بعد قرار المحكمة الأوروبية.. السيسي يضيع على مصر استرداد مليارات مبارك المنهوبة

- ‎فيأخبار

في خطوة جديدة تؤكد تواطؤ نظام الدكتاتور  عبدالفتاح السيسي مع الرئيس  الأسبق حسني مبارك وعصابته، والسماح بإضاعة أموال مصر المهربة من جانب مبارك وأبنائه وحيتان النظام السابق، ألغت المحكمة العامة للاتحاد الأوروبي، يوم الأربعاء 06 إبريل 2022م، قرارات تجميد أموال مبارك وأسرته التي اتخذها مجلس الاتحاد سابقاً. وأفاد الموقع الإلكتروني الرسمي للمحكمة بأنها ألغت قرار مجلس الاتحاد الأوروبي الصادر في 2011 والذي ظل يجدد حتى العام الماضي "بشأن التدابير التقييدية الموجهة ضد بعض الأشخاص والكيانات والهيئات في ضوء الوضع في مصر". وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن في مارس 2021، إلغاء العقوبات التي فُرضت في عام 2011 على تسعة مصريين، من بينهم عائلة الرئيس الأسبق حسني مبارك، على خلفية شبهات بشأن سرقة أموال الدولة.  وذكرت الدول الأعضاء في بيان: "تم تبني إجراءات تقييدية في البداية في عام 2011، وكان هدفها بشكل خاص مساعدة السلطات المصرية على استرداد الأصول المختلسة المملوكة للدولة". وجمّد الاتحاد الأوروبي أصول شخصيات بارزة، بينها مبارك وزوجته ونجلاه وزوجتاهما، إثر إطاحته بعد 30 عاماً في السلطة. وتوفي الرئيس الأسبق في فبراير2020 عن عمر يناهز 91 عاماً.

قرار محكمة الاتحاد الأوروبي يأتي في أعقاب قرار جهات التحقيق في مصر الصادر يوم الثلاثاء 28 سبتمبر 2021م برفع التحفظ على أموال مبارك وأسرته والتي ضمت علاء وجمال وأسرتيهما بعد قرار هيئة الفحص والتحقيق بإنهاء أثر أمر المنع من التصرف رقم 3 لسنة 2011، وهو ما اعتبر برهانا ساطعا على فشل نظام 3 يوليو في استرداد أموال مصر المنهوبة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك. وشمل قرار رفع التحفظ، كلاً من علاء محمد حسني السيد مبارك، وشهرته علاء مبارك، وزوجته هايدي محمد مجدي راسخ، وجمال محمد حسني السيد مبارك، وشهرته جمال مبارك، وزوجته خديجة محمود الجمال، وأحفاد الرئيس الراحل، عمر علاء، وفريدة جمال. وكان رئيس محكمة الاستئناف ورئيس إدارة الأموال المتحفظ عليها، أبلغ الجهات المختصة "بإنهاء التحفظ على أموال الرئيس الراحل مبارك ونجليه جمال وعلاء وباقي أفراد الأسرة، حيث وافق النائب العام على إنهاء أثر المنع من التصرف رقم 98 لسنة 2020.

قرارات رفع التحفظ عن أموال مبارك وعائلته، وإنهاء المنع من التصرف سواء القرار الأخير أو الصادر في نوفمبر 2020م، ثم إبلاغ البنك المركزي باتخاذ اللازم من الناحية المصرفية والقانونية في هذا الشأن لم يكن مستغربا بعد تبرئة مبارك من كل التهم التي وجهت له باستثناء قضية القصور الرئاسية. سواء تلك التي تتعلق بقتل المتظاهرين أو بالفساد المالي واستغلال النفوذ. وفي 29 نوفمبر 2014، قضت محكمة جنايات القاهرة، بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية المقامة ضد مبارك في قضية قتل المتظاهرين. كما برأت المحكمة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي و6 من مساعديه من تهمة الاشتراك في جرائم القتل العمد. كما حكمت المحكمة أيضا ببراءة مبارك في قضية التربح من تصدير الغاز إلى إسرائيل. وحكمت بانقضاء الدعوى الجنائية على رجل الأعمال حسين سالم ومبارك ونجليه علاء وجمال، في تهمة تلقي رشى من حسين سالم.

