السيسي يستسلم.. إثيوبيا تخطط لبناء 3 سدود جديدة وتحويل المياه إلى سلعة

- ‎فيتقارير

أغرى الضعف الشديد والسذاجة المفرطة التي يتمتع بها جنرال الانقلاب العسكري في مصر الحكومة الإثيوبية لتبدي أعلى صور الاستعلاء والاستفزاز  دون خوف أو اكتراث من ردود الفعل المصرية بعدما أدركت أديس أبابا أن السيسي لا يستأسد إلا على الشعب المصري عندما يتطلع إلى الحرية والديمقراطية وإقامة العدل في بلاده التي ملئت ظلما وجورا. لم يكن الهدف من سد النهضة إنتاج المزيد من الكهرباء بقدر ما كان تحويل النيل إلى بحيرة إثيوبية وتحويل مياهه إلى سلعة في مخالفة صارخة لقانون الأنهار الدولية. يبرهن على ذلك أن إثيوبيا تخطط لبناء 3 سدود كبرى أخرى بجانب سد النهضة، تقدر سعتها التخزينية بحوالي 200 مليار متر مكعب من المياه.

وسدّ النهضة يستطيع استيعاب 74 مليار متر مكعب وهو ما يعادل الإيراد السنوي للنيل الأزرق مرة ونصفا، والذي تبلغ إيراداته سنويا 50 مليار متر مكعب. ولا يتوقع أن تقتصر أزمة المياه على سد النهضة، وإنما تخطط إثيوبيا لبناء 3 سدود كبرى أخرى، وهي سدود "كارداوبة" و"بيكو أبو" و"مندايا"، والتي تقدر سعتها التخزينية بحوالي 200 مليار متر مكعب من المياه، وستمثل خصماً لمخزون المياه في السدّ العالي، الذي يستخدم لسدّ العجز المائي لإيراد النهر في مصر، ما يؤدي بطبيعة الحال لجفاف مائي في مصر بعد الانتهاء من إنشائها ويعرضها لأوبئة وموت الكثير من مظاهر الحياة.

وأمام هذا الإصرار الإثيوبي الذي وصل حد الاستعلاء والذي يمثل في جوهره إعلان الحرب على مصر إلا أن نظام السيسي يقابل هذه الحرب الإثيوبية القذرة لتجويع المصريين وتعطيشهم بالتحذيرات والمفاوضات التي ثبت أنها عبثية لتمكين الإثيوبين من تحويل السد إلى حقيقة لا تقبل الجدل أو التفاوض.

وغابت عن صانع القرار المصري الرؤية فبدا مرتبكا وغامضا وعشوائيا حتى السيناريوهات التي أعلنت عنها الحكومة للتعامل مرحلياً مع الملء الثاني للسد تبدو غير مجدية بالنسبة للكثير من المصريين، ويرون أنها تعد بمثابة هروب من قبل النظام الحالي من الأزمة وترحيلها لأجيال مقبلة قد تدفع أثماناً باهظة نظير الحياة.

تهديد الوجود المصري

الأزمة لا تهدد الأمن القومي المصري فحسب بل تهدد الوجود المصري من الأساس؛ فلا يمكن تخيل مصر بدون النيل والذي تستمد منه 97% من احتياجاتها من المياه للشرب والري والزراعة والمشروعات الصناعية والسياحية وغيرها. وهو ما يستحيل معه أن يكون للخيارات البديلة أي جدوى في تعويض هذه الكميات الهائلة من المياه سنويا ونالتي تقدر بنحو 55.5 مليار م مكعب من المياه العذبة. خصوصا في ظل تقارير تتحدث عن رغبة أديس أبابا في بيع المياه لمصر والسودان وهو ما بدأت بالفعل في التمهيد له بأن طالبت باتفاق يحدد حصتي دولتي المصب.

نظام السيسي بدأ  في تصدير العجز عن مواجهة خطر السد إلى المواطنين، بإجراءات تجبرهم على ترشيد المياه في كل مناحي الحياة، وإبراز أهمية البدائل المتاحة والتي تتمثل في تحلية مياه البحر ومعالجة الصرف الصحي والصناعي، فضلا عن حملات وقوانين ترشيد المياه في الزراعة والاستخدام الشخصي. وقبل أيام، استعرض  زعيم عصابة الانقلاب عبد الفتاح السيسي مع حكومته خطة الدولة الإستراتيجية في مجال محطات تحلية مياه البحر، داعيا إلى تكامل استراتيجية تحلية المياه مع السياسة العامة للدولة للإدارة الرشيدة للمياه، إلى جانب الاستفادة القصوى من المياه الناتجة عن كافة محطات المياه المتنوعة سواء للمعالجة أو للتحلية.

