نشر "موقع المعهد المصري للدراسات" مختصرا مُركّزا للباحث عادل رفيق، لترجمة دراسة لروبرت سبرينجبورج، أستاذ الدراسات الدولية المرموق في جامعة سيمون فريزر والباحث في المعهد الإيطالي للشؤون الدولية، أكد فيها أن سياسة السيسي الاقتصادية تعتمد على محاولة تحقيق حالة إبهار مُلفتة، من خلال المشاريع الضخمة وشراء الأسلحة لتعزيز شرعيته، حيث جاء إلى السلطة عبر انقلاب على الحكومة الشرعية".
وأضاف في دراسته التي نشرها موقع مؤسسة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط (بوميد) في 7 يناير 2022 بعنوان “تتبع مسار المال لتعرف حقيقة مصر السيسي” أنه في سبيل تحقيق ذلك، تضغط الحكومة على المواطنين من خلال التخفيض المستمر للدعم وفرض المزيد من الضرائب وزيادة رسوم الخدمات العامة، بالرغم من الدعم الهائل الذي تلقاه السيسي.
دولة متسولة
وأشار الباحث سبرينجبورج، الدولة المُتسْوِلَة حقيقة مصر السيسي، إلى أن مصر أصبحت حسب تعبيره “دولة متسولة”؛ وتضغط الحكومة أيضا على القطاع الخاص بطرق شتى ليس أقلها “استحواذ الجيش على العديد من المؤسسات الخاصة المربحة” والأخطر فيما توصلت إليه دراسة سبرينجبورج، هو أن هناك أوجه تشابه بشكل ملحوظ بين الفشل المريع الذي شهده الاقتصاد اللبناني، والواقع الحالي للاقتصاد المصري المتعثر، مما يُنذر بعواقب وخيمة على مصر والمنطقة، إذا لم يتم تدارك الأمر واتخاذ الدول الصديقة خطوات تصحيحية لإنقاذ مصر من هذا المصير، بدلا من الاستمرار في الانغماس في دعم نظام السيسي.
نقاط سبرنجبورج
وقال الباحث المرموق إن "السيسي يدير السياسة الاقتصادية لمصر كما لو كانت البلاد واحدة من الدول الريعية الغنية بالنفط، على غرار المملكة العربية السعودية؛ أو دولة تجارية ناجحة تحت حكم أوتوقراطي، على غرار الصين، على الرغم من أن مصر ليست هذه ولا تلك".
واعتبر أن "شراهة نظام السيسي لإنفاق المال كبيرة، لكن الكماليات، وليست الضروريات الأساسية، هي التي تلتهم الجزء الأكبر من إيرادات الدولة، بالرغم من تزايد عدد السكان، حيث يعتمد السيسي الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب، على عامل الإبهار من خلال المشاريع الضخمة وشراء الأسلحة بهدف تعزيز شرعيته".
ولفت إلى أنه حتى تتمكن من سداد تكاليف هذا السرَف في الإنفاق على تلك المشاريع الضخمة وشراء الأسلحة، تضغط الحكومة على المواطنين من خلال خفض الدعم، والضرائب التنازلية ، حيث تمثل الضريبة التنازلية عبئا أكبر على الفقراء، بالنظر إلى مواردهم مقارنة بالأثرياء، وزيادة رسوم الخدمات العامة، حيث يعاني المصريون من ركود الأجور وارتفاع الأسعار وارتفاع معدل البطالة، حيث يبلغ دخل حوالي 30 مليون مواطن أقل من 3.20 دولار في اليوم".
استحواذ الجيش
وقال سبرنجبورج إنه "لتوفير الإيرادات اللازمة، يضغط النظام أيضا على القطاع الخاص، من خلال أوجه عديدة، بما في ذلك استحواذ الجيش على العديد من المؤسسات الخاصة المربحة".
وأكد أنه "من أجل حماية الاقتصاد من الانهيار، فإن مصر السيسي مضطرة إلى الاعتماد بشكل متزايد على الائتمان الأجنبي، حيث تضاعف إجمالي الدين القومي لمصر، الذي يبلغ الآن 370 مليار دولار، أي أربع مرات منذ عام 2010، ويلتهم سداد فوائد الدين المحلي والأجنبي أكثر من ثلث ميزانية مصر، أي أكثر من ضعف المبلغ الذي كان يستهلكه في عام 2009".
