أبواق لسلطة شمولية.. أجهزة السيسي تعيد تشكيل «القومي لحقوق الإنسان»

- ‎فيتقارير

أعلن مجلس نواب العسكر برئاسة حنفي جبالي يوم الإثنين 4 أكتوبر 2021م عن التشكيل الجديد للمجلس القومي لحقوق الإنسان، حيث تم تعيين السفيرة مشيرة خطاب، وزيرة الأسرة والسكان السابقة، رئيسة للمجلس، بينما ضمّ التشكيل الجديد للمجلس، الذي ينتظر تصديق الدكتاتور عبد الفتاح السيسي عليه، تصعيد السفير محمود كارم نائبًا لرئيس المجلس بعد أن كان عضوًا في التشكيل المنقضي، مع الإبقاء على جورج إسحاق عضوًا، وكذلك أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة نيفين مسعد.

وتشمل قائمة المنضمين حديثًا لعضوية المجلس: المحامية نهاد أبو القمصان، خلفًا لزوجها -عضو المجلس الراحل- حافظ أبو سعدة، ورئيسة جمعية الحقوقيات المصريات رابحة فتحي، ورئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عصام شيحة، ورئيس مؤسسة ملتقى الحوار للتنمية سعيد حافظ، ورئيس تحرير «الأهرام ويكلي» عزت إبراهيم، ونائب رئيس تحرير موقع مبتدا محمود بسيوني وآخرين. كما ضمت التشكيل الجديد محمد أنور السادات عضوا وهو  الزميل لمشيرة خطاب في مجموعة الحوار الدولي، التي ارتبط اسمها في الفترة الأخيرة بالتواصل مع الجهات الأمنية للوساطة من أجل الإفراج عن محبوسين احتياطيًا، وإلى جانبهما 25 عضوًا آخرين.

وتنقل صحيفة "العربي الجديد" عن مصادر مطلعة أن كل أعضاء التشكيلة  الجديدة للمجلس هو أشخاص تربطهم علاقات وطيدة بأجهزة السيسي الأمنية.

 

مجلس المذابح والانتهاكات

الملاحظة الأهم أن قرار لجنة «نواب العسكر» العامة بإعادة تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان يأتي متأخرًا أربع سنوات، لأن المجلس المنقضي برئاسة محمد فائق، جرى تشكيله بقرار من حازم الببلاوي، أول رئيس وزراء لحكومة الانقلاب، في أغسطس 2013م وهو الشهر الذي شهد أكبر سلسلة مذابح جماعية في تاريخ مصر، وهي فض اعتصامي رابعة ونهضة مصر ومصطفى محمود ومذبحة رمسيس بعد الفض بيومين. ومدة المجلس 4 سنوات انتهت مدته في 2017م.

وكان مجلس النواب السابق برئاسة علي عبدالعال، قد أدخل تعديلات على قانون إنشاء «القومي لحقوق الإنسان» بالتزامن مع موعد انتهاء مدة عمل المجلس برئاسة فائق، في 2017، وهي التعديلات التي أعطت للجنة العامة لـ«النواب» الحق في اختيار رئيس وأعضاء «القومي لحقوق الإنسان»، ثم عُرض الأمر على الجلسة العامة لموافقة أغلبية الأعضاء، قبل عرض القرار على السيسي للتصديق عليه وإصداره التشكيل الجديد بقرار جمهوري. ورغم إقراره تلك التعديلات، اختتم «النواب» برئاسة عبد العال أعماله في منتصف ديسمبر2020م دون تشكيل «القومي لحقوق الإنسان».

 

أبواق لسلطة شمولية

ويعتبر المجلس بتشكيلته مجرد بوق من أبواق السلطة، وشكلا من أشكال الديكور ومحاولة لتجميل صورة نظام لا يجيد سوى القمع والبطش وله سجل متخم في انتهاكات حقوق الإنسان. لكن اللافت أنه لم يبق من التشكيلة القديمة سوى ثلاثة فقط هم الناشط السياسي جورج إسحق، والسفير محمود كارم محمود، وأستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، نيفين مسعد.

وفي تصريحات لموقع "مدى مصر" يزعم جورج إسحاق الذي كان منسقا لحركة كفاية التي عارضت الرئيس المخلوع حسني مبارك، أن  المجلس بتشكيله الجديد سيساعد في مسألة الإفراج عن المساجين والمحبوسين احتياطيًا، قائلا: «عندنا أمل في خروج عدد كبير من المساجين بمناسبة 6 أكتوبر».

وعن أجندة عمل المجلس الجديد، قال إسحاق إن التركيز خلال الأيام المقبلة سيكون على تطبيق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان«لو طبقنا 50% منها هاكون سعيد»، مضيفًا أنه «لا بد من الرد على أية ملاحظات أو اتهامات تأتي من خارج مصر أي حد بيلومنا من بره لازم نرد عليه ومافيش حاجة اسمها كله زي الفل.. الكلام ده ما يمشيش».

 

إستراتيجية حقوق الإنسان

ويأتي تشكيل القومي لحقوق الإنسان في أعقاب إعلان ما تسمى بالإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أعلن عنها السيسي يوم 12 سبتمبر 2021م، والتي عاب عليها خبراء وحقوقيون أنها لم تتضمن أي سبل لتدعيم حقوق الإنسان بمحاورها المقررة دولياً، وغياب أي إشارة إلى الأهداف الرئيسية التي بدأت من أجلها جهود وضع هذه الإستراتيجية، مثل فتح المجال العام، وتوسيع العمل السياسي، والسماح بحرية تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات المعارضة للسلطة، وإطلاق الحقوق والحريات السياسية والإعلامية والمدنية، ووقف الملاحقات الأمنية والاعتقالات، وووقف الاستخدام المتعسف للسلطة ضد المعارضين.

إضافة إلى ذلك فإن خطاب السلطة عن الإستراتيجية يتضمن خلطا واضحا بين حقوق الإنسان والواجبات المترتبة على تولي الدول أدوارها الأصيلة في رعاية مصالح شعوبها، وتم تخصيص قسم محدود من الاستراتيجية للحقوق السياسية والمدنية، ووفق عبارات مطاطة خالية من أي تعهدات واقعية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، وتخصيص الجزء الأكبر منها للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتي تتعلق في الأساس بطبيعة ممارسة السلطات لدورها تجاه شعبها، كالمرافق الصحية، والتعليمية، والقضاء، والبنية التحتية، والمشروعات الأساسية.

لكن السمة البارزة في الفلسفة التي تأسست عليها هذه الإستراتيجية أنها لم تنطلق من الدستور كمرجعية رئيسية لوضع الإستراتيجية، والتركيز على الملفات التي تتطلب تدخلا تشريعياً، أو تنفيذياً عاجلاً لتحسين أوضاعها، وغاب عن الإستراتيجية التي وُضعت بعد اجتماعات مطولة مع ممثلي منظمات حقوقية وأحزاب ووسائل إعلامية، إعلان خريطة طريق واضحة لإطلاق الحريات المدنية والسياسية، وتحسين أوضاع المعتقلين، أو العفو عنهم، وفض الارتباط بين القضاء والأمن.

كما أهملت الإستراتيجية ملف المعتقلين والمعارضين والممنوعين من السفر أو الممنوعين من التصرف في أموالهم، وغيرها من صور معاقبة المعارضين، وكذلك ملف حرية التعبير، والتظاهر، والنشر الصحافي والثقافي، ولم تقدم أي تعهدات بتحقيق انفتاح، الأمر الذي باتت معه الإستراتيجية فاقدة لقدرتها على التأثير المباشر في المجال العام.