المؤامرة على النيل

- ‎فيمقالات

المؤامرة على النيل ليست وليدة الساعة، ولكنها قديمة ومتجددة في آن واحد .

فقد نشرت صحيفة الأهرام المصرية في عددها الصادر يوم السبت 5 نوفمبر عام 1927 على صفحتها الأولى خبراً مفاده: «خطر كبير على مصر .. حكومة الحبشة تتفق مع شركة أمريكية على إنشاء سد على بحيرة تانا» وأن شركة هويت الأمريكية اتفقت مع «رأس تفري» ولى عهد الحبشة على تَكَفُّلِها بنفقات إنشاء السد والتي كانت تصل وقتها مبلغاً ضخماً (نحو 20 مليون دولار) مما يجعلها تتحكم تماماً فى نهر النيل، وكشفت الأهرام عن أن هدف أمريكا هو إنشاء سد يحجز السيول وبالتالي التحكم فى مياه الري الخاصة بالأملاك البريطانية فى السودان .

وقد ذكر الدكتور، "أيمن الصياد"، فى مقال له بصحيفة الشروق، بتاريخ 9 يونيو 2013، بعنوان النيل نجاشى.

 "فى ١٦ يناير ١٩٧٩ نشرت مجلة «أكتوبر»، ذات العلاقة المعروفة بالرئيس الراحل أنور السادات خطابا من الرئيس المصرى الى مناحم بيجين رئيس الوزراء الاسرائيلى يقول فيه: «سوف نجعل مياه النيل مساهمة من الشعب المصرى باسم ملايين المسلمين كرمز خالد وباق على اتفاق السلام، وسوف تصبح هذه المياه بمثابة مياه زمزم لكل المؤمنين أصحاب الرسالات السماوية فى القدس ودليلا على أننا رعاة سلام ورخاء لكافة البشر». وقالت المجلة إن السادات أعطى بالفعل إشارة بدء حفر الترعة، وطلب عمل دراسة جدوى دولية لتوصيل المياه إلى القدس.

ورغم أن الأستاذ أنيس منصور والذى كان رئيسا لتحرير أكتوبر وقتها ومقربا من الرئيس السادات قال بعد ذلك أن السادات لم يكن يقصد، وأن الرسالة لم تكن أكثر من بالون اختبار، الا أن الدكتور بطرس غالى والذى كان وزيرا للدولة للشئون الخارجية أيام السادات، كان قد قد قال فى مذكراته أن موشى ديان ابلغه موافقة الرئيس السادات على مد مياه النيل لإسرائيل وهنا أبلغ بطرس غالى الدكتور مصطفى خليل رئيس الوزراء بما سمعه وهرع الاثنان للسادات للتأكد من الخبر فأكده لهما!! وهنا أبلغه د.مصطفى خليل ان هذا غير قانونى ويتنافى مع اتفاقيات حوض النيل فقال له السادات ـ والرواية لغالي ـ  «نبقى نقول لهم المية بتروح فى البحر».

لابد من الاعتراف بأن هناك أصابع صهيونية وأمريكية تشجع دول منابع النيل على المضي قُدُماً في خططها التى ستضر بمصر وأمنها المائي حتماً، من خلال عروض قدمتها شركات صهيونية وأمريكية لتمويل مشاريع المياه الإفريقية التي تعارضها مصر لأنها ستنقص من حصتها المائية.

لكن التدخل الصهيوني الأمريكي السافر بطرح فكرة "تدويل المياه" من خلال هيئة مشتركة من مختلف الدول المتشاطئة فى نهرٍ ما للوقيعة بين مصر ودول حوض النيل، ثم الشروع فى بناء السد الإثيوبي، دون الاهتمام برد الفعل المصري، وقد كان انقلاب الثالث من يوليو 2013 فرصة لهؤلاء المتآمرين فى تجاهل النظام غير الشرعي فى مصر بوصفه نظاما انقلابيا ويسهل الضغط عليه ، حيث أنه يسعى بكل الطرق للاعتراف به دولياً .

كما أن تصريحات المسئولين فى السودان وإثيوبيا توضح بجلاء حجم المؤامرة على النيل ودور العسكر فى دولتيّ المصب وصمتهم إزاء هذه المؤامرة .

فقد أكد عضو مجلس السيادة الانتقالي السوداني "مالك عقار" خلال مقابلة مع قناة الجزيرة مباشر أن اتفاق إعلان المبادئ عام 2015 لم ينص على إرسال إثيوبيا إخطاراً لدول المصب بالملء، بل نص بوضوح على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم لجميع الأطراف، خاصة فيما يتعلق بعملية التشغيل وفتح وغلق أبواب السد .

