بعد مديح السيسي.. كيف تسببت “كامب ديفيد” في تغيير بنية الجيش المصري؟

- ‎فيتقارير

في خطابه في الذكرى الـ48 لحرب أكتوبر 1973م، أثنى الدكتاتور عبدالفتاح السيسي على اتفاقية «كامب ديفيد» التي وقعها الرئيس الراحل محمد أنور السادات في مارس 1979م، واعتبرها خطوة سابقة لعصرها داعيا كل الحكام العرب إلى تجاوز المسلمات التي تؤمن بها الشعوب والانضمام إلى قطيع التطبيع مع الكيان الصهيوني. حيث كان السادات أول من اعترف بحق الصهاينة في احتلال فلسطين واعتبر الأراضي التي اغتصبوها بالعنف والإرهاب والعدوان قبل 5 يونيو 1967م أرضا إسرائيلية مشروعة.

وفي هذا التقرير نسلط الضوء على الكوارث التي تسببت فيها اتفاقية كامب ديفيد على تكوين وعقيدة الجيش المصري حتى تحول إلى شرطي حراسة لتأمين الكيان الصهيوني حتى لو أدى ذلك إلى إشهار السلاح في صدور المصريين وقتل الآلاف منهم لحماية مشروع إسرائيل المدعوم من أمريكا والغرب كله.

تسببت اتفاقية كامب ديفيد في إدخال تغييرات كبرى في بنية الجيش المصري وتوجهاته وعقيدته العسكرية وحتى خططه الإستراتيجية وتكتيكاته حتى يتسق مع توجهات السادات الجديدة. وتمكنت واشنطن من إحداث هذا الاختراق الواسع عبر عدة أدوات، أهمها المساعدات العسكرية التي تصل إلى 1.3 مليار دولار سنويا. والتي ظلت كما هي دون نقصان في الوقت الذي خفضت فيه واشنطن المساعدات الاقتصادية للشعب من 800 مليون دولار إلى 250 مليونا فقط. وهي المساعدات التي يعتبرها كثيرون شكلا من أشكال الرشوة أو شراء الذمم؛ مستدلين على ذلك بأن كبار القادة والجنرالات يتلقون مكافآت ضخمة تحت مسمى "بدل ولاء"!

 كذلك استخدمت واشنطن برامج التدريب المشتركة مثل "النجم الساطع" وصفقات التسليح من أجل دفع المؤسسة العسكرية المصرية نحو تغيير عقيدتها العسكرية لتصبح إسرائيل حليفا والإسلاميون الذين يمثلون ثلث الشعب على الأقل هم العدو الذي يمثل تهديدا للدولة المصرية أو بمعنى أدق للنظام الحاكم.

وقبل سنوات أعد “كينيث بولاك”، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، ومدير قسم الخليج في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس بيل كلينتون، دراسة تكشف كواليس ما يدور داخل المؤسسة العسكرية المصرية ومدى التخريب الذي أحدثته واشنطن في مستويات الجيش المصري، والانتقال بمصر كلياً إلى صف الولايات المتحدة ووضعها في خدمة الاستراتيجية الأميركية ــ الإسرائيلية في المنطقة. وخلصت الدراسة التي جاءت بعنوان «أبو الهول والنسر: القوات المسلحة المصرية والعلاقات العسكرية الأمريكية المصرية» والتي استندت إلى وثائق أمريكية ومقابلات ميدانية مع قادة كبار في الجيشين المصري والأمريكي، إلى  أنَّ “ضباطا مصريين وأمريكيين كبار، أكدوا حدوث تحول وانقلاب كامل في العقيدة العسكرية للجيش المصري ومهامه وإستراتيجيته، ومجمل خططه التي تقوم على اعتبار أن إسرائيل لا تشكل تهديدًا له، كما لم تعد بالنسبة له هدفًا”. ورغم ذلك فإن واشنطن حريصة كل الحرص على المزيد من توريط الجيش المصري في هذا ال الذي يناقض هوية المجتمع المصري ومعتقداته وحتى مصالحه ليتحول إلى أداة تحركها الولايات المتحدة وفقا لمصالحها وأجندتها التي تتصدر إسرائيل أولوياتها.

