قرار السيسي عسكرة “عقل مصر”.. بيزنس وهيمنة وتجسس

- ‎فيتقارير

لا يتوقف الديكتاتور عبدالفتاح السيسي ونظامه القمعي عن سياسات الاستحواذ الاقتصادي على كل تفاصيل الحياة المصرية، من أبسط الأمور الحياتية إلى أكبرها، فمن السيطرة على سوق الدواجن والبيض عبر اللجنة المستحدثة  مؤخرا بدعوى تنظيم سوق الدواجن، إلى الأسماك واللحوم والطماطم والخيار عبر مشاريع الصوب العسكرية، إلى إسناد إدارة مشروع “عقل مصر” للبيانات والوثائق لوزارة الدفاع، وليس لهيئة السجل المدني أو وزارة الداخلية كما هو منصوص عليه دستوريا ومعمول به في كل مناطق العالم.

جاء قرار السيسي الذي نشرته الجريدة الرسمية الأحد 6 يونيو 2021م، بإنشاء مجمع الوثائق والبيانات المركزية، تحت مسمى “عقل مصر”، وإسناد مسئوليته لوزير الدفاع. ونصّ القرار على تغيير أسلوب وطريقة وإجراءات إدارة وثائق المواطنين بصورة غير مسبوقة في تاريخ مصر، وتحولها إلى المركزية تحت سيطرة عسكرية كاملة على البيانات، والطبيعة الفنية للوثائق وكذلك التدخل في رسومها وكيفية إصدارها.

وقلّص في المقابل دور الجهات الحكومية المتعاملة مع الجمهور، بما فيها وزارة الداخلية والسجل المدني. حيث قرر أن يكون المجمع إحدى وحدات جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزير الدفاع مباشرة. وهو ما يعني إشراف الجيش على منظومة وضع الحلول التكنولوجية المتكاملة والمركزية، في تصميم وتأمين وطباعة وإصدار الإصدارات والنماذج المحررات الرسمية، التي تشمل جميع المستندات الرسمية للأفراد الطبيعيين المتعلقة بحالتهم المدنية أو الاجتماعية أو المالية منذ تاريخ الميلاد وحتى الوفاة، أو إثبات تبعيتهم أو عملهم بجهة معينة. ولا يقتصر دور هذا المجمع على تزويد الجهات المختلفة باحتياجاتها، بل سيكون المسؤول عن إصدار الوثائق وتسليمها للجهات الطالبة المتعاملة مع المواطنين. ويتطلّب هذا الوضع أن يكون المجمع مرتبطاً بجميع قواعد البيانات على مستوى الدولة، ليتمكن من مباشرة اختصاصه بوضع “كود” (رمز) موحّد، وبتوحيد الخواص والمواصفات الفنية لشهادات الميلاد والزواج والطلاق والوفاة والملكية والتعليم والدراسات العليا ونماذج الهوية، مثل بطاقات الرقم القومي وجوازات السفر الإلكترونية. ويرتبط المجمع أيضاً بتراخيص قيادة المركبات وحمل السلاح وإقامة الأجانب داخل البلاد وخارجها والهوية الرقمية وغيرها، وصولاً إلى البطاقة الذكية الموحدة للمواطن.

وللتأكيد على فكرة “مركزية قاعدة البيانات”، يتضمن القرار نصاً بربط جميع الإصدارات مركزياً، بقواعد جديدة ستنشأ للبيانات البيومترية المركزية بالمجمع، “وبالتنسيق التام مع الجهات الرسمية المسؤولة عن جدارة البيانات الخاصة بتلك الإصدارات”.

