الدلالات الاقتصادية لرفع أسعار البنزين بمصر

- ‎فيمقالات

لمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر، ترفع الحكومة المصرية أسعار البنزين، والذي يعد الوقود الرئيس للسيارات الخاصة ووسائل المواصلات الشعبية، ليساهم ذلك بجانب قرارات أخرى صدرت خلال الشهر الحالي في زيادة الأعباء المعيشية على المواطنين، منها زيادة أسعار الاستهلاك المنزلي للكهرباء وزيادة أسعار السجائر وزيادة رسوم استخراج جوازات السفر، كما تجهز وزارة المالية لإعلان تعديلات بقانون ضريبة القيمة المضافة ترفع بمقتضاه نسبة الضريبة على عدد من السلع والخدمات.

وحسب بيانات عام 2019 كآخر بيانات متاحة، تستخدم البنزين 8.3 مليون مركبة في مصر، منها 3.9 مليون سيارة خاصة و3.7 مليون دراجة نارية (موتوسيكل) و220 ألف سيارة نقل، و124 ألف سيارة أجرة، و227 ألف عربة توكتوك، وهي مركبة تسير على ثلاث عجلات، وتعد الوسيلة الرئيسية للمواصلات بالمدن والقرى والنجوع، وترفض إدارات المرور ترخيصها لكن الجهات الرسمية تعترف ببلوغ عددها أكثر من ثلاثة ملايين مركبة وبعض المصادر ترفعها إلى أربعة ملايين توكتوك، مما يزيد من عدد المركبات المستخدمة للبنزين لأكثر من 11 مليون مركبة، وهو عدد زاد حاليا في ضوء الزيادة في أعداد السيارات خلال أكثر من عام ونصف من البيانات الرسمية المتاحة عن عدد المركبات المرخصة.

وتشير تلك الأعداد إلى مدى تأثر الطبقات الشعبية بسبب زيادة البنزين، خاصة وأنها ترافقها زيادة في أسعار السيارات مع زيادة أسعار الشحن للسيارات المستوردة، وارتفاع أسعار قطع غيارها، وزيادة قيمة الرسوم التي يتم سدادها عند الترخيص أو تجديده.

وعندما يزيد سعر الصفيحة – وهي التسمية التي يطلقها المستهلكون على جالون البنزين المتضمن 20 لترا – بنحو عشر جنيهات للصفيحة خلال ثلاثة أشهر، فمن المتوقع أن يُحمل أصحاب عربات التوكتوك وسيارات الأجرة الزيادة على المستخدمين لسياراتهم، لكن الأثر لا يظهر بشكل آني، تجنبا للحملات الحكومية التي تنشط مع كل قرار لزيادة سعر البنزين لكنها تخبو بعدها بأسابيع قليلة.

توقعات بخلو الموازنة من دعم البنزين

وتجيء تلك الزيادة في أسعار البنزين رغم التراجع التدريج لقيمة الدعم في الموازنة للمنتجات البترولية، من 121 مليار جنيه في العام المالي 2017/ 2018 حتى يصل إلى 18 مليار جنيه في موازنة العام المالي الحالي (2021/ 2022)، ونحو ذلك في العام المالي السابق، وهو الدعم الذي يتجه أساسا إلى الغاز الطبيعي والمازوت، للحفاظ على أسعارهما المتجهة لتوليد الكهرباء في الشركات الحكومية والمخابز البلدية، وبما يشير لتضاؤل ما يحصل عليه البنزين من دعم وربما لا يوجد دعم له، لكن لا يتم إعلان البيانات التفصيلية لدعم الوقود حسب المنتجات البترولية حتى يتم تحديد موقف البنزين بنوعياته الثلاث منها.

والغريب أنه منذ بدء قرارات رفع أسعار المنتجات البترولية في تموز/ يوليو 2014 وحتى الآن، شهدت أسعار بنزين 80 أوكتين الأكثر شعبية والذي تستخدمه الموتيسكلات، وعربات التوكتوك والسيارات الملاكي للشريحة الأدنى وسيارات الأجرة؛ نسبة ارتفاع 650 في المائة، كما شهد بنزين 92 أوكتين الذي حل محل بنزين 90 أوكتين الذي توقف إنتاجه ويتركز استهلاكه بالطبقة الوسطى ارتفاعا في سعره بنسبة 332 في المائة خلال السنوات السبع الأخيرة، في حين أن بنزين 95 أوكتين الذي تستخدمه الطبقة الغنية والسفارات الأجنبية قد زاد سعره بنسبة 54 في المائة خلال السنوات السبع، وهو ما يثير التساؤل حول أقاويل مساندة الحكومة للطبقات الشعبية والسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية.

ويستند تعديل أسعار المنتجات البترولية في مصر إلى عاملين رئيسين هما: مدى تغير كلا من سعر صرف الدولار أمام الجنيه بما له من أثر على قيمة الواردات من النفط سواء خاما أو مشتقات، والعامل الثاني يتمثل في سعر خام برنت عالميا في ضوء بلوغ نسبة الاكتفاء الذاتي حوالي 65 في المائة.

