هل تبدأ حرب دينية في الأقصى وتقسيم العبادة بعد سماح الاحتلال رسميا لليهود بالصلاة فيه؟

- ‎فيتقارير

استفزت محكمة إسرائيلية المسلمين بإصدارها قرارا يوم 6 أكتوبر 2021، هو الأول من نوعه منذ احتلال القدس عام 1967، يسمح لليهود بـالصلاة داخل حرم المسجد الأقصى بعدما كان مسموحا لهم فقط بـالزيارات.

قرار المحكمة الصهيونية معناه إعطاء اليهود حق الصلاة في المسجد الأقصى، وليس زيارة ساحة الأقصى فقط، أي تجاوز الوضع القائم في المسجد وتأسيس واقع جديد داعم    لـجماعات الهيكل، التي تسعى لهدمه وبناء معبدهم فوقه.

هذا ليس أول قرار من نوعه، فهناك حكم سابق للمحكمة العليا الإسرائيلية بالسماح لليهود بالصلاة في الحرم القدسي ، كجزء من حرية العبادة والتعبير، لكنها قالت إن هذه الحقوق ليست مطلقة ويمكن تقييدها مراعاة للمصلحة العامة".

رغم مسارعة محكمة إسرائيلية مركزية  أعلى في القدس، لإصدار حكم آخر يُلغي الأول الذي حصل عليه أحد الحاخامات مطالبا بالسماح له بـالصلاة الهادئة، دون ترانيم وأصوات عالية، يوم 8 أكتوبر الجاري، استعد المستوطنون المتطرفون للقيام برحلات واقتحامات والصلاة الجماعية هذه المرة لفرض أمر واقع جديد.

وتخشي سلطة الاحتلال الغضب الفلسطيني العارم وتهديدات حركات المقاومة الفلسطينية، التي ضربت القدس بالصواريخ في مايو 2021 ردا على انتهاكات صهيونية سابقة للأقصى، كما تخشى أن يربك ذلك حساباتها في التطبيع الذي نجحت في زيادة حصيلته أواخر 2020 إلى 6 دول عربية بدل اثنتين فقط.

ودعت جماعات الهيكل المتطرفة لتنفيذ الحكم الأول، رغم إلغائه  بعدما توقفت الشرطة الإسرائيلية عن منعهم من الصلاة بعد حماية اقتحاماتهم للأقصى للزيارة فقط دون الصلاة، وفق الاتفاق الذي تم بين موشى ديان وعلماء القدس 1967.

منظمة "بيدينو" المتطرفة واتحاد منظمات المعبد، احتفيا بقرار المحكمة ونشرا إعلانات كبيرة تطالب شرطة الاحتلال بالامتثال للحكم، وتدعوان لتدفق حافلات المحتلين للصلاة رسميا لأول مرة داخل ساحة الأقصى.

ونشرت مدرسة جبل المعبد الدينية إعلانات تدعو المستوطنين المتطرفين لاقتحام المسجد الأقصى ابتداء من الأحد 10 أكتوبر يوميا، لأداء الصلوات الجماعية والطقوس اليهودية علانية بعدما كانت محظورة.

خلال السنوات الأخيرة عملت الجماعات التلمودية الصهيونية على تكريس ظاهرة الصلاة الصامتة خلال اقتحامات المستوطنين الإسرائيليين للمسجد الأقصى المبارك لفرض أمر واقع جديد تمهيدا لبناء الهيكل اليهودي.

 

فرض واقع جديد

أثناء الحكم العثماني كان هناك سياسة تُسمى الوضع الراهن أو الوضع القائم، في القدس تنبع من فرمانات أو أنظمة قانونية عثمانية تحكم وضع الأماكن المقدسة في البلدة القديمة في القدس.

بعد انهيار الدولة العثمانية ثم احتلال القدس عام 1976 أصبح للأردن بموجب هذا "الوضع القائم" (Status Quo) صلاحيات الولاية الدينية على إدارة شؤون المسجد الأقصى والحرم القدسي، وتنظيم خروج ودخول المصلين المسلمين وزيارات غير المسلمين.

