في سلسلة من الإجراءات القمعية التي لا تتوقف ، يطارد نظام السيسي كل نشاط للمدنيين، وكل ما هو بعيد عن خزائن العسكر التي يشرف عليها السيسي وعصابته بعيدا عن موازنة الدولة، جاءت تشريعات السيسي وقرارات حكومته الإدارية والأمنية للتضيق على مئات الآلاف من العاملين بقطاع المقاولات والعقارات.
حيث أقر مجلس وزراء الانقلاب الأربعاء الماضي، تعديلا على قانون "تنظيم أعمال الوكالة التجارية وبعض أعمال الوساطة التجارية والعقارية" رقم 120 لسنة 1982، بدعوى مواجهة التوسع الحاصل في نشاط الوساطة العقارية باستحداث قواعد جديدة للحد من نشاط الوسطاء العقاريين، وتأثيم بعض الأفعال المستحدثة بما يحقق الردع العام.
ويحظر تعديل القانون مزاولة أي عمل من أعمال الوساطة العقارية، إلا لمن يكون اسمه مقيدا في السجل المنشأ لهذا الغرض، ومعاقبة كل من يمارس مهنة الوساطة العقارية، أو يمارس عملا من أعمالها، أو ينشئ أو يدير منشأة لأحد هذه الأغراض، من دون القيد بالسجل الخاص بذلك.
ويعاقب التعديل كل مقيد في سجلي الوكلاء والوسطاء التجاريين أو الوسطاء العقاريين، بناء على بيانات غير صحيحة أو كاذبة أو مضللة أو تخالف الثابت في السجلات، أو حجب أي بيانات أو معلومات أو سجلات أو مستندات كان من الواجب تقديمها، في شأن توافر شروط القيد بأي من هذين السجلين.
كما يعاقب كل وكيل أو وسيط تجاري أو عقاري مارس العمل بعد زوال أحد الشروط الملزمة في هذا الخصوص، مع علمه بذلك، وكذلك عند وقوع الجريمة بواسطة شخص اعتباري مسايرة للاتجاهات الجنائية الحديثة التي تقرر مسؤولية هؤلاء الأشخاص، وإلزام الوسيط العقاري بإمساك سجل تقيد فيه عمليات الوساطة العقارية، والعمولات والمبالغ التي تقاضاها وثمن المعاملة وتاريخ إجرائها، والبيانات الشخصية للمتعاقدين، والعربون الذي تم دفعه لإتمامها، وغيرها من المعلومات والبيانات التي يحددها الوزير المختص بشؤون التجارة.
التضييق على السماسرة
ويلزم التعديل الوسيط العقاري بتقديم هذا السجل ونسخ من الوثائق والمعلومات والعقود التي يحتفظ بها للوزارة المختصة عند الطلب، وتحرير عقد الوساطة العقارية كتابة موضحا فيه البيانات اللازمة، وعلى وجه الخصوص تاريخ تحريره، واسم الوسيط العقاري، والعميل، والرقم القومي لهما، وبيانات الوسيط من واقع السجل التجاري، ورقمه الضريبي، ومواصفات العقار أو الوحدة أو الأرض.
ويوجب أن يتضمن عقد الوساطة العقارية حدود عمل الوسيط العقاري، والصلاحيات اللازمة للتأكد من بيانات العقار أو الوحدة أو الأرض لدى الجهات الحكومية وغير الحكومية، وذلك في حدود الوكالة الرسمية التي تصدر له من طرفي عقد الوساطة العقارية أو أحدهم، على أن يثبت بعقد الوساطة العقارية وسيلة الدفع بصورة كاملة.
ويلزم التعديل بالتحقق من بيانات العقار أو الوحدة أو الأرض، للتأكد من المعلومات المقدمة من ذوي الشأن، ومطابقتها مع المعلومات الفعلية المسجلة لدى الجهات الإدارية، سواء من حيث المساحة أو الوصف الصحيح. كما ألزم الوسيط العقاري بالحفاظ على سرية المعلومات التي يتصل علمه بها، أو لا يفصح عنها.
ويفرض أيضا تحصيل العمولة المتفق عليها في عقد الوساطة العقارية بوسائل الدفع غير النقدي، وحظر دفع أي مبالغ نقدية إلا في حدود مبلغ لا تتجاوز نسبته 5% من القيمة الإجمالية للعمولة المتفق عليها، مع رصد عقوبة مناسبة عند مخالفة الالتزام الأخير، أو مخالفة الأحكام السابقة حتى تحقق الردع المستهدف تحقيقه، وفقا لتعديل القانون.
