كارثة جديدة متوقعة بمصر تعيد الأوضاع الاقتصادية في البلاد لأجواء التعويم الذي جرى في 2016، حينما جرى تحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، فقد وصل سعره أمام الدولار لأكثر من 20 جنيها ، ثم تدخلت حكومة الانقلاب بطرح كميات كبيرة من النقد الأجنبي بالأسواق ، لضبط سعره حتى وصل حاليا لنحو 15.7 جنيها مقابل الدولار، التعويم المقبل يراه خبراء أكثر كارثية وأشد تاثيرا على الاقتصاد المصري.
يأتي ذلك في ظل تراجع مستويات الإنتاج وزيادة الديون وفوائدها التي وصلت لمستويات قياسية مؤخرا، والتي يقدرها البعض بأكثر من 240 مليار دولار، في حين يعمق الإنفاق البذخي على المشاريع الفنكوشية للسيسي الأزمة، وسط انصراف الاستثمارات المباشرة عن مصر إثر سياسات العسكرة التي تأكل أكثر من 60% من حجم الاقتصاد المصري.
الأموال الساخنة
وتصاعد ظاهرة الأموال الساخنة التي تهاجر من مصر يوميا بعد تحقيق أرباح كبيرة في الاستثمار في سندات الخزانة، والتي تطرحها الحكومة لتمويل العجز المالي الكبير في الموازنة.
ولعل الخطر الذي ينتظر مصر خلال الأيام المقبلة، اتجاه مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) لرفع سعر الفائدة،
حيث يتوقع صانعو السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إقرار 3 زيادات للفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في 2022، و3 زيادات أخرى في 2023، لمواجهة التضخم، وهو ما يعني أن تغادر رؤوس أموال أجنبية الأسواق الناشئة، ولا سيما من مصر التي تواجه مخاطر مالية وتتجه صوب أميركا.
تلك الكارثة تعني تفاقم أزمة فوائد الديون الخارجية التي يزيدها المنقلب السفيه السيسي يوميا إثر سياسات الإنفاق غير المنضبطة، وفي سبتمبر الماضي، قالت وكالة ستاندرد آند بورز الأميركية للتصنيف الائتماني، إنّ "على مصر أن تجد وسيلة لخفض دفعات فوائد الدين الأجنبي، إذا كان لها أن تتفادى الوقوع في أزمة في حال ارتفاع سعر الفائدة العالمية في المستقبل".
ديون غير مسبوقة
ويعاني الاقتصاد المصري من معدل مرتفع من الديون الخارجية، فيما انخفاض في الدخل بالعملات الصعبة بسبب الكساد في السياحة.
وقفز الدين الخارجي لمصر إلى 137.85 مليار دولار بنهاية يونيو 2021، مقابل 123.49 مليار دولار بنهاية يونيو 2020، بنسبة زيادة بلغت 11.57%، وفق بيانات صادرة عن البنك المركزي في أكتوبر الماضي.
وبدأت مؤشرات استفحال التضخم العالمي خلال الأعوام المقبلة تهدد استقرار معظم الدول، وبينها مصر، خصوصا مع تداعيات الأزمات، وأبرزها جائحة كورونا،
الظروف النقدية العالمية
ووفق تقرير حديث لوكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني العالمية، فإن "اعتماد مصر على التمويلات الخارجية يجعلها عرضة لتغيرات الظروف النقدية العالمية".
ولفت التقرير إلى أن تراجع السيولة العالمية يحمل مخاطر رئيسية لمصر، وأشار تقرير الوكالة إلى أن مصر قد تلجأ إلى صندوق النقد الدولي، من دون أن يحدد نوع الدعم الذي قد تطلبه القاهرة من الصندوق.
وكان هناك اتفاق لا يتضمن تمويلا، مطروحا على الطاولة في مناقشات مصر مع الصندوق في عام 2019 بعد نهاية برنامج التسهيل الائتماني البالغة قيمته 12 مليار دولار لمدة ثلاث سنوات، لكن تحول الاتجاه بعد ذلك إلى برنامج دعم مالي مرتبط بجائحة كورونا العام الماضي، بقيمة 5.2 مليارات دولار.
وبعد تثبيتها أخيرا للتصنيف الائتماني طويل الأجل لمصر عند +B مع نظرة مستقبلية مستقرة، حذرت وكالة "فيتش" من أن التدفقات الوافدة "يمكن أن تنسحب استجابة لأي صدمة ثقة أو تحول في ظروف السيولة العالمية، ما قد يضع السيولة من العملات الأجنبية وأسعار الفائدة والصرف تحت الضغط".
