في ظل البلطجة والعربدة التي اعتادها نظام السيسي في تعاطيه مع أموال المصريين ورجال الأعمال في القطاع الخاص، يواصل النظام القمعي ضغوطه الجهنمية على رجل الأعمال صفوان ثابت ونجله سيف ، من أجل التنازل عن أسهمهم بشركة جهينة للصناعات الغذائية، كأكبر شركة للصناعات الغذائية بالشرق الأوسط، حيث يقبع صفوان ثابت ونجله في حبس انفرادي، ويواجه اتهامات غريبة بتمويل جماعة الإخوان المسلمين.
وأسفرت الضغوط المتواصلة على ما يبدو في اضطرار ثابت بإمكانية التنازل عن حصص لمراضاة مطامع العسكر، وأعلنت الشركة في بيان للبورصة، الخميس الماضي، عن تغييرات في الهيكل التنظيمي لمجلس الإدارة والذي تم تشكيله بناء على اجتماع الجمعية العامة العادية للشركة الشهر الماضي، أسفرت عن تولي أحمد الوكيل منصب رئيس مجلس الإدارة كمستقل، وتعيين مريم وهبة صفوان ثابت كعضوتين بالمجلس إلى جانب آخرين.
القرار أثار لغطا كبيرا حول اقتراب موعد تسوية مجحفة بحق آل ثابت، قد تصل لتصفية الشركة أو التنازل عن حصص حاكمة لصالح جهات سيادية تريد السيطرة على جزء أو كل الشركة، صاحبة الإنجازات الكبرى في مجالات العصائر والألبان بالمنطقة، في ظل توجه السيسي لإنشاء مناطق لوجستية كبرى لتجميع الألبان وتصنيعها لصالح الجيش، الذي يفتقر لإمكانيات جهينة وخبراتها، والتي سبق وأن رفضها صفوان ثابت، سواء ببيع جزء من شركته للجهات السيادية.
وجاء تعيين الوكيل، خلفا لرجل الأعمال السعودي محمد الدغيم، الذي ترأس الشركة عقب حبس كل من ثابت في ديسمبر من العام الماضي، ونجله سيف الذي تولى المنصب خلفا لوالده حتى تم القبض عليه مطلع فبراير الماضي.
ويشغل الوكيل، الذي يطلق عليه شاهبندر تجار مصر، منصب رئيس الغرف التجارية بالإسكندرية، وتقلد مناصب عدة من بينها رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية وعضو أمناء هيئة الاستثمار وجهاز تنمية التجارة ونائب أول لرئيس اتحاد الغرف الأفريقية.
وكان أول ظهور للوكيل على مسرح الأحداث في أزمة قضية جهينة، في يناير الماضي عندما قرر مجلس إدارة الشركة قبول استقالة صفوان ثابت من عضوية مجلس الإدارة، وتعيين أحمد الوكيل عضوا بمجلس الإدارة.
مخطط الاستيلاء
ووفق مراقبين، فإن تعيين الوكيل يعبر عن بداية تفاهم بين الجهة السيادية التي تدير الشركة منذ حبس ثابت الأب والابن، لأنه يحظى بثقة الطرفين، في حال التوصل إلى تسوية مع صفوان ثابت ونجله حول مستقبل أصول الشركة، وما إذا كان أي منها سينتقل إلى تبعية الجهاز السيادي أم سيقدر الجهاز قيمتها ماديا لآل ثابت قبل إنهاء حبسهم احتياطيا.
فيما يرى الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكر الله، أن قضية شركة جهينة تُبرز بقوة مدى تدخل الجهات السيادية والأمنية في عمل رجال الأعمال المصريين لأسباب مختلفة، وبأساليب وطرق متباينة، لكن من الواضح أن هناك خلافات بين ثابت والسلطة لا نعرف ماهيتها ، ولكنها تدور حول شراكة بشكل ما مع جهات ما.
