كذبة تبرئة التمويل الأجنبي.. نظام السيسي يبرئ جمعيات موالية ومستمر في حظر المنظمات الحقوقية!

- ‎فيتقارير

بعد 10 سنوات من تداول القضية بين أكثر من قاض مصري وتهريب الأجانب المتهمين في قضايا التمويل الأجنبي خلال حكم المجلس العسكري عام 2012، لا يزال التحقيق جاريا مع المنظمات المصرية المتهمة بالتمويل الأجنبي.

وحتى الآن انتهى المستشار على مختار القاضي المنتدب للتحقيق في قضية التمويل الأجنبي، من التحقيق مع 58 منظمة وجمعية وكيانا مصرية علي ثلاث دفعات وقام بحفظ التحقيق، وإلغاء منعهم من السفر والتصرف في أموالهم.

وفي 5 ديسمبر 2020 أمرا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل 6 منهم لعدم الجريمة وقبل 14 آخرين لعدم كفاية الأدلة، كما سبق أن كرر نفس القرار في 30 مارس 2021 نحو 5 منظمات لعدم الجريمة و15 لعدم كفاية الأدلة.

والخميس 6 مايو 2021 قام بتبرئة الدفعة الثالثة التي ضمت 18 منظمة وجمعية وكيانا وأصدر أمرا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل 15 منهم لعدم الجريمة وبألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل 3 منهم لعدم كفاية الأدلة.

مفارقات عجيبة

ومن مفارقات ما يعلنه القضاء المصري وإعلام السلطة أن هذه الجمعيات والمنظمات التي جرى الإعلان عن تبرئتها من التمويل الأجنبي لم يكن اسمها مدرجا من الأصل في قضية التمويل الأصلية المعدة من عام 2011.

لذا لا تزال مشكلة منظمات المجتمع المدني المصري، والحقوقية منها بخاصة، كما هي ولا يزال أصحابها ممنوعين من السفر أو التصرف في أموالهم ولم يتم التحقيق معهم.

لذلك سخر الحقوقي محمد زارع مما يُعلن، وقال إن الجمعيات التي يجري تبرئتها لم يكونوا يعلمون أصلا أنهم طرف في القضية، بينما أفراد المنظمات الحقوقية الفعلية لا يزالوا ممنوعين من السفر.

قرارات تبرئة 58 منظمة علي ثلاث دفعات يراه حقوقيون ونشطاء له علاقة بالمطالبات الأوروبية بغلق هذا الملف، وبيان الـ 31 دولة الذي اصدرته الأمم المتحدة 12 مارس 2021 ووقعت عليه أمريكا وأوروبا ويدين "تقليص الحيز المتاح للمجتمع المدني والمعارضة السياسية".

كما يرجحون أن يكون علي صله بالبيان الذي اصدرته 5 منظمات حقوقية 5 مايو الجاري 2021 وطرح مبادرة من 7 بنود لإنهاء الاحتقان في ملف حقوق الانسان منها "إنهاء الملاحقة الجنائية للمدافعين عن حقوق الإنسان وإغلاق القضية 173 لسنة 2011 ضد منظمات المجتمع المدني".

إلا أن تبرئة منظمات حكومية أو موالية للسلطة لم تكن متهمة اصلا في بيانات قضائية أشبه بالبلاغات الاعلامية المضللة واستمرار حظر ومنع سفر اعضاء المنظمات الحقوقية الفعلية التي تنتقد قمع السلطة يشير لعكس ما يقال عن تحركات لغلق هذا الملف.

أصل الحكاية 

تعود وقائع قضية «منظمات المجتمع المدني»، إلى ديسمبر 2011، حينما اقتحمت قوات الامن مقرات عدد من منظمات المجتمع المدني الأجنبية وشكّلت لجنة للتحقيق في «قضية منظمات المجتمع المدني».

حينئذ انقسمت التحقيقات إلى شقين، أولهما تم تخصيصه للمنظمات الأجنبية العاملة في مصر، وهو الذي صدر حكم بصدده، أما الشق الثاني فيخص المنظمات المحلية، ولا يزال قيد التحقيق حتى الآن.

