مناوارت “حماة النيل” رسالة تهديد لإثيوبيا.. 3 سيناريوهات للأزمة

- ‎فيتقارير

وصلت أمس السبت 22 مايو 2021م عدة كتائب وألوية من القوات المسلحة المصرية إلى السودان للمشاركة في التدريب المشترك "حماة النيل". وهي المناوارت العسكرية التي تمتد حتى 31 مايو الجاري. وبحسب المتحدث العسكري العقيد تامر الرفاعي، في بيان، السبت فقد "وصلت عناصر (لم يحدد قوامها) من القوات المسلحة المصرية إلى السودان للمشاركة في التدريب المشترك حماة النيل". وأضاف: "تشارك في التدريب عناصر من القوات البرية والبحرية والجوية لكلا الجانبين بهدف تأكيد مستوى الجاهزية". وأشار إلى أن التمرين يعد "استمرارا لسلسلة التدريبات السابقة نسور النيل1 و2 (التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وإبريل/نيسان 2021)". وتظهر صور نشرها المتحدث باسم الجيش المصري مشاركة عدد كبير نسبيا من القوات.
التصدي للتهديدات

في السياق، قال الفريق عبد الله البشير، نائب رئيس أركان الجيش السوداني، في تصريحات بثتها فضائية الحدث السعودية، عبر حسابها بتويتر، إن "القوات المشتركة ليست بالقليلة، وهذا التمرين له ما بعده؛ فهو امتداد لعدة تمرينات مختلطة (مشتركة) مع مصر". وأضاف: "التدريبات ليست معنية بشيء بعينه، وسد النهضة يمكن هو جديد، والتدريبات ما مربوطة به، لكننا نقول إننا نستفيد من خبرات الآخرين، على أساس نكون مستعدين للدفاع عن حقوقنا لأبعد الحدود".
والجمعة 21 مايو 2021م، أعلن الجيش السوداني، في بيان "وصول القوات المصرية إلى قاعدة الخرطوم الجوية بجانب أرتال من القوات البرية والمركبات التي وصلت بحرا"، دون تفاصيل أكثر. وأوضح أن الوصول استعدادًا للمشاركة في المشروع التدريبي "حماة النيل"، في الفترة من 26 – 31 مايو/ أيار الجاري بهدف "توحيد أساليب العمل للتصدي للتهديدات المتوقعة للبلدين".
وتتزامن هذه المناوارات الحربية الواسعة بين البلدين في ظل إصرار إثيوبيا على ملء ثانٍ لسد "النهضة" بالمياه في يوليووأغسطس المقبلين، بعد نحو عام عن ملء أول، حتى لو لم تتوصل لاتفاق رغم رفض مصري سوداني. وفي أقوى لهجة تهديد لأديس أبابا منذ نشوب الأزمة قبل 10 سنوات قال رئيس سلطة الانقلاب العسكري في مصر، عبد الفتاح السيسي، في 30 مارس 2021م، إن "مياه النيل خط أحمر، وأي مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل".
وبعد تهديدات السيسي العسكرية بساعات تم إجراء مناورات عسكرية مصرية/ سودانية يوم الأربعاء 31 مارس 2021م تحت شعار «نسور النيل ـ2»، وهو تدريب جوي مشترك جرى في قاعدة مروي الجوية بالسودان. وشاركت فيها عناصر من القوات الجوية وقوات الصاعقة من كلا البلدين وذلك بهدف تحقيق أقصى استفادة ممكنة للعناصر المشاركة في التخطيط والتنفيذ لإدارة العمليات الجوية وقياس مدى جاهزية واستعداد القوات لتنفيذ عمليات مشتركة على الأهداف المختلفة" بحسب بيان للمتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية.

