دلالات إصدار “اتحاد القبائل” بيانا عن هجمات ضد «ولاية سيناء».. أين الجيش؟

- ‎فيأخبار

تعود المصريون منذ سنوات ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013م الذي قاده الصف الأول من جنرالات الجيش المصري ضد الرئيس المنتخب الشهيد محمد مرسي، أن يتولى الجيش المسئولية عن إصدار البيانات التي تتعلق بما تسمى بالحرب على الإرهاب، لا سيما في المناطق الشمالية من شبه جزيرة سيناء التي تشهد مواجهات مسلحة تعهد الجنرال عبدالفتاح السيسي خلال السنوات الماضية بالقضاء عليها نهائيا لكنه فشل في كل مرة.

وأمام الأخبار التي كانت تتسرب من سيناء حول حجم المواجهات والدمار الرهيب الذي تخلفه جنود المؤسسة العسكرية ضد أهالي سيناء بدعوى هذه الحرب القذرة، سن النظام قوانين عديدة تستهدف منع نشر الأخبار عن سيناء نهائيا، وحظرت على جميع وسائل الإعلام نشر أي تفاصيل عن هذه الحرب القذرة إلا من مصدر واحد فقط هو بيانات الجيش. وهي  القوانين التي توعدت من ينشرون أي أخبار تخالف الرواية الرسمية للنظام بالسجن والغرامات الباهظة.

الجديد في الأمر، أن ما يسمى بـ"اتحاد قبائل سيناء" شرع مؤخرا في إصدار العديد من البيانات حول المواجهات المسلحة مع عناصر تنظيم "ولاية سيناء"، في ظل غياب للبيانات الرسمية من المؤسسة العسكرية التي توارت مؤخرا وجعلت اتحاد القبائل هو من يتصدر مشهد المواجهات.

وأعلن اتحاد القبائل يوم السبت 04 ديسمبر 2021م، عن تمكن مقاتليه من إحباط هجوم انتحاري كان يُعِد له اثنان من مسلحي تنظيم «ولاية سيناء» ضد أكمنة القوات المسلحة والشرطة في الشيخ زويد، شرقي محافظة شمال سيناء. وقال الاتحاد إن العملية تمت بعد رصد وتعقب من قبل قصاصي الأثر وبغطاء ميداني من تشكيلات القوات المسلحة. ونشر الاتحاد فيديو لمقاتليه أثناء إطلاقهم الرصاص على أفراد مختبئين في العشب وسط الصحراء، والذين لم يبدر منهم أي رد فعل، لا بتبادل إطلاق نار أو بتفجير نفسيهما، رغم إشارة البيان إلى أن الاشتباك وقع من «المسافة صفر» وأن الفردين كانا يرتديان أحزمة ناسفة لتفجير نفسيهما في الأكمنة العسكرية.

 

ماذا يريد الجيش من هذا التحول؟

التفسير الأكثر رجحانا أن المؤسسة العسكرية تفزع من الانتقادات الحقوقية والإعلامية التي تتهمها باغتيال مواطنين خارج إطار القانون، وقد جرى تسريب مقاطع فيديو تبرهن على صحة هذه الاتهامات كما فعلت قناة الجزيرة من قبل، وبالتالي فإنها كلفت مليشيات ما يسمى باتحاد القبائل بالقيام بهذه المهام القذرة تحت رعايتها وإشرافها؛ وبالتالي فإن ذلك قد يقلل من حدة الاتهامات التي تلاحقها لأن المشهد جرى إخراجه كما لو كان الصراع هو دفاع عن النفس من جانب الأهالي الذين يقفون إلى جانب الجيش ضد تنظيم ولاية سيناء والمسلحين عموما الذين  يرفضون سياسات الجيش في المنطقة.

لكن السؤال الأهم: هل تتمتع مليشيات اتحاد القبائل بأي شرعية قانونية؟ ومن أعطاها هذه الشرعية؟ ولماذا تقوم بأدوار هي من صلب مهام مؤسسات الدولة؟ فهل يعني ذلك أن الدولة تتخلى عن دورها لحساب هذه المليشيات التي جرى تسليحها من جانب أجهزة النظام؟ أم أن هؤلاء المسلحين الذين يقتلون بعض المواطنين بوصفهم إرهابيين ينتمون إلى ولاية سيناء هم بالأساس جنود جرى إلباسهم زي البدوي حتى يتم إلصاق الجريمة باتحاد القبائل لا مؤسسة الجيش؟!

اللافت أيضا أن بيان اتحاد القبائل الأخير يأتي ضمن سلسلة بيانات نشرها اتحاد القبائل خلال الأسبوع الماضي، وتضمنت الإعلان عن هجمات على مسلحي «ولاية سيناء» في وسط وشرق شمال سيناء، والتي أسفرت، بحسب الاتحاد، عن مقتل مسلحين وأسر آخرين. وكان الاتحاد أعلن، في أول ديسمبر 2021، عن قتل اثنين من مسلحي «ولاية سيناء» في مناطق وسط سيناء، وصفهم بأنهم «مهندسين زرع العبوات الناسفة»، أثناء محاولتهم نقل عبوات ناسفة ومعدات تستخدم في عمليات التفجير، وعثر بحوزتهم أيضًا على أسلحة وأجهزة اتصال لاسلكي.