وفي 4 يونيو 2013، أصدرت محكمة الجنايات أحكاما بالسجن في هذه القضية تتراوح بين عامين وخمس سنوات لـ 32 متهما في القضية، وسنة مع إيقاف التنفيذ لـ 11 آخرين.

وقررت حل فروع المنظمات الأجنبية المتهمة في القضية وهي: المعهد الجمهوري الأمريكي، والمعهد الديمقراطي الأمريكي، ومنظمة فريدوم هاوس، ومنظمة المركز الدولي الأمريكي للصحفيين، ومنظمة كونراد الألمانية، وإغلاق جميع فروعها.

وفي مارس 2012 جرى تسديد كفالة الـ 19 أمريكي بواقع 2 مليون جنيه لكل متهم بإجمالي 38 مليون جنيه، والسماح بسفرهم على طائرة خاصة رغم أنهم متهمين.

ليظل المتهمون هم المصريون فقط مثل مسئولي مركز النديم لضحايا التعذيب، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وغيرهم.

لاحقا تنحت المحكمة وجرى تشكيل أخرى وتأجيلها إلى إبريل 2012، ثم أعيد فتحها في يونيو 2013، بالحكم على الـ 43 موظفا أجنبيا ومصريا (27 غيابيا بينهم 18 أمريكيا) بالسجن ما بين عام و5 أعوام، مع إيقاف التنفيذ أو غيابيا، وإغلاق مقار المنظمات الأجنبية الخمسة.

نقض محكمة النقض هذا الحكم عام 2013 وفي مارس 2016 أعيد فتح التحقيق في القضية بعد غلقها 3 سنوات، وقصره على أشخاص ومنظمات مصرية، وصدر قرار قضائي بمصادرة أموال أربعة من الحقوقيين.

ثم توالت قرارات المصادرة والمنع من السفر لقرابة 30 حقوقي ممنوعون أيضا من التصرف في أموالهم.

يوم 13 ديسمبر 2018، أصدر البرلمان الأوروبي قرارا ينتقد مصر بعنف بسبب المحاكمات الجماعية للمعتقلين وأحكام الإعدام وأدان استهداف النشطاء ومنظمات المجتمع المدني.

لم يمض سوى أسبوع واحد علي قرار البرلمان الأوروبي الذي طالب سلطات الانقلاب بمصر "بإسقاط جميع التحقيقات الجنائية التي لا أساس لها في عمل المنظمات غير الحكومية"، حتى برأت محكمة مصرية كل المتهمين في الشق الأجنبي من قضية التمويل الأجنبي المرفوعة منذ عام 2011!

جنايات القاهرة قضت في 20 ديسمبر 2018 بتبرئة المتهمين الـ 43 (حتى من لم يقبل نقضه) ما يؤكد أن الحكم بإدانتهم في البداية كان "سياسيا".

وجاء الحكم بالبراءة رغم أن تحقيقات النيابة (التي يعني الحكم القضائي أنها كاذبة) زعمت أن 43 متهما منهم 14 مصريا و29 أمريكيا وأوروبيا وعربيا، تلقوا معونات أجنبية بلغت قيمتها 60 مليون دولار، من خلال 68 منظمة حقوقية وجمعية أهلية تعمل في مصر بدون ترخيص.

لماذا الإصرار على التضييق؟

لماذا لا تزال سلطة الانقلاب تضع الطوق في رقبة المنظمات الحقوقية الفعلية التي تدافع عن الحريات وتكشف ممارسات السلطة القمعية، بينما تعلن كل فترة تبرئة منظمات حقوقية وهمية أو شبه حكومية لم تكن متهمة يوما؟

هل الهدف تلميع صورة النظام أمام العالم وخداع الغرب بأنه يجري رفع الطوق عن رقبة الحقوقيين في مصر؟ أم استمرار تمييع القضية بالتحرك في نفس المكان محلك سر؟

أم أن الهدف هو دفع المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني لتوفيق أوضاعهم في نطاق القانون الذي وضعته الحكومة وترفضه المنظمات، وأهاب قاضي التحقيق بالمنظمات وجمعيات المجتمع المدني في حكمه الأخير أن تبادر بالتوفيق لحل مشكلتها؟

هل هي محاولة للتراجع بعدما لم تستطع السلطة إثبات أي اتهامات على المنظمات؟