3 سيناريوهات للأزمة
وبحسب دراسة نشرها موقع "الشارع السياسي" في إبريل 2021م تحت عنون « بعد تهديدات السيسي وفشل مفاوضات كينشاسا.. سيناريوهات حرب المياه في أزمة سد النهضة»، فإن أمام النظام العسكري في مصر أربعة سيناريوهات:
السيناريو الأول، هو الانسحاب من المفاوضات، بما فيها "إعلان المبادئ"، حيث إنها أصبحت بلا جدوى، مع بقاء احتمال مشروط بعقد قمة تجمع قادة الدول الثلاث مجددا للتوصل لحلول. فسحب التوقيع على اتفاق المبادئ الذي وقع عليه السيسي في 23 مارس 2015م والذي شرعن بناء السد يمكن أن يكون نوعا من الضغط وإشهارا للجميع بسحب شرعية بناء السد، طالما أنه لا يوجد اتفاق على الملء والتشغيل.
السيناريو الثاني، هو اللجوء التحكيم الدولي ومجلس الأمن، وهو مسار مرجح في أعقاب فشل مفاوضات كينشاسا بالكونغو الديمقراطية، على أمل أن يسفر هذا الإجراء عن توصية من مجلس الأمن بإلزام أثيوبيا بعدم اتخاذ إجراءات أحادية لحين حل الصراع. لكن هذا المسار يحتاج إلى شبكة علاقات دبلوماسية؛ كي تتم مناقشة وإصدار القرارات، لكن في ظل التوازنات الحالية بين مصر وإثيوبيا، من غير المتوقع أن يكون المجلس أحد مسارات الحل السياسي. وبالتالي فإن أي تدخل دولي قد يفضي إلى تأجيل الأزمة وقد لا يكون مجديا، حيث سيكون طويل المدى مع بقاء الخطر المائي قائما. كما أن لمصر تجربة سلبية سابقة العام الماضي، حين أحال المجلس ملف السد إلى الاتحاد الأفريقي، إضافة إلى وجود روسيا والصين عضوين دائمين في مجلس الأمن، حيث يمكنهما استخداما حق الفيتو في مواجهة أي قرار ضد إثيوبيا. وأثناء مذابح الجيش الأثيوبي لآلاف من شعب التيجراي تخلّى المجلس عن إصدار بيان يدعو إلى إنهاء العنف في الإقليم الإثيوبي، والذي استمر عدة أشهر، بسبب معارضة موسكو وبكين، وفق تقارير صحفية غربية.
السيناريو الثالث، هو القيام بعمل عسكري لتدمير السد. فبحسب اللواء فايز الدويري فإن المناورات الجوية "نسور النيل ـ2" بين مصر والسودان استهدفت سيناريو لضرب السد حال تم اللجوء إلى عمل عسكري كحل أخير. وأن مصر تستطيع استخدام قاعدة مروى السودانية لتنفيذ تلك الضربة إذا شارك السودان فيها. لكن عضو مفاوضات دول حوض النيل سابقا، وخبير القانون الدولي للمياه السوداني، الدكتور أحمد المفتي، يرى أن "بدء ملء سد النهضة الإثيوبي يعني تصعيد الأزمة بنسبة 100%، حيث إن أديس أبابا بتلك الخطوة لا تترك أي خيار للسودان ومصر، إلا المواجهة أو الاستسلام، ولا توجد أي خيارات أخرى". وبشأن فرص اللجوء للخيار العسكري، أضاف أن الخيار العسكري لم يكن سهلا منذ البداية، لكن عندما يمتلئ السد بالفعل سيصبح الأمر أكثر صعوبة، وأكثر خطورة، وأنه "بعد الملء الكامل للسد سوف تكون هناك خطورة كبيرة على السودان، وبالطبع ستأخذ مصر تلك الخطورة في الاعتبار حال لجوئها للخيار العسكري".
وثمة بعض العقبات أمام هذا المسار قد جرى حل بعضها عبر التحالف العسكري مع الخرطوم: أولها يتمثل في التوقيت الأنسب لضرب السد، وبحسب خبراء فإن ضربه بعد ملء خزانه ستكون له آثار كارثية على دول جوار إثيوبيا ومن بينها السودان الذي قد يتعرض للفيضان الناجم عن انهيار السد، الذي قد يصل إلى مصر، لذلك فإن الأنسب هو ضرب السد في مراحل بنائه الأخيرة وقبل ملء الخزان، بحيث تصبح إعادة بنائه شبه مستحيلة. ثانيها، أن علاقات أديس أبابا الدولية قد تحد من قدرات مصر على توجيه ضربة عسكرية للسد؛ فأثيوبيا تربطها علاقات وطيدة بقوى كبرى مثل الصين وفرنسا، وربما يشكل توجيه مصر ضربة عسكرية لسد النهضة رد فعل غاضبا من هذه الدول. أضف إلى ذلك مشكلات مصر الداخلية، إذ تعاني من وضع اقتصادي بالغ البؤس، فضلا عن الوضع السياسي المأزوم لنظام السيسي الذي ربما يستبعد فكرة الدخول في حرب قد تشكل تهديدا لبقائه، لا سيما إذا فشلت العملية أو لم تسفر عن حل للأزمة.
لهذه الأسباب، فإن أجهزة السيسي تفضل استراتيجية المزج ما بين الدبلوماسية والضغط والتهديد وإبلاغهم بوضوح أن أى مساس بحصة مصر المائية سيعنى ضربهم وحرمانهم من أى ثمار للتنمية. ولعل هذا كان الهدف من تصريحات السيسي الأخيرة، وهو التوجه الذي سيتبه النظام واللغة التي ستتواصل خلال المرحلة المقبلة مع اقتراب الملء الثاني لخزان السد؛ فقد بات السيسي وأجهزته على يقين كامل بأن أثيوبيا لا تعترف إلا بلغة القوة، ولا شيء غيرها. لكن أثيوبيا قابلت ذلك كله باستعلاء كبير وأفشلت جولة المفاوضات في كينشاسا ووضعت تهديدات السيسي أمام اختبار قاس؛ فإما أن يرضخ أمام أثيوبيا ويقبل بالأمر الواقع، أو حتى يلجأ إلى التحكيم الدولي وهو ما يسمح لأديس أبابا بفرض الأمر الواقع أيضا، أو يتجه إلى عمل عسكري مباشر قد ينجح فيه فيرمم شعبيته المتآكله، وقد يفشل فيكون ذلك نهاية مرحلة حكمه والدخول في مرحلة جديدة بأدوات جديدة ترعاها أيضا المؤسسة العسكرية. وبالتالي فإن مصر والمنطقة كله على شفا مرحلة شديدة التعقيد وبالغة الفوضى.