وسط عجز مصري سوداني .. قوات إثيوبية خاصة لحماية سد النهضة

- ‎فيتقارير

دفعت الحكومة الإثيوبية السبت 18 سبتمبر 2021م بقوات خاصة من أقاليم أمره وسيداما وجامبيلا و"الشعوب الجنوبية" لتعزيز الأمن والاستقرار وحماية سد النهضة والإقليم الذي يقع فيه وفقا لتصريحات أبيوت ألبورو، نائب رئيس مكتب الأمن والسلام في إقليم بني شنقول شمالي غربي إثيوبيا. وهو الإقليم السوداني الذي تحتله إثيوبيا منذ سنوات طويلة.
وأضاف ألبورو، في حديث لوسائل إعلام محلية، أن هذه القوات ستعمل تحت قيادة مركز حالة الطوارئ بالإقليم، وأن الغاية من مشاركتها هي حماية موقع سد النهضة بعد تسلل عدد من مسلحي جبهة تيجراي إلى الإقليم في الآونة الأخيرة ومحاولتهم مهاجمة السد، حسب مزاعمه.
وقد أعلنت القوات الإثيوبية أوائل سبتمبر الجاري 2021م إحباط محاولة لجماعة مسلحة في منطقة المحال بإقليم بني شنقول بالقرب من الحدود السودانية، كانت تسعى -حسب قولها- لتعطيل بناء سد النهضة، وأضافت أن هذه الجماعة تتبع جبهة تحرير إقليم تيجراي الحدودي أيضا مع السودان. وقال مسؤول بالجيش الإثيوبي آنذاك إن القوات تتابع وتراقب عن كثب المناطق الحدودية بين إثيوبيا والسودان لحماية سد النهضة والمنطقة من أي تهديدات داخلية وخارجية. ومن جانبه، نفى السودان حديث الجيش الإثيوبي عن دخول مجموعة مسلحة عبر الحدود السودانية لاستهداف سد النهضة، ووصفه بأنه "ادعاءات مضللة لا أساس لها من الصحة وتهدف لمجرد الاستهلاك السياسي"، وفق بيان لوزارة الخارجية. وقد حققت جبهة تحرير تيجراي تقدما لافتا منذ يونيو 2021م على حساب القوات الفدرالية الإثيوبية، واستعادت السيطرة على معظم أجزاء الإقليم، وبدأت منذ 22 يوليو التوغل في إقليمي العفر وأمهرة المجاورين لتيجراي.

عجز مصري سوداني
في المقابل، لا تزال الحكومتان المصرية والسودانية عجزتين عن وضع حد للعربدة الإثيوبية، ولم تقدم الحكومتان أي خريطة طريق يمكن أن تسهم في حل الأزمة التي تهدد دولتي المصب بكوارث كبرى. واكتفت الحكومتان بالتعبير عن تطلعهمها لاستئناف المفاوضات بشأن السد، على الرغم من أن كل الأطراف ردت على بيان مجلس الأمن الدولي الأخير بالتمسك بمواقفها المعلنة من الأزمة. إضافة إلى اليقين المصري السوداني الكامل بأن مسار المفاوضات استنفد  رصيده ولم يعد مجديا ولا مسارا لحل الأزمة في ظل العناد الإثيوبي والإصرار على تحويل النيل إلى بحيرة إثيوبية والمياه إلى سلعة.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي أول أمس الخميس إن بلاده ترحب باستئناف مفاوضات سد النهضة، لكن وفق مبدأ الاستخدام العادل والمنصف لموارد مياه النيل.وأضاف مفتي أن البيان الرئاسي لمجلس الأمن بشأن سد النهضة ليس ملزما، وأن بلاده ليست معنية بأي مطالبات على أساسه.
وكان مجلس الأمن تبنى مؤخرا بالإجماع بيانا رئاسيا دعا فيه لاستئناف المفاوضات حول سد النهضة، وذلك للتوصل إلى "اتفاق ملزم ومقبول بشأن ملء وتشغيل السد".