أوراق البنكنوت أيضا

وسيختص المجمع العسكري بدور اقتصادي حيوي يخرج للمرة الأولى عن اختصاص المصرف المركزي المصري، وهو توفير احتياجات هذا المصرف من أوراق البنكنوت الخام بعلامات التأمين، بفئاتها الحالية والمستقبلية. وتضمن القرار نصاً مثيراً للانتباه وهو “أن لا تخلو أحكامه بحق الجهات المعنية في تحمل مسؤوليتها واتخاذ إجراءاتها لتدقيق وصحة البيانات وإدخالها، على أن يكون الإصدار مركزياً بالمجمع، وأن تتولى الجهات تسليم مخرجات الحلول التكنولوجية التي يقدمها المجمع لصالحها، واستيفاء الرسوم وتحصيل الضرائب المقررة بمقتضى القوانين المنظمة لشؤونها”.

يشار إلى أنه في 7 إبريل الماضي افتتح السيسي مجمع الوثائق المؤمَّنة والذكية، بحضور رئيس الوزراء مصطفى مدبولي وعدد من الوزراء وكبار رجال الدولة. وأعلن أنه سيكون الجهة المختصة بإصدار مختلف الوثائق الحكومية، من خلال منظومة مركزية موحدة على المستوى القومي، تضمن حوكمة إصدار وثائق الدولة بأحدث مواصفات التأمين العالمية.

وثار جدل واسع آنذاك داخل الأروقة الحكومية حول الجهة التي سيتبعها هذا المجمع، في ظل تعاون عدد من الجهات الرسمية في إنشائه وتطوير أعماله في العامين الماضيين، حين تحدث السيسي في صيف 2019 عن إنشاء “عقل مصر”، الذي يضم جميع قواعد البيانات الخاصة بالدولة والخوادم الإلكترونية الخاصة بالوزارات والهيئات والخدمات التي تقدمها الحكومة. وأشار إلى أنه “سيتم حفظه في مكان آمن وسري تحت الأرض وبعمق 14 متراً”. واعتبر أن عمل هذا “العقل” متعلق بصورة رئيسية بإنشاء مجمع الإصدارات المؤمّنة، بسبب تكاملهما في السيطرة المركزية على مختلف أعمال الدولة وبيانات المواطنين، فضلاً عن الاختصاصات الأخرى التي سيتم إسنادها له.

طبع جميع الأوراق الثبوتية

أي أن المجمع هو الذي سيطبع ويصدر جميع الأوراق الثبوتية والنماذج المطلوبة، وسيسلمها للجهات الحكومية المختلفة، التي ستسلمها بدورها للمواطنين، وتتقاضى الرسوم المقررة عليها لحسابها كما هو منصوص في القوانين المنظمة لأعمالها. لكن وبسبب هذا التقسيم الجديد في عملية الإصدار إلى ثلاث مراحل (تلقي طلبات أو إخطارات في الجهات الحكومية، ثم إصدار في المجمع العسكري، ثم تسليم في الجهات الحكومية)، ستطرأ زيادة أكيدة على أسعار الخدمات الحكومية المختلفة التي تتطلب وجود إصدارات. ويعبّر نص القرار ضمناً على أن “حصيلة نشاط المجمع عن الأعمال والخدمات التي يؤديها أو يقدمها للغير”، والمقصود بـ”الغير” هنا جميع الجهات الحكومية.

واستباقا لعمل المجمع وتعاون الوزارات المختلفة معه، جاء قرار وزير الداخلية الصادر الأسبوع الماضي بزيادة سعر خدمات صحيفة “الحالة الجنائية” للمواطنين، “كمقدمة لزيادات أخرى في الأسعار، مرتقبة بناء على الاتفاق بين الوزارة والمجمع العسكري الجديد”. ويبسط القرار سيطرة وزير الدفاع على إدارة المجمع، الذي يخوله السيسي سلطة اختيار أعضاء مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي له، بشرط وحيد هو وجود ممثلين لوزارتي الداخلية والمالية والمخابرات العامة والمصرف المركزي فقط، مع عدم وجود تمثيل لباقي الجهات الحكومية الأخرى ولا مجلس الوزراء. يذكر أن السيسي قال إن إنشاء مجمع الوثائق المؤمَّنة والذكية، سيساهم في إحداث نقلة كبيرة بالتوازي مع فكرة “الحكومة الذكية” التي ستنطلق في العاصمة الإدارية الجديدة.