في خطوة استهدفت امتصاص الغضب الشعبي بعد إعلان صفحة «إسرائيل بالعربي» نهاية أكتوبر 2021 استيلاء تل أبيب على أرشيف صحيفة الأهرام العريقة، أبلغت إدارة الجريدة النيابة للتحقيق مع إداريين بتهمة الفساد.
وأبلغ عبد المحسن سلامة رئيس مجلس الإدارة النيابة العامة ضد كلا من عمر سامي، رئيس مجلس الإدارة الذي تولاها عقب انقلاب 2013، وحاتم هزاع الموظف المفصول بتهمة تسهيل الاستيلاء على أموال المؤسسة.
تفويض دون سند قانوني
التحقيقات الداخلية حول كيفية تسرب أرشيف أقدم مؤسسة صحفية مصرية لإسرائيل، بينت أن رئيس مجلس الادارة "سامي" الذي تولى عقب الانقلاب وعزل ممدوح الولي رئيس مجلس الإدارة السابق، منح تفويضا دون سند قانوني أو مالي لشركة أردنية باعته لأخرى أميركية.
وأن الشركة الأمريكية "إيست فيو" اشترت الأرشيف مقابل 185 ألف دولار، لم تدخل خزينة المؤسسة الصحفية، وعاونه موظف يدعى حاتم هزاع استولى على نسخة كاملة من الأرشيف على "هارد" خاص به وأخذه إلى بيته خلسه.
ورغم إعلان الهيئة الوطنية للصحافة، ومؤسسة الأهرام توصلهما لهذه النتائج، تساءل صحفيون عن سبب الصمت على هذه الفضيحة منذ تولي رئيس مجلس الإدارة الحالي عبد المحسن سلامة عام 2017.
وكتب بعضهم على مواقع التواصل، يعتبر ما جرى ليس إلا خطوة لامتصاص الغضب الشعبي، وتصفية حسابات وسبوبة متهمين سلامة بالمسئولية، وأنه متضامن مع الفاسدين لأنه تولى إدارة الأهرام عام 2017 وصمت 4 سنوات كاملة.
أين ما استولى عليه السيسي؟
لكن الكشف عن فضيحة سرقة أرشيف الأهرام بما يتضمنه من أعداد قديمة ومعلومات عن مصر وقرارات ونيجاتيف صور تاريخية وقرارات مالية داخلية، فتح الباب أمام تساؤلات حول تراث مصر التاريخي التلفزيوني الذي استولي عليه السيسي عبر المخابرات الحربية، وسرقات أخرى للآثار التي ذهبت الإمارات وغيرها.
فقد استولت قناة DMC التابعة للمخابرات الحربية على أرشيف مبنى التلفزيون المصري العريق ماسبيرو، لتذيع أفلامه ومسلسلاته على قنواتها المختلفة بدون مقابل، كما قامت بتأجير إستوديوهات ماسبيرو لصالحها.
ووصل الأمر لإعطاء الهيئة الوطنية للإعلام – بديل وزارة الإعلام الحكومية-حق استغلال تراث التلفزيون المصري لشركة المتحدة للخدمات الإعلامية عام 2017 التي أسستها المخابرات الحربية للسيطرة على الدراما المصرية، دون أن يطالب أحد لمحاسبة من تنازلوا عن أرشيف التليفزيون القومي مجانا لتلفزيون الجيش في سياق تعظيم البيزنس الخاص به.
فساد إداري وصفقة مشبوهة
وكشف التحقيق في عملية البيع السرية لأرشيف الأهرام لإسرائيل فسادا ينخر مفاصل إدارة إحدى أعرق المنصات الصحفية بمصر والعالم العربي.
حيث ظهر الأرشيف الكامل لجريدة الأهرام المصرية بشكل غامض في حوزة المكتبة الوطنية لإسرائيل، عبر صفقة مشبوهة لم يُعلم بوجودها قبل ذلك.
وتعود القصة إلى 27 أكتوبر الماضي حين أعلنت صفحة إسرائيل عربي الناطقة بلسان الخارجية الإسرائيلية في تغريده أن "المكتبة الوطنية الإسرائيلية تدشن أرشيفا رقميا لصحيفة الأهرام المصرية".
قالت "أطلقت المكتبة الوطنية في أورشليم مشروعا جديدا لمشاركة الجمهور مخزونها من الوثائق والمعلومات، وهذه المرة تضع بين أيدي القراء في كل مكان نسخا من صحيفة الأهرام المصرية العريقة".
وتساءل المصريون عن كيفية وصول أرشيف الجريدة العريقة إلى دولة الاحتلال وكيف تمت الصفقة ومن سمح لإدارتها بذلك؟ وطالب صحفيون وكتّاب مصريون مؤسساتهم، بالتحرك لحماية أمنهم القومي وأرشيفهم الوطني من الاستغلال.
وكان ملفتا أن المكتبة الصهيونية أرفقت بالمنشور رابط ولوج لمنصة إيست فيو الأمريكية المتخصصة في الأرشيفات وتوفير المعلومات باللغات الأجنبية، وتملك لأجل ذلك قاعدة بيانات رقمية ضخمة لمجموعة من الكتب والصحف العالمية ما يعني أن الصفقة جرت عبر هذه المنصة، وليست مباشرة مع المكتبة الوطنية الإسرائيلية وهو ما فعله إداريو وموظفو الأهرام عقب الانقلاب مقابل 185 ألف دولار.
والأغرب أنه تبين أن العقد وُقّع من طرف واحد ولم يوقّع عليه ممثل الشركة الأمريكية، وأن قيمة الصفقة المشبوهة لم تدخل خزينة الأهرام حتى الآن وفق قوله.
وجرت تحقيقات داخلية في جريدة الأهرام بالتنسيق مع الهيئة الوطنية للصحافة، خلصت إلى اتهام حاتم هزاع بالاختلاس والاستيلاء على أرشيف الجريدة في الفترة من 1976 إلى 2013، وأخْذ نسخة كاملة منه على قرص صلب رقمي خاص به.
كما اتهمت التحقيقات عمر سامي مدير عام المؤسسة الأسبق الذي كان يشغل منصب المدير العام لإدارة أماك، الإدارة المسؤولة عن أرشيف الأهرام الميكروفيلمي، بتسهيل الاستيلاء على أموال المؤسسة من خلال إعطاء تفويض دون سند قانوني أو مالي لشركة أردنية لاستغلال المحتوى التحريري، وأرشيف المؤسسة، وهو الذي كان يشغل حينها منصب القائم بأعمال رئيس مجلس الإدارة لمدة 4 أشهر.
وفي الرابع من نوفمبر 2019، أعلنت شركة "إيست فيو" حصولها بشكل رسمي على أرشيف الأهرام في بيان حمل عنوان "رسميا أرشيف جريدة الأهرام متاح على الإنترنت".
قالت الرئيسة والمديرة التنفيذية للشركة، كينت دي لي، في بيان "تفخر إيست فيو بتقديم تراث الأهرام الهائل للتاريخ والنشر المصري الحديث، مع أكثر من 600 ألف صفحة، لتكون متاحة من خلال أرشيف الأهرام الرقمي على منصة إيست فيو غلوبال أركايف".