كما يتعين التنويه إلى أن بيانات اتحاد القبائل المتتالية خلال الأيام الماضية، تأتي وسط غياب بيانات المتحدث العسكري للقوات المسلحة عن عمليات في سيناء، وهو المصدر الرسمي الوحيد بخصوص العمليات العسكرية في شمال سيناء، والتي نُشر آخرها قبل أربعة أشهر؛ في 12 أغسطس الماضي.

 

اختفاء منشورات الهجوم

على الجانب الآخر اختفت أيضًا بيانات هجمات «ولاية سيناء» التي كانت تُنشر بشكل مستمر على المنصات الإعلامية التابعة لتنظيم «داعش»، والتي كان يُعلن خلالها مسؤوليته عن قتل أفراد الجيش وتفجير الآليات العسكرية. فمنذ أكتوبر وحتى ديسمبر الجاري 2021 لم يُعلن التنظيم مسؤوليته عن هجمات سوى ثلاث مرات فقط، في ثلاثة إصدارات من مجلة النبأ، التي تصدر كل خميس. والتي تعتبر الناشر الإعلامي الرئيسي لتنظيم الدولة في كل مناطق نشاطه. وحملت الأعداد 308، و310، و314، أخبارًا عن هجمات للتنظيم في شمال سيناء، عبارة عن تفجير عبوة ناسفة في دبابة في قرية قصرويت ببئر العبد، وتفجير أخرى في مدرعة في قرية المشبه في وسط سيناء. ويُشير تنفيذ الهجومين في وسط سيناء وبئر العبد، مع بيان اتحاد قبائل سيناء الخاص بإحباط عمليات نقل عبوات ناسفة ومعدات في وسط سيناء للتنظيم، أن خلايا «ولاية سيناء» في تلك المناطق التي وصل إليها خلال العام الماضي، هي التي لا يزال لها القدرة على شن هجمات ولو محدودة في ظل انعدام هجمات التنظيم في مناطق منشأه أقصى شرق شمال سيناء في الشيخ زويد ورفح، وسط استسلام مسلحيه للكمائن العسكرية بين الحين والآخر.

انحسار الهجمات يأتي ــ وفقا لموقع "مدى مصر" ـ متماشيًا مع انحسار أخبار تشييع جنازات أفراد القوات المسلحة التي تغطيها المواقع المحلية بوصفهم قُتلوا أثناء خدمتهم في سيناء، حيث شُيع خلال نوفمبر الماضي، ثلاثة جنازات فقط: المجند، أحمد رجب بكري شلبي، من محافظة بني سويف، والمجند، محمود أحمد عبد الرحيم بصيص، من محافظة البحيرة، والمجند، هشام جمال شمس الدين، من محافظة المنيا. بين ذلك، أعلن اتحاد قبائل سيناء، الأحد 21 نوفمبر، مقتل ثلاثة من مقاتليه من قبيلة الترابين أثناء «تأديتهم واجبهم الوطني في تطهير مناطقهم من عبوات وألغام العناصر الإرهابية (التكفيرية)».

مقتل مدنيين أثناء الكشف أو تفكيك العبوات الناسفة في شمال سيناء تكرر في أكثر من مناسبة، خاصة بعد تمدد «ولاية سيناء» باتجاه مدينة بئر العبد العام الماضي وتوسعه في استخدام العبوات الناسفة والتي طالت المدنيين في كثير من الأحيان. وهو ما يثير السؤال حول دور المدنيين في مهمات دقيقة مثل تفكيك العبوات الناسفة، التي تضطلع بها وحدات عسكرية متخصصة مدربة، وذلك وسط استعانة القوات المسلحة والأجهزة اﻷمنية بأشكال مختلفة، بمدنيين في حربها على التنظيم.

مصدر محلي في بئر العبد كان قد قال لـ «مدى مصر» سابقًا إن الجيش درّب بعض المدنيين على كشف وتفكيك العبوات الناسفة عقب انسحاب التنظيم من قرى بئر العبد، وسماح الجيش ﻷهلها بالعودة لها، ليكتشفوا ترك التنظيم فخاخًا من العبوات الناسفة في منازل القرى. لاحقًا، قُتل مدني في قرية تفاحة التابعة لبئر العبد أثناء تفكيكه عبوة ناسفة، ولحقه، في يناير الماضي، آخر في قرية المقاطعة بالشيخ زويد أيضًا، أثناء تفكيكه عبوة ناسفة، قبل أن يقتل آخر في سبتمبر الماضي أثناء تفكيكه عبوة ثالثة في قرية البرث، جنوب رفح.