرار استخدام آلية اتخاذ القرار الجماعي عبر مؤسسات الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري والاقتصادي الأول لمصر، لإدارة الأزمة مع مصر.

الجانب الأضعف
وقال الخبير الاقتصادي إن مصر هي الجانب الأضعف في العلاقات الاقتصادية مع إيطاليا، سواء فيما يتعلق بالتبادل التجاري، أو تلقي الاستثمارات، أو التعاون من خلال برنامج مبادلة الديون من أجل التنمية. مضيفا أن قيمة التبادل التجاري بين البلدين بلغت 7.2 مليارات دولار نهاية 2018 لصالح إيطاليا، فالصادرات المصرية في ذلك العام إلى إيطاليا بلغت 1.3 مليار دولار، بينما وصلت واردات مصر من إيطاليا 5.9 مليارات دولار.
أما في النصف الأول من عام 2020، فقد بلغ التبادل التجاري بين البلدين 1.8 مليار دولار، منها 1.19 مليار دولار واردات لمصر من إيطاليا، في حين بلغت الصادرات المصرية إلى إيطاليا 636 مليون دولار.
وعن الاستثمارات، تحتل إيطاليا المرتبة 11 من بين الدول المستثمرة في مصر، ويوجد بمصر نحو 1204 شركة إيطالية، باستثمارات تبلغ نحو 4 مليارات دولار، باستثناء استثمارات حقل ظهر.
وأضاف أن الشركات الإيطالية تعمل في مجالات متعددة منها الخدمات المالية ومواد البناء، والبتروكيماويات، كما تعتبر إيطاليا من الدول المهمة التي يتوافد أفرادها للسياحة في مصر، بنحو مليون سائح سنويا.
وأوضح أن مصر تستفيد من برنامج مساعدات إيطالي، في إطار مبادلة الديون من أجل التنمية، والذي يشمل 3 اتفاقات بين البلدين، بقيمة 350 مليون يورو، حيث تحول فوائد الديون المطلوب سدادها من مصر لإيطاليا إلى مشروعات تخدم التنمية في مصر.
وبالفعل تم الشروع في تنفيذ مجموعة من المشروعات وفق هذه الاتفاقيات، منها إدارة المخلفات الصلبة في محافظة المنيا، وإنشاء 10 صوامع لتخزين الغلال، فضلا عن مشروعات أخرى في قطاعي التعليم والنقل.

ورقة الغاز
وأجاب عبدالحافظ الصاوي عن أسباب عدم لجوء حكومة الانقلاب للتلويح بورقة ملف الغاز الطبيعي لشركة إيني الإيطالية، والتي توجد في أكثر من استثمار، مثل حقل ظهر، وهو أشهر هذه الاستثمارات، بالإضافة إلى وجودها في أكبر معمل لتسييل الغاز الطبيعي في دمياط. فأكد أنه من المستبعد أن تلوح مصر بورقة الضغط هذه على إيطاليا لإغلاق ملف مقتل ريجيني، أو إماتته، بمعنى أن يظل مفتوحا على الأجل الطويل بدون الوصول لنتيجة حاسمة، وإلا ستجد مصر نفسها في مواجهة شركاء كُثر، أو تعطل مشروعات هي في حاجة شديدة لها.

وبين أن مصر لا تملك الموارد المالية التي تجعلها تسعى لغلق أو تعطيل المشروعات الإيطالية لديها. مشيرا إلى أن معمل تسييل الغاز الطبيعي في دمياط، والذي تمتلك فيه شركة إيني 40% من رأس مال المشروع، هناك شركاء آخرين مثل إسبانيا التي تمتلك نسبة 40% أيضا من رأس مال هذا المشروع.
وأضاف أن شركة إيني التي تمتلك أكثر من 40% من حصة حقل "ظهر"، يبدو أنها تجهزت لهذا اليوم؛ حيث باعت نسبة 30% من ملكيتها بالحقل لشركة "روس نفط" (Rosneft) الروسية، ونسبة 10% للشركة البريطانية للغاز، كما باعت الشركة الروسية نسبة 10% من حصتها لقطر، و10% أخرى للإمارات، ما يعني أن أطراف كثر أصبحوا شركاء في ملكية حقل ظهر مع مصر.
ورأى أن أي محاولة للتأثير على إيطاليا وحدها بدون باقي الشركاء ستكون ضعيفة، أو بمعنى أدق غير واردة؛ لضعف الموقف المصري، خاصة أن مصر تعتبر حقل ظهر من الموارد المهمة لدعم احتياجاتها من الغاز الطبيعي والنقد الأجنبي على حد سواء.

عقود الأضعف
وأشار "الصاوي" إلى أن شركة إيني لا تعتبر المعنية وحدها بمشاركة مصر في مجال الغاز الطبيعي؛ حيث وقعت مصر عقدا مهما مع شركة "تكنيب" (TECHNIP) الإيطالية لرفع القدرة التكريرية لمعمل "ميدور" بالإسكندرية بتكلفة بلغت 1.5 مليار دولار، ومن الصعب أن تحاول مصر الخروج من مثل هذه العقود الملزمة، والتي عادة ما تتضمن شروطا جزائية، لا يمكن أن تتحملها مصر في ظل ظروفها المالية الصعبة.
وأبان أن القاعدة المعلومة في العقود الدولية هي "أن العقود تصاغ لصالح الأقوى"، وثمة ملاحظة مهمة في أداء مصر في الاتفاقات التجارية والاقتصادية أنها عادة ما يكون موقفها ضعيفا، وهو ما لمسناه في عقود خصخصة شركات قطاع الأعمال العام في عهد مبارك.
وخلص إلى أن هذه العقود جلبت على مصر تهديدات مالية كبيرة، في ضوء قضايا التحكيم، التي رُفعت على الحكومة المصرية بالخارج لطلب تعويضات، بعد إصدار أحكام قضائية مصرية ببطلان عقود الخصخصة، وكذلك فعل الكيان الصهيوني بطلب تعويضات، فيما يتعلق بإيقاف توريد الغاز المصري له بعد ثورة 25 يناير 2011.
الطريف أن السيسي لم يجد لمواجهة موجة التصعيد الإيطالية والأوروبية، سوى فتح ملف دبلوماسي إيطالي سابق متهم بتهريب آثار مصرية، بينما كان المتوقع أن تهدد مصر باستخدام المصالح الاقتصادية المشتركة مع إيطاليا، وعلى رأسها ملفات استثمارات الغاز الطبيعي لشركة "إيني" (ENI) في مصر.