 

3 مدارس داخل الجيش المصري

ويرى موقع  The Hill الأمريكي ــ في تقرير له في فبرير 2018 ــ أن الجيش المصري يضم ثلاث مدارس:

  • الأولى، ترى إسرائيل عدواً أبدياً، ويجب أن تكون مصر في حالة عداء دائمة تجاه الدولة اليهودية، ويرفض هؤلاء رفع مستوى العلاقات خارج إطار معاهدة السلام. وبالتالي، يرفضون أي مستوى من التطبيع باستثناء التنسيق الأمني الإلزامي في سيناء.
  • الثانية وفقاً للموقع الأميركي، فتعتبر إسرائيل عدواً في حد ذاتها، بل تهديداً أمنياً مُزمناً للأمن القومي على الحدود المصرية الشرقية. ويرى هؤلاء أن إسرائيل ليست عدواً لكنها أيضاً ليست صديقاً، وينبع هذا المستوى من الحذر تجاه إسرائيل من تفوقها النسبي في ما يتعلق بالتقدم التكنولوجي والعلمي، إذ عزز التفوق التكنولوجي الإسرائيلي تفوقها العسكري على العرب. وباعتبارهم واقعيين عادةً، من المُرجَح أنَّ ضباط الجيش المصري الذين يتبعون هذا الرأي يشعرون بالتهديد من هذه الفجوة العسكرية.
  • أما المدرسة الثالثة، فترى ضرورة معاملة إسرائيل كدولة أوروبية عادية، ويؤمن أفراد هذه المدرسة بالعمل على تطوير علاقة تبادلية وبراجماتية مع إسرائيل على أساس المصالح المشتركة، ولا يميلون إلى رؤية إسرائيل من خلال القوالب النمطية المفعمة بالإثارة. لذلك، إذا كانت مصر تحتاج إلى طائراتٍ إسرائيلية في سيناء لقصف أهداف تنظيم الدولة  (داعش)، فإنَّهم يدعمون ذلك. (كان السيسي قد اعترف بالسماح للطيران الإسرائيلي بضرب أهداف في سيناء). ويعتقد الجنرالات المنتمون لهذه المدرسة أنَّ العدو الرئيسي لمصر هو الإسلام السياسي، الذي يتجلى في الإخوان المسلمين وقطر وتركيا. وهي المدرسة التي ينتمي إليها الجنرال عبدالفتاح السيسي الذي يعد أول وزير دفاع مصري تلقى تعليمه العالي بالولايات المتحدة American Trained Officers فهو إلى جانب صدقي صبحي تخرجا من كلية الحرب الأمريكية بولاية بنسلفانيا الأمريكية.

ويذهب الموقع إلى أن هذه التباينات داخل الجيش المصري تحول دون تقدم العلاقات المصرية الإسرائيلية، عازيا ذلك  إلى سببين: الأول هو التاريخ حيث خاضت مصر 4 حروب خلال 25 سنة ضد إسرائيل منذ إنشائها.والثاني هو الخطاب الديني  ــ المعادي للسامية بحسب الموقع الأمريكي ــ  ويرجح الموقع الأميركي عدم تلاشي مشكلة الإرهاب في سيناء قريباً، ما يجعل الباب مفتوحاً لمزيد من التعاون الأمني والعسكري بين الجيشين المصري والإسرائيلي.