دراسة أفكار الكونغو
وينقل موقع "مدى مصر" عن مصدر  بحكومة الانقلاب في مصر أن القاهرة وعدت كينشاشا بدراسة أفكار قدمتها الكونغو الديمقراطية الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي لمصر والسودان بخصوص مفاوضات سد النهضة المتوقفة منذ عدة أشهر بعد فشل آخر جولة من المفاوضات في تحقيق أي تقدم  في أبريل الماضي، قبل تنفيذ إثيوبيا الملء الثاني لسد النهضة في يوليو.
وكان كريستوف لوتوندولا، وزير خارجية الكونغو، التي تستمر رئاستها للاتحاد الإفريقي حتى فبراير 2022، قد قال قبل أيام في القاهرة إن الخلاف حول سد النهضة يمكن حلها في إطار الاتحاد، وذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مع وزير الخارجية بحكومة الانقلاب سامح شكري عقب مباحثات تناولت الأفكار المقدمة من كينشاسا، والتي تشمل عددًا من الصياغات المقترحة البديلة حول أبرز النقاط الخلافية، والتي عملت عليها رئاسة الاتحاد الإفريقي وخبراء من الاتحادين الإفريقي والأوروبي بالتعاون مع فريق ديفيد فيلتمان المبعوث الأمريكي لمنطقة شرق إفريقيا.
ولم يبد المصدر المصري كثير من الحماس للورقة التي قدمها الوزير الكونغولي، قائلًا إن الأفكار لا تبدو من النظرة الأولى تتوافق مع المطالبات المصرية الاساسية المتعلقة بـ«اتفاق ملزم، وآلية مراقبة، وآلية فض نزاعات».
ولم تتطرق تصريحات الوزير الكونغولي في القاهرة ضمن جولة شملت أيضًا الخرطوم وأديس أبابا، لضرورة الوصول لـ«اتفاق تقبل به الأطراف ويكون ملزمًا»، كما جاء في نص البيان الصادر عن مجلس الأمن الأربعاء الماضي. ولكن تحدث عن ضرورة التوصل لوثيقة مع وجود ضمانات بالتزام الأطراف في بنودها، ما يمثل موقفًا وسطًا بين المطالبات المصرية والسودانية بضرورة الوصول إلى اتفاق ملزم، والموقف الإثيوبي الرافض لاتفاق ملزم، مكتفيًا بالحديث عن وثيقة خطوات استرشادية.
ومع عدم تحقيق الاقتراح الكونغولي للآمال المصرية، إلا أن المصدر  قال إن القاهرة «ستتفاعل بكل جدية مع الجهد الذي تقوم به كينشاسا» كجزء من إستراتيجية اعتمدتها مصر بالتفاعل الإيجابي مع مختلف المقترحات والجهود، ولكنه أعرب بالوقت نفسه عن التشكك في نوايا رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد بالتحرك نحو الوصول لاتفاق جاد «حتى لو بتنازلات تقدمها مصر والسودان»، مضيفًا أنه يبدو أن هدف أبي أحمد ليس إنتاج الكهرباء كما يزعم، ولكن تكوين بنك ماء يمكن أن يمنحه الفرصة لممارسة الضغط السياسي على مصر من خلال بيع المياه لها في مرحلة لاحقة، وهو أمر لا يمكن تصور أن تقبل به مصر بأي حال من الأحوال.
وكان مصدر مصري آخر ــ بحسب مدى مصر ــ قد قال بعد إتمام إثيوبيا الملء الثاني إن صبر القاهرة أخذ ينفد، وستنظر القاهرة في «كل الخيارات المطروحة» للتعامل مع الأمر في حال  لم تلتزم أديس أبابا بالوصول إلى اتفاق نهائي ملزم قبل حلول موعد تنفيذ الملء الثالث في منتصف يوليو 2022. وأشار المصدران المصريان إلى أن القاهرة تمارس كل الجهود الدبلوماسية والسياسية الممكنة لحشد اكبر قدر من الضغوط على إثيوبيا لاقناعها بالتحرك باتجاه اتفاق له صفة قانونية إلزامية قبل منتصف يوليو القادم.

دور إسرائيل
وكان رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي قال خلال لقاء جمعه مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت في شرم الشيخ الثلاثاء الماضي -وهو أول لقاء معلن لمسؤول إسرائيلي رفيع منذ ثورة يناير- إن الحوار مع المسؤول الإسرائيلي قد شمل الحديث عن سد النهضة.
وكانت مصادر مصرية رسمية قريبة من ملف سد النهضة قد أكدت أكثر من مرة خلال العامين الماضيين أن القاهرة لا تستثني الضغط الإسرائيلي ضمن الضغوط المحتملة على أديس أبابا، خاصة في ضوء العلاقات الوطيدة التي تجمع إسرائيل وإثيوبيا، كما أشارت في مراحل لاحقة لوساطات غير مكتملة من الإمارات العربية المتحدة وقطر.
في الوقت نفسه، قال مصدر دبلوماسي مصري، إن ملف سد النهضة سيكون عنوانًا أساسيًا في المحادثات التي سيجريها سامح شكري في نيويورك التي يغادر إليها غدًا للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحد، حيث سيكون على الأرجح رئيسًا للوفد المصري هذا العام.
واتفقت المصادر المصرية أن كل ضغط على إثيوبيا يمكن أن يفيد مشيرة إلى بيان مجلس الأمن الأخير، وذلك رغم هجوم إثيوبيا في الرد عليه، لكن المصادر اعتبرت أن الرد الإثيوبي وإن كان لا يؤشر إلى أن أديس أبابا ستتجه نحو حل إلا أنه يوضح إدراك الجانب الإثيوبي لمدى الضغط الواقع عليه.
في الوقت نفسه، أشارت ذات المصادر إلى أن موقف رئيس الوزراء الإثيوبي لم يعد محل تقدير ودعم دوليًا كما كان، بما في ذلك داخل الدوائر التشريعية الأمريكية، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية المتزايد في منطقة تيجراي، وهو ما دفع بالرئيس الأمريكي جو بايدن، لإصدار قرار بنظام عقوبات جديد يستهدف المتورطين بصورة مباشرة أو غير مباشرة في إطالة أمد النزاع في تيجراي. وبحسب القرار، فإنه في حال عدم تحرك المعنيين نحو الوصول إلى حل فإن العقوبات سيتم تنفيذها.
إلى جانب ذلك، حذر أحد المصادر بحكومة الانقلاب لموقع "مدى مصر" من أن استمرار الضغط على أبي أحمد يمكن أن يدفعه للتوصل إلى تسوية منفردة مع السودان حول ملف سد النهضة والخلاف على منطقة الفشقة، مما يخفف عليه الضغط الإقليمي والإفريقي، ويترك مصر في الوضع الذي كانت عليه قبل تقوية التنسيق مع السودان خلال العامين الماضيين. لكن المصدر نفسه أضاف أن القاهرة تكثف التنسيق مع الخرطوم حول هذا الملف، بما في ذلك الأفكار التي قدمتها كينشاسا.