تراجع أسعار النفط مؤخرا

وذكرت اللجنة الحكومية المختصة بمراجعة أسعار المنتجات البترولية بشكل ربع سنوى، أن سعر الصرف شهد استقرارا خلال الشهور الأخيرة، وهو في رأينا استقرار شكلي يستند لتدخل المصرف المركزى في تحديده داخل نطاق معين، وليس مستندا لعوامل العرض والطلب، بدليل استمرار الاقتراض الخارجي حتى بلغ حوالي 135 مليار دولار بنهاية آذار/ مارس الماضي.

أما العامل الثاني فهو زيادة أسعار خام برنت والذي زاد من متوسط 65 دولارا للبرميل في نيسان/ أبريل الماضي، إلى 68 دولارا في الشهر التالي، ثم إلى 73 دولار في حزيران/ يونيو الماضي، وتجاوزه حاجز 75 دولار خلال النصف الأول من الشهر الحالي، بعد فشل اجتماع مجموعة أوبك بلس التي تضم دول أوبك الثلاثة عشر وعشرة منتجين آخرين منهم روسيا في بدايات الشهر الحالي، بعد اعتراض الإمارات على سقف الإنتاج المحدد لها وطلبها رفعه.

لكن بعد ظهور أنباء عن اتفاق بين السعودية والإمارات في الرابع عشر من الشهر الحالي، والإعلان عن اتفاق مجموعة أوبك بلس على زيادة الإنتاج ابتداء من الشهر القادم، والحديث عن اتفاق على حصص جديدة للإنتاج لدول الإمارات والسعودية وروسيا والكويت والعراق ابتداء من أيار/ مايو 2022.. أدت تلك العوامل إلى توقف صعود الأسعار بل وتراجعها بعض الشيء، خاصة مع ترقب عودة الإنتاج الإيراني للأسواق الدولية مع عودة المباحثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، وهو أمر من شأنه زيادة المعروض النفطي بما يهدئ الأسعار.

وكان يمكن للحكومة المصرية عدم رفع أسعار البنزين استنادا إلى العديد من العوامل، ومنها تراجع الاستهلاك والذي ذكرت بيانات التقرير الإحصائي السنوي لشركة البترول البريطانية أنه بلغ 10 في المائة عام 2020، إلى جانب بلوغ نسبة الاكتفاء الذاتي حوالي 65 في المائة، ما يعني عدم تأثر مصر بشكل كلي بالتغير في أسعار خام برنت.

فائض نقدي بالميزان البترولي

وهذا ما ظهر في بيانات الميزان البترولي خلال الشهور التسعة الأولى من العام المالي 2020/ 2021 وحتى آذار/ مارس الماضي، حين ظهر فائض في الميزان البترولي بلغ 175 مليون دولار، كفرق بين الصادرات البترولية البالغة 5.931 مليار دولار والواردات البترولية البالغة 5.756 مليار دولار، وذلك بالمقارنة بعجز بلغ 421 مليون دولار في الميزان البترولي في العام المالي 2019/2020.

وكذلك استفادة مصر من انخفاض أسعار النفط خلال الربع الثاني من العام الماضي، واستيراد كميات أكبر من الخام لتكريره محليا، إلى جانب تراجع استهلاك المنتجات النفطية بعد ارتفاع أسعارها، وتحول كثير من المستهلكين سواء الصناعيين وأصحاب السيارات وغيرهم لاستخدام الغاز الطبيعي، حتى بلغ نصيب الغاز الطبيعي من استهلاك الطاقة في مصر بالعام الماضي 57 في المائة مقابل نسبة 36 في المائة للنفط.

وربما يبرر البعض رفع أسعار البنزين الأخير بأنه يتزامن مع زيادة الأجور خلال الشهر الحالي، لكن هؤلاء يتجاهلون أن العاملين في الحكومة والقطاع العام الذين زادت أجورهم يمثلون نسبة 21 في المائة من المشتغلين، بينما نسبة 78 في المائة من المشتغلين يعملون في القطاع الخاص، وهو القطاع غير المُلزم بزيادة الأجور، كما أن ظروفه الحالية مع استمرار حالة الركود تبرر له عدم زيادتها، خاصة في القطاع غير الرسمي الذي يزيد عدد العاملين فيه على العاملين في القطاع الخاص الرسمي.

وهذا يعني إلحاق الضرر بغالبية المشتغلين، خاصة مع الزيادات الأخرى للأسعار سواء في الكهرباء أو في غيرها بنفس الوقت، ولهذا فمن المتوقع أن يرفع جانب من الحرفيين أسعار خدماتهم لامتصاص تلك الزيادات للحفاظ على نفس المستوى الاستهلاكي لهم من السلع والخدمات.

ومن ناحية أخرى يظل التساؤل: كيف تتسق زيادة أسعار البنزين مرتين خلال ثلاثة أشهر مع ظروف فيروس كورونا، والاتجاه لتشجيع استخدام وسائل المواصلات الخاصة والابتعاد عن وسائل النقل الجماعي تجنبا للعدوى وتقليلا لفرص التعرض للفيروس؟

لكن من الواضح أن ضغوط العجز في النقد الأجنبي والعجز المتزايد في الموازنة، والحاجة لتمويل العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من المشروعات التي يركز عليها النظام الحاكم، والاطمئنان الرسمي لعدم صدور رد فعلي شعبي.. كل ذلك يدفع الحكومة للاستمرار في رفع أسعار السلع والخدمات.

………………………..

نقلا عن: عربي 21