مسجد مصر الكبير نموذجا.. لماذا نهى الله عن تكليف السفهاء بإدارة الأموال؟

- ‎فيتقارير

في محكم التنزيل نهى الله تعالى عن تكليف التافهين والسفاء من الناس بإدارة الأموال التي جعلها الله قياما للناس أي تقوم عليها حياتهم ومعيشتهم {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما}.  فلماذا نهى الله عن ذلك؟ وما الحكمة من وراء هذا النهي الإلهي؟

حتى نفهم هذا المعنى على نحو صحيح يمكن أن نضرب بذلك مثالا لتوضيح الأمر وفهم أبعاد النهي الإلهي؛ وهو مشروعات السيسي التي يطلق عليها النظام (المشروعات القومية العملاقة) والتي اعترف تقرير صادر عن مجلس الوزراء بحكومة الانقلاب أنه تم إنفاق نحو 6 تريليونات جنيه عليها على مدار السنوات السبع الماضية. ورغم ذلك تزايدت معدلات الفقر، وارتفعت نسبة البطالة بعيد عن أرقام الحكومة التي يتم التلاعب بها لتحسين صورة الوضع الاقتصادي الهش.

فلماذا تقدم دولة فقيرة تقوم على الاقتراض والمساعدات الدولية على بناء 14 مدينة جملة واحدة؟  ولماذا تبني عاصمة جديدة على أحدث طراز من أموال الديون والقروض؟ ولماذا نقترض لنبني أكبر جسر معلق وأكبر ناطحة سحاب في إفريقيا وأكبر مسجد وأكبر كاتدرائية وأكبر متحف بآلاف المليارات دون عائد أو جدوى؟

ولعل أحدث نماذج السفاهة في الإدارة هو الإعلان عن بناء مسجد مصر الكبير على هضبة مرتفعة في العاصمة الإدارة الجديدة. وهو مسجد ومركز ضخم تحت الإنشاء على الطراز المملوكي، ويقع على هضبة تطل على العاصمة الإدارية، وتكلفته تصل إلى 700 مليون جنيه.

ونشرت حسابات مؤيدة للنظام صوراً لمراحل العمل في المسجد للتفاخر، وسط انتقادات المغردين لفكرة إنشاء مسجد ضخم في مدينة لا يسكنها أحد، متسائلين عن البذخ في الإنفاق رغم تأكيدات السيسي الدائمة "إحنا فقرا قوي" (نحن فقراء جداً).

وغرد صاحب حساب "الخال الإسكندراني": "مسجد مصر الكبير بعاصمتهم الإدارية يقع على أعلى هضبة وبتكلفة 700 مليون جنيه ويسع 107 آلاف مصل. لن أسأل أسئلة سياسية وعن مدى الفقر وأين أولويات النفقات وما إليها من أسئلة زهقنا (مللنا) منها… ولكني أتساءل: مين يقدر يطلع 100 درجة سلم (5 أدوار) وبعدين يقف يصلي بعدها (من يستطيع صعود مائة درجة قبل الصلاة)؟".

وسخر صانع المحتوى على "يوتيوب" أحمد بحيري من الفكرة في مدينة قيد الإنشاء: "‏معلش الناس اللي بيتريقوا (يسخرون) على 300 سلمة بتوع مسجد (الرزاق الكريم) في إطار عادتنا من السخرية من كل شيء. أماكن العبادة لا يدخلها إلا المطهرون. متخيلين 300 سلمة X خمس صلوات يكفروا سيئات قد إيه؟ طبعا بغض النظر عن أن سكان العاصمة الجديدة ماعندهمش سيئات أصلا… لأن ماحدش ساكن فيها".

وتساءل عمرو عن مدى أهمية حجم المسجد: "‏مش قادر أستوعب فكرة أن حد يبني مسجد 100 ألف مصلي في مكان غير الحرم أو النبوي أو الأقصى، إلا إذا كنا ناويين ننظم موسم حج وعمرة في مصر داخلي".

 

لغز تمويل العاصمة الإدارية

كان مصطفى مدبولي، رئيس حكومة الانقلاب قد صرح أمام مجلس نواب العسكر في منتصف أكتوبر 2019م، أن الهدف من إنشاء المدن الجديدة، أنها "ستغطي الزيادة السكانية". مضيفا أن "المدن الجديدة التي تنشئها الدولة حالياً، كانت عبارة عن أراض صحراء ومهجورة تماماً، وكان يتم التعدي عليها وإقامة مشروعات بعيداً عن الدولة، لذلك فإن وجهة نظر الدولة هي أن تدخل وتنفذ مشروعات إنشاء مدن جديدة لتستوعب الزيادة السكانية". وتابع أن "مدينة العلمين الجديدة مثلاً كانت أرض صحراء، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة تولت تنفيذ هذه المدينة مع 14 مدينة أخرى"، قائلاً: "النهارده هذه المدينة مساحتها 170 ألف فدان، وتنفذ بعيداً عن الموازنة العامة للدولة، وكذلك العاصمة الإدارية الجديدة، قيمتها السوقية الآن تريليون جنيه مصري، مش هاخدهم النهاردة ولكن كل ذلك للمواطن المصري، ونعمل على تعظيم أصول الدولة".

 

لا نصيب للمواطن

وبالنظر إلى خريطة الاستثمار العقاري في هاتين المدينتين تحديداً ـ بحسب موقع عربي بوست ــ  سنجد أنه مثلاً في مدينة العلمين يصل سعر الوحدة السكنية إلى 50 مليون جنيه، كما قال مصدر عقاري منفذ لأحد المشروعات هناك. وأضاف أنه "كذلك بالنسبة للعاصمة الإدارية الجديدة، فمتوسط سعر متر الشقة بها من 10 آلاف جنيه إلى 50 ألف جنيه مصري". وتساءل المصدر: "أين هو المواطن المصري الذي سيدفع مثل هذه المبالغ الطائلة لشراء وحدة ما في مثل هاتين المدينتين كما يقول رئيس الوزراء؟". ويبرهن على صحة ما ذهب إليه بالتأكيد على أن الموظفين الذين سيعلمون في العاصمة الإدارية والذين سيتم نقلهم إلى هناك مع انتقال الوزارات والهيئات الحكومية لن يسكنوا هناك، بل خصصت لهم الدولة إسكاناً اجتماعياً في "مدينة بدر" وهي أقرب المدن الجديدة للعاصمة الإدارية، ولن تعطيهم الدولة هذه المساكن كهبات مثلاً، بل سيدفعون ثمنها بنظام التمويل العقاري". هي إذا أموال الشعب وقروض سيدفعها الشعب على مدار عقود طويلة ليتمتع بها طبقة الحكام والأثرياء، وليمت الشعب فقرا وجوعا وحرمانا.