و قال: "إن الحديث عن بناء سد النهضة لم يكن مفاجئاً لمصر والسودان فهو معروف قبل عقد مضى، لكن حينها كانت إثيوبيا تتحدث عن سعة تخزينية تقدر بـ 16.5 مليار متر مكعب من المياه وليس 75 مليارا ، وهنا ظهرت المخاوف لدولتي المصب .

المحلل السياسي السوداني الدكتور عصام دكين قال : إن إثيوبيا اتخذت الموقف السليم حول الذهاب لمجلس الأمن ، وللأسف مصر والسودان خسرتا الجلسة تماماً .

وفى تصريحات لـ”راديو سبوتنيك” قال "إن إثيوبيا نجحت بشكل كبير في إعادة ملف سد النهضة إلى الاتحاد الأفريقي الذي يوجد مقره أصلاً في أديس أبابا ، واستطاعت أن تستمر في عملية بناء السد والملأ الثاني الذي بدأ وسيستمر حتى شهر أغسطس”.

وأن “الإشكالية تكمن في عملية الملأ وكيفية إدارة السد خاصة وأن الإثيوبيين حتى الآن مازالوا يحجبون أي معلومات عن مصر والسودان بخصوص هذه الأمور”.

وقال الدكتور أحمد المفتي ، العضو المستقيل من اللجنة الدولية لسد النهضة الإثيوبى خبير القانون الدولي فى حوار مع صحيفة «المصرى اليوم» بتاريخ 12-12-2015 10:44 إن اتفاق المبادئ الذى وقعه قادة مصر والسودان وإثيوبيا أدى لتقنين أوضاع سد النهضة ، وحوَّله من سد غير مشروع دولياً إلى مشروع قانونياً .

وأن الاتفاق ساهم في تقوية الموقف الإثيوبي في المفاوضات الثلاثية ، ولا يعطى مصر والسودان نقطة مياه واحدة، وأضعف الاتفاقيات التاريخية، موضحاً أنه تمت إعادة صياغة اتفاق المبادئ بما يحقق المصالح الإثيوبية فقط ، وحذف الأمن المائي؛ ما يعني ضعفاً قانونياً للمفاوض المصري والسوداني .

وقال الدكتور أحمد المفتي العضو السابق بالوفد السوداني في مفاوضات سد النهضة فى مقابلة مع الجزيرة مباشر بتاريخ 10/4/2021 : إن أمريكا ستفرض تسوية على السودان ومصر لصالح إثيوبيا حتى يتم ملء السد وتمتلك إثيوبيا القنبلة المائية وبعد ذلك تفرض إرادتها .

وقال المدير العام لمكتب تنسيق المشاركة العامة لبناء سد النهضة "أريجاوي بيرهي" فى حديث لوكالة الأنباء الإثيوبية ENA "إن الموقف الإثيوبي القاضي بأن عملية بناء وملء السد تنفذ بالتوافق مع إعلان المبادئ المبرم بين الدول الثلاث عام 2015" .

بدوره  أعلن عضو وفد إثيوبيا التفاوضي بخصوص ملف سد النهضة المهندس "قديون أسفاو" أن إطلاق أديس أبابا المرحلة الثانية من السد يأتي وفقا لإعلان المبادئ المبرم مع مصر والسودان عام 2015 .

وأن مصر والسودان "يعرفان حقيقة أن أنشطة بناء وملء السد غير منفصلتين غير أنهما على الرغم من إدراكهما هذا الأمر يحاولان إحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية" .

الحقيقة أن المؤامرة ليست أمريكية صهيونية إثيوبية فحسب .. بل شاركت أطراف عربية فى المؤامرة حينما قامت بتمويل السد .

فقد  كشفت مجلة "نيوزويك" الأمريكية أن محمد دحلان توسط لتوقيع اتفاق سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان فى 2015 .

بل الأدهى والأمرّ أن سلطة الانقلاب متمثلة في رئيسها السيسي هي مشاركة في المؤامرة من جهتين  :

١_ إقرارها اتفاق المبادئ .

٢_ سماحها لبعض البنوك المصرية  _ حتى وإن كان بطريق غير مباشر _ في تمويل بناء هذا السد !!

والطريف أن "مصطفى الفقي" صرح بلاخجل  قائلاً "أطالب مصر بحشد كل قواها وكروتها في المنطقة لهذا الملف ، هناك دول غير عربية قادرة على الضغط بشدة على إثيوبيا" .

"بعض الكروت لم تستخدمها مصر من أجل الضغط على إثيوبيا ، بينها الحديث مع إسرائيل".

وتساءل الفقي "كيف تساعد إسرائيل دولة تعمل على الإضرار بمصر؟ ونحن نتفق على أنه لا ضرر ولا ضرار"!!

إنها الحماقة التي أعيت من يداويها!!