ورأى ذكر الله وهو أستاذ اقتصاد بجامعة الأزهر سابقا -في حديثه للجزيرة- أن تشكيل مجلس إدارة جديد يضم ابنتي صفوان وتعيين الوكيل على رأس الشركة يأتي في إطار تقريب وجهات النظر لإيجاد طريق للخروج الآمن، والوصول إلى تسوية بأقل الخسائر، وليس تصفيتها أو انتزاعها، وذلك بعد عام من حبس صفوان ونجله، وجعل مصير الشركة على المحك، ورهنه بتطورات قضيته.
ولا يمكن قراءة ذلك بمعزل عن استمرار المعاملة السيئة التي يلقاها ثابت ونجله في السجن من حيث بقائهما في الحبس الانفرادي وعدم السماح لهما بالزيارة بشكل منتظم ومنعهما من التريض ومن دخول أي كتب أو مأكولات إليهما، والتشديد على الأسرة بعدم الحديث لوسائل الإعلام أو الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ونأت الأسرة بنفسها عن التحدث عن أوضاع ثابت ونجله عبر وسائل التواصل الاجتماعي في أعقاب توجيه نيابة أمن الدولة في أكتوبر الماضي، اتهامات للزوجة بهيرة الشاوي، بنشر وبث وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، بناء على مذكرة تحريات أعدها الأمن الوطني ضدها بعد أيام من نشرها مقطعا مصورا عبر حسابها على فيسبوك، ناشدت فيه رئاسة الجمهورية النظر في قضية زوجها ونجلها.
وفي سبتمبر الماضي، أعربت منظمة العفو الدولية "أمنستي" عن مخاوفها من استمرار حبس ثابت ونجله في زنزانة انفرادية منذ القبض عليهما، في ظروف وصفتها المنظمة بأنها "ترقى إلى التعذيب" وأهابت بسلطات الانقلاب الإفراج عنهما.
محاولات ابتزاز
وقال مدير البحوث وكسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة، فيليب لوثر، إن "صفوان وسيف ثابت يتعرضان للعقاب لمجرد التجرؤ على رفض طلبات مسؤولين أمنيين مصريين بالتخلي عن أصول شركة جهينة"، مشيرا إلى أنهما أبديا شجاعة نادرة في مقاومة محاولة المسؤولين لابتزازهما.
ورغم أزمة مؤسس الشركة ونجله، ارتفعت أرباح شركة جهينة إلى 490 مليون جنيه خلال الفترة من يناير حتى نهاية سبتمبر الماضي، بنسبة 27.7%، مقابل أرباح بقيمة 384 مليون جنيه خلال الفترة نفسها من 2020، وفق القوائم المالية المجمعة للشركة ..
وارتفعت مبيعات الشركة، خلال الـ9 أشهر الأولى من العام الجاري، إلى 6.52 مليارات جنيه بنهاية سبتمبر الماضي ، مقابل 5.62 مليارات جنيه خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.
لكن على المستوى البورصة تضرر السهم بشدة وهبط بنسبة 40% منذ منتصف يناير الماضي، متأثرا بأزمة حبس رئيس الشركة صفوان ثابت ونجله سيف على ذمة تحقيقات تتعلق بتمويل الإرهاب ودعم جماعة الإخوان المسلمين.
تلك النتائح تثير لعاب الجهات السيادية أكثر وأكثر بمصر لالتهام الشركة الأولى بالشرق الأوسط بمجال العصائر والألبان المعلبة.
وهو ما يعد رسالة سلبية لأي مستثمر يريد السوق المصري، بأنه لا مجال للعمل إلا بترضية المؤسسات السيادية من جيش ومخابرات ورئاسة وسلطة، وهو ما يمثل أبرز رسالة سلبية، تفسر تراجع أداء القطاع الخاص بمصر للشهر الـ12 على التوالي وفق مؤشر مندوبي المشتريات.
ولعل هروب أكثر من 21 مليار دولار من السوق المصرية سنويا خير دليل على النفور من توطين الاستثمارات من مصر، بعد عسكرة كاملة للاقتصاد تتجاوز حدود الاستحواذ على المناقصات والمشاريع إلى البلطجة وأكل أموال المستثمرين والشركات بذرائع واهية لا أساس لها.