كانت العناصر الرئيسية لـلوضع القائم، تتضمن عدم السماح لغير المسلمين بالصلاة في منطقة المسجد الأقصى، 144 دونما تضم الأقصى والمُصلى القبلي، وقبّة الصخرة، وكافة المصليات والمباني والجدران والباحات.

حين احتلت إسرائيل القدس 7 يونيو 1967 أعلن الجنرال موردخاي غور قائد لواء المظليين 55، الذي دخل المسجد الأقصى أن جبل الهيكل في أيدينا، وقام برفع علم إسرائيل فوق مسجد قبة الصخرة.

استمر رفع العلم الإسرائيلي على المسجد ساعتين، حتى طلب القنصل التركي من موشيه ديان إنزال العلم الإسرائيلي عن المسجد، وأكد له أن المسجد الأقصى ملك للمسلمين كلهم.

اضطر موشيه ديان، في ظل غضب العالم الإسلامي العارم حينئذ لمطالبة "غور" بإنزال العلم الإسرائيلي عن قبة الصخرة فورا.

في اليوم التالي لاحتلال القدس 8 يونيو 1967 عقد موشيه ديان اجتماعا مع خطيب الأقصى ورئيس المحكمة الشرعية ومدير دائرة الأوقاف وأكد لهم استمرار سياسة الوضع القائم، أي عدم السماح سوى للمسلمين بالصلاة هناك.

لكنه  كمحتل طلب منهم مفتاح باب المغاربة للسماح لليهود بالصلاة عند حائط البراق (المبكي)، وسمح لليهود بزيارة الحرم القدسي دون الصلاة داخله.

في يوليو 1967 أصدر ديان بيانه الأول الرسمي حول المسجد الأقصى أكد فيه أن "اليهود يحق لهم زيارة ساحة المسجد الأقصى كسائحين دون ممارسة الصلاة والشعائر الدينية اليهودية داخله".

ودعمه في هذا الحاخامات الذين يحرمون زيارة ساحة الأقصى أو الصلاة فيها لأسباب دينية، إذ يعتبرون أن اليهود لا يزالون أنجاسا منذ غضب الله عليهم، ولابد أن يتطهروا أولا ببقرة حمراء، كما أنهم يخشون أن يجري تدنيس "قدس الأقداس" أي مكان المعبد اليهودي الذي يزعمون أنه في الأقصى.

كانت آلية الدخول لليهود للمسجد في الماضي مُحدّدة، حيث تم تخصيص بوابة المغاربة كمنفذ وحيد لليهود، ودخول المسلمين من باقي البوابات.

لاحقا بدأ الاحتلال السماح للسياح بالدخول من بوابات: المغاربة والسلسلة والقطانين، ثم بدأ السماح للمستوطنين بالدخول من بوابات أخرى أو اقتحامها بحماية شرطة الاحتلال.

الآن أصبح اقتحام المتدينين اليهود للمسجد من أبواب أخرى بخلاف باب المغاربة مثل بابي حطة والملك فيصل على شكل مجموعات كبيرة، وأداء شعائر تلمودية قبالة قبة الصخرة أمرا متكررا بحماية شرطة الاحتلال.

جاء إعلان رئيس الوزراء الحالي "نفتالي بنيت" يوليو الماضي 2021 حول حق اليهود في الصلاة وليس الزيارة فقط، رغم التراجع الشكلي، ليمهد فعليا لإلغاء الوضع القائم.

 

التطبيع فرصة

"الاحتلال بات يعتقد أن هذه الفترة مواتية لفرض سيادته على المسجد الأقصى في ظل انشغال الدول العربية والإسلامية بمشكلاتها الداخلية، بالإضافة إلى تكالب بعض الدول العربية والإسلامية على التطبيع معه لذلك بدأ التقسيم المكاني بعدما نجح في التقسيم الزماني.

يُقصد بـالتقسيم الزماني، تحديد الاحتلال أوقاتا معينة في المسجد الأقصى تكون مخصصة لدخول اليهود فقط، وأوقاتا أخرى للمسلمين.