وتمثل التعديلات المنصوص عليها محاولة للسيطرة الأمنية أولا على سوق العقارات في مصر ومطاردة المستأجرين وإخضاعهم للرقابة الأمنية، حيث سبق ذلك العديد من القرارات الأمنية التي تحظر على أي ممن يمارسون السمسرة والكاتبة العقارية الإبلاغ عن شخوص المستأجرين وتسليم أقسام الشرطة نسخة من العقود المبرمة، وتقديم الأسماء وصور البطاقات الشخصية للمخبرين وأمناء الشرطة، في ظل مطاردة المعارضين السياسيين أولا، مع التغاضي عن المجرمين الجنائيين الذين يحظون بحماية الضباط والأمناء، بل يشارك بعض الضباط المجرمين في تجارتهم المحظورة كالمخدرت والدعارة وغيرها.
علاوة على ذلك، فان التشريع يركز على قيمة العقود والأثمان وقيمة العمولات ورصدها ، تمهيدا لسداد الضرائب والرسوم الحكومية التي تفاقم أزمات العقار ووتزيد من معاناة الفقراء وعموم المصريين.
كما يذهب مراقبون إلى منحى أخطر من كل ذلك، وهو التضييق على أنشطة العقارات التابعة للمدنيين، في ظل ركود وغلاء العقارات التي يبنيها السيسي في المدن الجديدة والصحراء، ويبيعها بأثمان باهظة، إلا أن غلاء أسعارها وانصراف المشترين عنها يفاقم أزمات السيولة لدى النظام، الذي تحول من تنظيم السوق إلى المنافسة فيه، بل والمشاركة والتحكم فيه وإدارته لحسابه، وهو ما يمثل قمة الفشل الاقتصادي ، إذ أن القطاع الخاص لا يستطيع منافسة الشركات العسكرية التي تستولي على المناقصات والمشاريع بالأمر المباشر، وبلا ضرائب أو رسوم أو جمارك ، وبلا أجور عمالة، إذ يستخدم الجيش وشركاته المجندين بنظام السخرة.
تدمير قطاع العقارات والمقاولات
وكان السيسي دعا المواطنين إلى "وضع مدخراتهم من الأموال في البنوك، بدلا من استثمارها في مجال العقارات"، مشددا على عدم السماح لأحد بعد الآن، باستثناء أجهزة الدولة، بالبناء في مشاريع الإسكان لمدة 10 سنوات، إلى حين وضع آليات منضبطة من الحكومة بشأن التراخيص وخلافه!
وزعم السيسي، على هامش احتفالية أقامها في مدينة أسوان الجديدة، الثلاثاء الماضي، إنه "لا توجد آليات منضبطة للبناء في مصر، وهذه ليست مشكلة قاصرة على الوزير أو المحافظ، ولكنها ثقافة تمددت داخل المجتمع، وخرجت عن السيطرة، وأصبحت ممارسات يصعب مواجهتها بالنظم والوسائل التقليدية"، مستطردا "يجب إتاحة المجال لوزارة الإسكان، ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية، لبناء المزيد من الوحدات السكنية في المدن الجديدة".
وهو ما يعني استمرار وقف تراخيص البناء للأهالي وللقطاع المدني ما يخرب الاقتصاد المصري بصورة كبيرة، إذ أن قطاع العقارات والمقاولات يضم أكثر من 226 مهنة وقطاعا آخر مرتبط به ، وهو ما يفاقم أزمة السكن بمصر في ظل غلاء أسعار يتوحش في تقديره نظام السيسي، إذ تقدر الشركات العسكرية والقطاع الحكومي المساكن المبنية بقلب الصحراء بأكثر من 600 ألف جنيه للوحدة البالغ مساحتها نحو 100 م وهو ما يعجز عن الوفاء به ملايين المصريين، الذين يكابدون الغلاء وتدني الرواتب وزيادة الرسوم والفقر.
وإجمالا فإن قرارات السيسي وتشريعاته تستهدف القمع الأمني وملاحقة المستأجرين ووقف أعمال البناء والمقاولات بعيدا عن شركات العسكر المتوحشة في تقديراتها وتخريب القطاع الخاص.