ووصلت حيازات الأجانب من الديون الحكومية إلى 34 مليار دولار في سبتمبر في نمو قياسي بعد صدمة الأسواق العالمية في بداية الجائحة العام الماضي، وأشار تقرير "فيتش" إلى أن إدراج السندات السيادية المصرية بمؤشر "جيه بي مورغان" لديون الأسواق الناشئة في يناير 2022، إضافة إلى التمويلات غير السوقية وتحسينات هيكل السوق، يمكن أن يوفر بعض الدعم الهيكلي لطلبات المستثمرين.
لكن على الرغم من ذلك، يتوقع محللون تضرر الاقتصاد المصري من تبعات التضخم العالمي، وهو الأمر الذي يتطلب خطة محكمة لتفادي الارتفاعات المتوقعة في الأسعار عالميا وتأثير ذلك في السوق المصرية.
أزمات السوق المحلي
وأثرت الأزمة العالمية في أسعار السوق المحلية في مصر، إذ ارتفعت أسعار معظم المنتجات ومواد البناء، ووفق مؤشر "آي.إتش.إس ماركت" لمديري المشتريات، انكمش نشاط القطاع الخاص غير النفطي في مصر للشهر الثاني عشر على التوالي في نوفمبر الماضي، متأثرا بارتفاع أسعار المنتجات، ما عرقل إنفاق العملاء، وسبّب انخفاض الطلبيات الجديدة بأسرع وتيرة في عام.
وأظهر المؤشر الصادر في وقت سابق من ديسمبر الجاري، أن نشاط القطاع الخاص غير النفطي سجل 48.7 نقطة، أي دون مستوى الخمسين نقطة الفاصل بين النمو والانكماش، وهو المستوى نفسه الذي بلغه في أكتوبر الماضي.
وأمام هذا المشهد المأزوم، يراهن خبراء على اتخاذ نظام السيسي خطوات سريعة، نحو تقليص مستوى الاستدانة من الخارج، أو اتخاذ البنك المركزي خطوات نحو التحوط من تبعات التضخم المتزايد، وذلك عن طريق رفع أسعار الفائدة، أو تسعير مباشر لبعض القطاعات الرئيسية حال خروج حركة تداولها عن السيطرة، كما يحدث في الأسمدة وبعض مواد البناء واللحوم، ومن المفترض أن يتولى المجلس التنسيقي الذي صدر قرار جمهوري بتشكيله، التنسيق بين البنك المركزي والحكومة في هذا الشأن.
إلا أن حكومة المنقلب السفيه السيسي تبدو مرتبكة حيال التعامل مع التضخم والزيادة المحتملة في أسعار الفائدة العالمية، التي تدفع رؤوس الأموال الأجنبية إلى الرحيل. ومن دلائل الارتباك في التعاطي مع الأزمة، إبقاء البنك المركزي المصري على أسعار الفائدة كما هي، في ظل إقدام الفيدرالي الأمريكي على رفع الفائدة، ، ورغم قرار مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي البدء بوقف شراء 120 مليار دولار من سندات الخزانة الأميركية شهريا، وتنبيه السوق إلى أن أسعار الفائدة سترتفع بنهاية العام المقبل إلى ثلاثة أضعاف ما هي عليه الآن، إلى 0.9%، وأن معدل التضخم سيبلغ 2.6%، ثم يرتفع سعر الفائدة إلى نحو ثلاثة أضعاف مرة أخرى بنهاية عام 2023 إلى 1.6%، ثم إلى 2.1% عام 2024.
تفاقم أزمات الاقتصاد المصري
وهو ما يفاقم أزمة الاقتصاد المصري المعتمد في تمويله الأجنبي على القروض في ظل ضعف التصدير والإنتاج وتراجع السياحة وعوائدها، وضعف القدرة على خلق فرص بديلة عن الاستدانة، مع تنحية نحو 60% من عوائد الاقتصاد التي يسيطر عليه العسكر عن الموازنة العامة للدولة، وهو ما يعني تصاعد الأزمة الاقتصادية بمصر، واستمرار ارتهان الاقتصاد المصري لتقلبات السوق العالمي، في ظل إهمال سياسات الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الإستراتيجية ، كالقمح والحبوب والمنتجات الغذائية، وهو ما يحوّل مصر لمجتمع من الجياع وسط انهيار محتدم للعملة المحلية ، ما يرفع جميع أنواع السلع والأدوية والخدمات والمنتجات المصنعة وغير المصنعة.