قالت صحيفة «الجارديان» البريطانية، إن رسائل فيسبوك التي كتبها الطالب في جامعة "كامبريدج" جوليو ريجيني في الأسابيع التي سبقت مقتله تمثل تكذيبا لأي فكرة تروج لها الدوائر الأمنية المصرية أنه كان جاسوسا أو محرضا سياسيا. وحتى قبل مغادرته إنجلترا، كان ريجيني قلقا بشأن المخاطر التي قد يواجهها في القيام بأطروحته حول النقابات العمالية في مصر، وهو موضوع حساس في البلاد، لكن الشاب البالغ من العمر 28 عاما اعتقد أن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو ترحيله قبل أن يتمكن من إنهاء أبحاثه.
وبدلا من ذلك، اختطف من الشارع وعذب وألقيت جثته شبه العارية على جانب الطريق في عملية قتل وحشية من المقرر أن يحاكم بسببها أربعة من مسؤولي الأمن المصريين في إيطاليا في أكتوبر المقبل 2021م.
وكتب قبل مغادرته إلى القاهرة في رسائل تبادلها صديقه مع صحيفة "الجارديان" أن "مصر في حالة صعبة في الوقت الراهن". "لقد عادت الديكتاتورية، وحتى وقت قريب لم يكن واضحا مدى وحشية الأمر، يبدو أنه 'استقرار' الآن … هذا الوضع غير مستقر للغاية".
الإخفاء حدث يومي
وتعتبر حالات الإخفاء القسري حدثا يوميا في عهد الديكتاتور عبد الفتاح السيسي، وفي العام الماضي، أبلغت لجنة حقوق الإنسان في البلاد عن 2723 حالة إخفاء قسري في السنوات الخمس الماضية، تعرض بعضها للتعذيب وأطلق عليه الرصاص.
ريجيني غير عادي لأنه كان أجنبيا، وهو طالب دكتوراه إيطالي في كلية جيرتون، انتقل إلى القاهرة في سبتمبر 2015 للعمل على أطروحة دراسات تنموية حول النقابات المستقلة، لقد كان موضوعا حساسا في بلد شهد ارتفاعا كبيرا في تمثيل العمال خلال الربيع العربي، الذي صعد بالرئيس محمد مرسي، إلى السلطة في عام 2012م. وبعد اثني عشر شهرا، انقلب الجنرال عبدالفتاح السيسي على الرئيس مرسي، في عودة إلى الحكم العسكري.
وقرر ريجيني، الذي درس اللغة العربية والسياسة في جامعة ليدز، البحث في أطروحته في القاهرة من سبتمبر 2015 إلى مارس 2016، مع استراحة لمدة أسبوعين في المنزل مع عائلته لعيد الميلاد في فيوميسيلو، شمال شرق إيطاليا. وفي أكتوبر بعد شهر من وصوله، وصف النقابات بأنها "القوة الوحيدة المتبقية في المجتمع المدني".
وركز على الباعة المتجولين، الذين كان عددهم حوالي 6 ملايين، الذين أنشأوا نقابة لمكافحة حملات القمع الحكومية. وقال ريجيني إن الوضع في القاهرة "محبط، لكنه ليس هوسيا مثل عام 2013". وأضاف "لا يبدو أن الأمر سيمر 30 عاما أخرى" في إشارة إلى طول فترة حكم قائد الجيش السابق حسني مبارك.
لكن الأمور اتخذت منعطفا مقلقا عندما رصد ريجيني، في اجتماع لنشطاء نقابيين، شابة محجبة تلتقط صورته على هاتفها، مما جعله يخشى أن يكون تحت المراقبة. كما كان يغضب من الباعة الذين يزعجونه للحصول على هواتف محمولة ورئيس نقابتهم طلب منه المال من أجل الفواتير الطبية العائلية، وعندما قال الطالب إنه لا يستطيع المساعدة، أبلغ محمد عبد الله الشرطة عنه، وادعى فيما بعد أنه يعتقد أنه جاسوس.
تفاصيل مهمة
في واحدة من رسائله الأخيرة على فيسبوك، طلب ريجيني المساعدة في لغته الإنجليزية في ورقة كتبها، وبعد خمسة أيام، اختطف من الشارع وهو في طريقه إلى الخارج في أمسية. وبعد تسعة أيام تم العثور على جثته ملقاة على جانب الطريق السريع بين القاهرة والإسكندرية، وقد تعرض للتعذيب؛ تعرض للضرب والحرق والطعن قبل أن تكسر رقبته بعد أن ضرب من الخلف بأداة ثقيلة وحادة. وكانت إصاباته شديدة لدرجة أنه عندما رأت والدته "باولا" جثته لم تتمكن من التعرف عليه إلا من "طرف أنفه".
وما تلا ذلك هو تستر واضح من جانب السلطات، وتعهد السيسي، في مقابلة مع صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية، بتعقب الجناة. بدلا من ذلك ادعى بعد ذلك أنه تعرض للسرقة من قبل عصابة، وكلها ميتة الآن. لكن المحققين الإيطاليين اكتشفوا سجلات هاتفية أظهرت أن زعيم العصابة – الذي قتل جميعهم في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة – لم يكن حتى في القاهرة وقت اختفاء ريجيني وخلصوا إلى أن وثائق هوية الطالب قد زرعت في أحد عناوينهم.
ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تقدم شهود عيان ليقولوا إنهم رأوا ريجيني يخضع للاستجواب في مقر وكالة الأمن القومي، وقال قاض إيطالي الشهر الماضي إن كبار مسؤولي الأمن المصريين الأربعة يجب أن يحاكموا ويواجه الجنرال طارق صابر والعقيد هشام حلمي والعقيد أسر كامل محمد إبراهيم ومجدي إبراهيم عبد الشريف اتهامات بالاختطاف المشدد، كما اتهم شريف بالتآمر لارتكاب جريمة قتل. وقد أغلقت سلطات الانقلاب القضية وترفض تسليم المشتبه فيهم الى ايطاليا، ومن ثم فان المحاكمة سوف تستمر بدونهم.
وتقاسم يوهانس سفينسون شقة في القاهرة مع ريجيني، بينما كان يعمل في وكالة تابعة للأمم المتحدة في عام 2013، وقت الانقلاب على الرئيس مرسي. وقال "كان مهتما بكيفية تنظيم هذه المجموعة من الباعة المتجولين، الذين قد تشك في أنهم ضعفاء جدا، أنفسهم بطريقة فعالة وتمكنوا من الحصول على بعض النفوذ السياسي".
يقول سفينسون إن ريجيني كان أكاديميا وليس محرضا سياسيا. وفي الواقع، وصف ريجيني بأنه "حذر" عندما كانا معا في الشوارع في يوليو 2013 لمشاهدة الاحتفالات بعد الانقلاب. ومنذ وفاته، أصبح ريجيني شهيدا – أو شهيدا – للمفقودين في مصر السيسي. يقول صديق ريجيني المجهول على فيسبوك: "لهذا السبب هناك كتابات على الجدران له في القاهرة. وقال "انه شخصية تمثيلية في هذا المسألة".