 

الاحتلال يُجبر المسلمين على مغادرة الأقصى

في الفترة ما بين الساعة 07:30 حتى 11:00صباحا ومن بعد صلاة العصر حتى قبل صلاة المغرب، لتخصيص هذا الوقت لليهود، ويسمح بعدها بدخول المسلمين.

ويقتحم المستوطنون المسجد الأقصى بصورة شبه يومية على فترتين، صباحية وبعد صلاة الظهر، عبر باب المغاربة في الجدار الغربي للمسجد، بتسهيلات ومرافقة من الشرطة الإسرائيلية.

أما التقسيم المكاني، فيقصد به الاستيلاء تدريجيا على أجزاء من الحرم القدسي وعدد من مصليات المسجد لتحويلها لكنس يهودية لأداء صلواتهم بها ثم بناء الهيكل.

لتحقيق التقسيم الزماني والمكاني ينظم المستوطنون المدعومون من الحكومات الإسرائيلية المختلفة رحلات شبه يومية للمسجد الأقصى، لفرض أمر واقع جديد.

يبدو أن قرارات المحكمة الإسرائيلية محاولة رسمية لتقسيم الصلاة رسميا داخل الأقصى  على غرار ما حدث فعليا في الحرم الإبراهيمي بين المسلمين واليهود.

هدفهم تأسيس واقع جديد يصبح فيه داخل الأقصى صلاتان لليهود والمسلمين معا، تمهيدا لفرض وجودهم هناك على غرار المسجد الإبراهيمي والتحكم في دخول وخروج المسلمين للمسجد ثم بناء الهيكل فوق أنقاض الأقصى الذي يهدد المتطرفون بنسفه.

وكانت القاضية الإسرائيلية لمحكمة الصلح بالقدس زعمت أن "الصلاة الصامتة لليهود في المسجد الأقصى ليست عملا إجراميا" وسمحت لحاخام بالصلاة هناك رغم أنه يقف يصلي بصوت عالٍ قرب مسجد قبة الصخرة ويستفز المسلمين بحسب الشرطة الإسرائيلية.

وأمرت القاضية بإسقاط أمر تقييدي، فُرض على أحد الحاخامات بسبب أدائه صلاة صامتة في الأقصى معللة ذلك، بأنه لا يمكن تفسير الصلاة على أنها عمل إجرامي.

القناة السابعة الإسرائيلية قالت إن "قرار قاضية محكمة الصلح الإسرائيلية في القدس، غير مسبوق وهذه هي المرة الأولى التي تؤيد فيها محكمة صلاة اليهود في الموقع المقدس، المسجد الأقصى".

واعتبرت حركة حماس القرار خطوة على طريق التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، وحذرت من أنها سترد على العدوان على الأقصى كما فعلت في مايو 2021 وأنها جاهزة.

 

الأزهر: حرما إسلاميا خالصا

وأدان الأزهر الشريف في مصر، قرار محكمة للاحتلال الإسرائيلي، بالسماح لليهود أداء صلوات يهودية في المسجد الأقصى، واعتبر قرار القضاء الصهيوني بأحقية اليهود بالصلاة في المسجد الأقصى انتهاكا صارخا واستخفافا بالمواثيق الدولية والأعراف الإنسانية".

وانتقد الأزهر قرار قضاء الكيان الصهيوني، ورأي فيه استفزازا واضحا لمشاعر المسلمين حول العالم".

وشدد على أن الأقصى رمز إسلامي خالص، وأن المحاولات الصهيونية لتهويد القدس بما فيها المسجد الأقصى المبارك هي محاولات محكوم عليها بالفشل، مؤكدا سيبقى المسجد الأقصى حرما إسلاميا خالصا، وستبقى القدس عربية والاحتلال إلى زوال، ولو بعد حين".

وطالب الأزهر بمساندة الشعب الفلسطيني المظلوم ودعم نضاله المشروع نحو استعادة حقوقه المغتصبة وأرضه المُعتدى عليها.

وحذر من خطورة استمرار مخططات الاحتلال الإسرائيلي، لتهويد مدينة القدس المحتلة والأراضي الفلسطينية وتغيير معالمها، وطمس هويتها التاريخية الحقيقية في إطار محاولاته المستمرة لفرض الأمر الواقع.