كتب رانيا قناوي:
فرضت التظاهرات التي خرجت بالملايين ضد الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، نفسها للمقارنة مع التظاهرات التي تخرج في مصر ضد سلطة الاستبداد والانقلاب العسكري، والتي تواجه بالرصاص المحرم دوليا، ومن ينجو يتم اعتقاله وإخفاؤه قسريا وتعذيبه حتى الموت، أو يبقى في الاعتقال حتى يهرم عمره.
التظاهرت الأمريكية التي خرجت هذا الأسبوع مع بداية حفل تنصيب ترامب، واعتراض ملايين الأمريكيين على رئاسته نظرا لعنصريته، كشفت عن حجم الانتهاكات التي تحدث على يد الأجهزة الأمنية في مصر خلال مواجهات التظاهرات السلمية، التي راح ضحية مواجهة الشرطة لها، آلاف المصريين خلال 4 سنوات من التظاهر ضد نظام الانقلاب.
زي عندنا
وبالنظر للتظاهرات الأمريكية فحسب الإرشادات والتعليمات التى أعلنها منظمو المظاهرة الكبرى التى خرجت فى واشنطن رافضة الرئيس الجديد بعد تسلمه السلطة فى 20 يناير تم اتخاذ مجموعة من الترتيبات، أبرزها توفير دورات مياه متنقلة للمتظاهرين، وخدمات علاجية طارئة لكبار السن والأطفال.
فضلا عن تولى عشرة آلاف متطوع من الرجال والنساء مهمة الحفاظ على نظام المسيرة، وهو ما تم بالتعاون مع رجال الأمن والمختصين، إضافة إلى منظمات المجتمع المدنى وفى المقدمة منها المنظمات الحقوقية وجمعية المثليين الوطنية، وحزب الخضر وجمعية الصليب الأحمر. وانضمت إليها عدة منظمات تابعة للحزب الديمقراطى.
ولعل ما أعلن عنه منظمو التظاهرة، وخروجها بالشكل الذي تابعه ملايين المهتمين بالشأن الأمريكي، إذا ما قورن بالانتهاكات التي تحدث في مواجهة المتظاهرين في مصر، تكشف عن حجم انتهاك حقوق الإنسان في مصر، فشتان ما بين وطن يعطي الحق للإنسان أن يتظاهر ويكفل له حقوقه في توفير الأمن ودورات مياه وطواقم طبية لكبار السن، وبين نظام آخر ينشر البلطجية للاعتداء على الأطفال والنساء وواجه التظاهرين بالرصاصى الحي.
ويقول الكاتب الصحفي فهمي هويدي في هذا الإطار، "لم أتوقف عن الدهشة وأنا أقرأ التفاصيل، حتى قلت إننا حسدنا الدول الغربية التى تتولى فيها الشرطة حراسة المظاهرات وتأمين مسيرتها، لكننا لم نسمع عن أن هناك مظاهرات "سبع نجوم"، يدلل فيها المتظاهرون إلى الحد الذى يتم فيه توفير دورات المياه لهم إلى جانب الرعاية الطبية لكبار السن والأطفال.. حتى أن وزير الخارجية السابق جون كيري شارك المتظاهرين ثورتهم وكان يتجول بكلبه الخاص في التظاهرة".
التظاهر في مصر إرهاب
وأضاف هويدي خلال مقاله بصحيفة "الشروق" اليوم الأربعاء، "ما لا بد أن يثير استغراب أمثالنا ممن قيل لهم إن المظاهرة عمل إرهابى وإن المشاركة فيها مغامرة كبرى، باعتبار أن الذاهب إليها لن يعود إلى بيته وإذا قدر له أن يظهر فقد يرى فى سجن العقرب أو أمام نيابة أمن الدولة. تذكرت فى هذا السياق الفتى محمود محمد الذى كانت جريمته أنه ارتدى قميصا كتب عليه عبارة "وطن بلا تعذيب"، وبسبب هذه "الجريمة" فإنه قضى أكثر من 500 يوم فى السجن، لذلك كان مفاجئا لى أن هؤلاء الذين خرجوا فى واشنطن فى مظاهرة معادية لرئيس الجمهورية الجديد عادوا إلى بيوتهم بعد الظهر معززين مكرمين.
فيما قال الكاتب الصحفي صلاح منتصر فى جريدة "الأهرام" إن منظمى المظاهرات فى أمريكا يرسلون أسماء المشاركين فيها إلى الأجهزة الرسمية لكى تكون على علم مسبق بأعدادهم وأهدافهم وخط سيرهم. وهى الخلفية التى يشير إليها البعض فى القيود سياق تسويغ الشروط الأمنية التى تتبع فى بلادنا فى مثل تلك المناسبات، إلا أن هؤلاء ينسون أن حق التظاهر السلمى مثل حقوق الإنسان من الحقوق المكفولة والمحترمة فى الأنظمة الديمقراطية.
وتابع: "أما فى الأنظمة الأخرى فإن إرسال قوائم المشاركين إلى الأجهزة الرسمية (التى هى أمنية فى الحقيقة) يعد حماقة كبرى. إذ إنه بمثابة وشاية مبكرة تيسر مهمة الشرطة فى إلقاء القبض على الجميع وتجهيز قضية جديدة تتهم المتظاهرين بتكدير الأمن العام وتعطيل المواصلات والباقى بعد ذلك معروف".
فيما علق هويدي مرة أخرى قائلا: "مظاهرات الملايين التى خرجت فى الولايات المتحدة وغيرها من العواصم الغربية جاءت كاشفة عن مدى قوة الجماهير وشجاعتها فى المجتمعات التى تربت فى ظل الممارسة الديمقراطية الحقيقية. والفرق بين الديمقراطية الحقيقية علما بأن المزيفة يدل عليه المصير الذى يلقاه المتظاهرون السلميون فى الحالتين".