يُفهم من تقرير موقع  The Hill الأمريكي، أنه يراد لهذه الحرب العبثية على ما يسمى بالإرهاب أن تستمر من أجل التغطية على حالة العداء الأصيل مع إسرائيل؛  وبالتالي يتم إشغال الجيش المصري وقياداته بالحرب على  الإرهاب؛ لأن البديل هو التركيز على إسرائيل كعدو إستراتيجي أو إثيوبيا التي طفت على السطح كأكبر تهديد لأمن مصر القومي بسبب أزمة سد النهضة. وهي الأزمة التي قد يكون للإسرائيليين دور فيها من أجل إشغال المصريين بعدو آخر غيرهم لتمكين إسرائيل من تحقيق كل أطماعها دون خوف من الجيش المصري المشغول إما بالحكم من جهة أو البيزنس من جهة ثانية أو بأعدائه الآخرين (إثيوبيا ــ الإسلاميين ــ الأتراك) من جهة ثالثة.  ولا شك أن الفريق الثالث الذي يؤمن بضرورة التحالف مع إسرائيل هو الذي بات يهيمن حاليا على المؤسسة العسكرية المصرية بعدما تم إقصاء كل القيادات التي تعارض هذه التوجهات التي يفرضها السيسي على الجميع بالقهر والإرهاب.

خلاصة الأمر؛ أن المؤسسة العسكرية المصرية تعطي لديمومة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي أولوية مطلقة على تأسيس علاقة ثقة متبادلة وقوية مع الشعب المصري، حتى بات تطوير العلاقة مع "إسرائيل" وتعزيز التحالف معها في جميع الملفات السياسية والاقتصادية ، وحماية المصالح الأمريكية في مصر والمنطقة من ثوابت الأمن القومي المصري؛  وبالتالي فإن تصورات السيسي والمقربين منه من كبار الجنرالات تقوم على اعتبار أن أي تحولات سياسية أو اجتماعية  تحدث في مصر تفضي إلى زعزعة هذه العلاقة، أو تضعفها؛ هي في حد ذاتها تمثل تهديدا للأمن القومي المصري؛ وعليه فإن السيسي وكبار الجنرالات تعاملوا مع ثورة يناير  وإقامة نظام ديمقراطي في مصر باعتباره مسارا  شاذا يهدد الأمن القومي المصري؛ بمقدار ما يهدد العلاقة مع إسرائيل وأمريكا.  هذا التطابق في الرؤى والتصورات  بين كبار قادة الجيش في مصر مع رؤى وتصورات "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية، إنما يمثل انعكاسا لمدى الاختراق  الأمريكي الإسرائيلي للصفوف العليا في الجيش المصري منذ اتفاقية «كامب ديفيد» 1979م، حيث يتلقى الجيش مساعدات عسكرية من وشنطن قدرها "1.3" مليار دولار سنويا، كما يتلقى معظم القادة الكبار في الجيش دورات تدريبية ومحاضرات في الولايات المتحدة منذ أربعة عقود ليس فقط للتعرف على أفكارهم وتوجهاتهم بل لتشكيل عقليتهم بما يضمن حماية المصالح الأمريكية في مصر والمنطقة؛ وهو ما أسفر عن هذا الاختراق الواسع؛  فقد أدركت واشنطن أن السيطرة على الجيش تعني السيطرة على مصر؛ وبالتالي فإن حماية المصالح الأمريكية في مصر تتم بشكل مباشر من خلال التحالف الوثيق مع الجيش وهي العلاقة التي لا يمكن معها  استبعاد تجنيد أمريكا لقادة كبار بالجيش لحساب أجندتها التي ترى في حماية إسرائيل أساس وبوصلة السياسات الأمريكية في مصر والمنطقة. معنى ذلك أن المؤسسة العسكرية مخطوفة ويتم استخدامها لاختطاف مصر نفسها ولا بد من تحريرها، وحكم الجنرالات هو شكل من أشكال الاحتلال بالوكالة الذي يتعين على كل مصري غيور على هذا الوطن أن يقاومه بكل ما يملك ما استطاع إلى ذلك سبيلا.