وتحتاج الأراضي الزراعية في مصر نحو 57 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، أي أكثر من الحصة الحالية في مياه النيل، والبالغة 55.5 مليار متر مكعّب. وتقول الحكومة إنها تعمل على مواجهة نقص المياه من خلال عدة مسارات من بينها التحلية، حيث أعلن وزير الإسكان، عاصم الجزار، في إبريل2021 الماضي، أن وزارته تستهدف إنشاء 151 محطة ثنائية وثلاثية لمعالجة مياه الصرف الصحي في المحافظات والمدن الجديدة، بطاقة إجمالية تصل إلى 5.051 ملايين متر مكعّب في اليوم، وتكلفة تبلغ 31.59 مليار جنيه (نحو ملياري دولار)، وذلك بخلاف 59 محطة معالجة انتهت من تنفيذها في محافظات الصعيد (جنوب) لخدمة 8.3 ملايين مواطن، بواقع 37 محطة معالجة ثنائية، و22 محطة معالجة ثلاثية. وقال إن "الدولة المصرية توسعت في إنشاء محطات المعالجة الثنائية والثلاثية لمياه الصرف الصحي، منذ تولي السيسي للحكم في عام 2014، بهدف تعظيم الاستفادة من كل قطرة ماء، وإعادة استخدام المياه المعالجة في الأغراض المخصصة لذلك".

استسلام للبدائل

وفي مقابل كل هذه المشروعات تبدو كميات المياه التي تمكن معالجتها ضئيلة جدا مقابل الاستهلاك الفعلي لبعض الاحتياجات الزهيدة إذ لن توفر سوى بضع مئات ملايين الأمتار المعكبة من المياه سنوياً. بينما أعلن وزير الري بحكومة الانقلاب محمد عبد العاطى، في تصريحات صحافية، أن إجمالي المتاح لمصر من مياه النيل والمياه الجوفية والأمطار يبلغ 60 مليار متر مكعب سنوياً، في حين يصل الاستهلاك الفعلى إلى 80 مليار متر مكعب.

وكما تبدو الحلول البديلة غير واقعية بالنسبة لبلد يقطنه أكثر من 100 مليون نسمة وتبلغ مساحة الرقعة الزراعية فيه 9.4 ملايين فدان، فإن الكلف المالية لهذه البدائل باهظة ومرهقة لبلد يعاني من ارتفاع حاد في المديونية.

وخلال مؤتمر أسبوع المياه بالعاصمة اللبنانية (بيروت) في إبريل 2019 ، أعلن وزير الري محمد عبد العاطي عن "الخطة القومية للمياه" في مصر بتكلفة 50 مليار دولار، وذلك لمواجهة نقص المياه في البلاد، وتستمر حتى 2037. كما سبق أن قدر تقرير للبنك الدولي في 2018 حاجة البنية التحتية للمياه لاستثمارات تقدر بنحو 45 مليار دولار إضافية عن الاستثمارات في المشروعات الأساسية حاليا في مصر.

وتحتاج الأراضي الزراعية إلى نحو 57 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، أي أكثر من حصة مصر الحالية في مياه النيل، والبالغة 55.5 مليار متر مكعّب، فضلاً عن 3 مليارات تستخدمها الصناعة، و10 مليارات للاستخدام المنزلي، بما يعني صعوبة تعويض نسبة العجز عبر تحلية مياه البحر، أو معالجة مياه الصرف الصحي، لا سيما مع النقص المرتقب في حصة مصر من مياه النيل جراء تداعيات سد النهضة.

خط الفقر المائي

ويبلغ نصيب المواطن المصري من المياه نحو 600 متر مكعب سنوياً، بينما يقف خط الفقر المائي عند 1000 متر مكعب، ما يعني وجود عجز في نصيب الفرد مقداره 400 متر مكعب سنوياً. ويرى خبراء أنه لا جدوى اقتصادية من استخدام مياه البحر المحلاة في الزراعة، لأن كلفة المتر المكعب تتراوح بين 10 و12 جنيهاً، إضافة إلى 10 جنيهات كلفة التوصيل وتركيب المواسير لمسافة تزيد على 60 كيلومتراً.

وفي خضم الأزمة، اتخذت الحكومة إجراءات لفرض طرق بديلة لري المحاصيل الزراعية تعتمد على الري بالتنقيط بدلا من الغمر وهو ما ينتقده المزارعون باعتبار أن هذه الطريقة لا تناسب الكثير من المحاصيل لاسيما الأساسية. كما أعلنت مديرية الزراعة في محافظة الوادي الجديد في وقت سابق من يونيو الجاري، عن نجاح تجربة زراعة محصول الأرز الجاف لأول مرة على مستوى المحافظة كبديل للأرز العادي.

وبين الإعلان عن حلول تبدو استسلامية للأمر الواقع، وفق وصف منتقدي الإجراءات الحكومية، والتلويح بخيارات أخرى قد تبدو عسكرية يزداد الغضب الشعبي حيال الضعف الشديد والعجز التام من جانب السيسي والذي يقابله توحش وسعار على المستوى الداخلي في مواجهة المطالبين بالحرية والكرامة الإنسانية.