الوضع اللبناني
وقال سبرنجبورج "هناك أوجه تشابه ملحوظة بين الفشل الذريع الذي آل إليه الاقتصاد اللبناني والوضع المتعثر للاقتصاد المصري حاليا، لكن العواقب الوخيمة لانهيار الاقتصاد اللبناني ستكون أسوأ بكثير إذا تكررت حالة الفشل الاقتصادي تلك في مصر، فَحَريّ بالدول الصديقة لمصر أن تتخذ خطوات تصحيحية لهذا الوضع قبل حدوث ما لا تُحمد عقباه، بدلا من الاستمرار في تكريس دعمها لنظام السيسي".
وأضاف أنه رغم أن "مصر ليست لبنان، بالنظر لأحد الجوانب الحاسمة في ذلك، حيث يُنظر إلى مصر على نطاق واسع على أنها أكبر من أن يُسمح لها بالفشل، في حين أن لبنان أصغر من أن تضمن الحصول على الدعم الخارجي المناسب".
وأشار إلى أن عواقب انهيار الثقة في لبنان مدمرة، لكنها لن تكاد تُذكر إذا تكررت هذه المأساة على النطاق المصري، فمن الأفضل أن يتخذ داعمو مصر خطوات تصحيحية للأوضاع في البلاد قبل حدوث ذلك، بدلا من استمرارهم في الانغماس في دعم خديوي مصر المعاصر".
ونبه إلى دراسة تقول إن "التدهور الاقتصادي في مصر تحت حكم السيسي هو في الحقيقة بنيوي بطبيعته ، وليس نتيجة تباطؤ مؤقت في التوظيف والإنتاج والطلب ، وبالتالي فإنه من غير المحتمل أن تنعكس النتيجة حتى لو أصبحت البلاد نموذجا حقيقيا لتطبيق الإجراءات الإصلاحية لصندوق النقد الدولي، وعلى الأقل من أجل تقديم دعم مفاهيمي للحجج التي يسوقها الباحث، فإن هناك أوجه تشابه ملحوظة بين الاقتصاد اللبناني المنهار بشكل كبير هذه الأيام والاقتصاد المصري المتعثر حاليا".
وخلص إلى أن "الاقتصاد المصري يشهد انحدارا يشبه في ذلك التدهور الاقتصادي الذي أدى إلى كارثة لبنان".
إنفاق الكماليات
وأشار الأكاديمي روبرت سبرنجبورج إلى أن الكماليات، وليست الضروريات الأساسية، هي التي تلتهم الجزء الأكبر من الإيرادات المتاحة في البلاد، فقائمة الاستحواذات التي تتسم بالبذخ منذ استيلاء السيسي والجيش على السلطة في 2013 تتعاظم بشكل مذهل، على الرغم من أن قيمة معظمها تُعتبر رمزية ولا تمثل قيمة اقتصادية كبيرة، ومن الأمثلة على ذلك:
1- إنفاق 58 مليار دولار على العاصمة الإدارية الجديدة التي يجري إنشاؤها في الصحراء خارج حدود القاهرة.
2- عمليات شراء للأسلحة لا يعرف أحد ثمنها الحقيقي، حيث تُعتبر مصر السيسي من بين أكبر خمسة دول في معدلات شراء الأسلحة في العالم.
3- الاتفاق على إنشاء مفاعل النووي بقيمة 25 مليار دولار لإنتاج الطاقة، في دولة بها فائض في إنتاج الكهرباء.
4- توسيع القدرة الاستيعابية لقناة السويس بقيمة 8 مليارات دولار، والتي لم تحقق بعد أي زيادة ملحوظة في رسوم عبور القناة، حيث ارتفعت من 5.6 مليار دولار في عام 2017 إلى 5.8 مليار دولار فقط في عام 2020.
5- إنشاء العديد من المشروعات في إفريقيا أو حتى في العالم، بدءا من “أطول” مبنى في القارة و”أكبر” كنيسة في القارة إلى “أكبر” مزرعة سمكية في العالم ، على الرغم من أن مثل هذه المزرعة التي يديرها الجيش، حلت محل مزارع على غرارها كانت موجودة بالفعل ويديرها مالكوها من الأفراد