في أعقاب الإطاحة بمبارك في فبراير 2011، صدر بعض التقارير حول حجم أموال مبارك بالداخل والخارج كأصول وعقارات وأموال سائلة، دارت حول الرقم 14 مليار دولار، بينما وصلت تقارير أخرى بالرقم إلى 40 مليار دولار، وفق ما نقله موقع دويتشه فيله الألماني، نقلا عن دانييل تيليسكلاف مدير معهد بازل السويسري للحوكمة، وعضو مجلس إدارة منظمة الشفافية الدولية. وذهبت صحيفة الجارديان البريطانية، إلى أبعد من ذلك وقالت في تقرير نشرته في 4 فبراير2011، بالقول إن ثروة عائلة مبارك يمكن أن تصل إلى ما نحو 70 مليار دولار.  وفي 20 يونيو 2013 أوضح محمود الحفناوي ـ -المحامي بمكتب النائب العام- أن التحقيقات أظهرت أن "الأموال السائلة الخاصة بحسني مبارك وزوجته ونجليه وزوجتيهما داخل مصر،  تبلغ 3 مليارات جنيه نقدا، كما تبلغ قيمة ممتلكاتهم من الأسهم في العديد من الشركات نحو 5 مليارات جنيه، بينما تقدر ثرواتهم العقارية بنحو مليار جنيه"، معنى ذلك أن ثروة آل مبارك داخل مصر فقط كانت تبلغ نحو 9 مليارات جنيه بخلاف الأموال المهربة التي لا يعلم أحد على وجه اليقين كم حجمها. ولا يعرف أحد حتى الآن مصدر هذه الثروة الضخمة، خاصة أن راتب مبارك الرسمي من منصبه كان ضعيفاً، وكان نجله الأصغر جمال يعمل في العمل العام، أما ابنه الأكبر علاء فلم يكن أحد يعرف بالضبط ما هي وظيفته، هل هو رجل أعمال، أم مدير صفقات، أم ماذا؟

وفي أعقاب الإطاحة بمبارك حظي وعائلته بحماية المجلس العسكري؛ وذلك التزاما بالاتفاق الذي جرى في فبراير 2011م، بين مبارك والمجلس، ويقضي بتنحي مبارك عن السلطة لتهدئة الرأي العام والشعب الثائر مقابل حمايته وأسرته من المساءلة وعدم المساس بأمواله وثرواته. وظل مبارك في مقر الرئاسة بشرم الشيخ من 11 فبراير حتى أبريل 2011م حيث تم القبض عليه ومحاكمته إثر ضغوط شعبية هائلة أجبرت المجلس العسكري على هذه الخطوة التي اتضح أنها كانت شكلية؛ فقد وضع مبارك في مستشفى المعادي العسكري تحت رعاية طبية شاملة، وكان له حرية الحركة والتواصل مع أسرته ومعارفه كل يوم. حتى تمت تبرئته من كل القضايا التي اتهم فيها باستثناء قضية القصور الرئاسية. معنى ذلك أن المجلس العسكري ومن بعده نظام 3 يوليو لم يفشلا في استراداد أموال مصر المنهوبة، بل تم التواطؤ مع مبارك وعصابته مع سبق الإصرار والترصد لاعتبارات تتعلق بحماية الجيش لكبار جنرالاته حتى لو كانوا عتاة في الفساد والإجرام وكذلك مد مظلة الحماية لخدام النظام العسكري من وزراء ومحافظين ورجال الأعمال وإعلاميين.

ويمكن التدليل على ذلك بالأسباب والملاحظات الآتية:

أولا، قضية الكسب غير المشروع التي اتهم فيها مبارك ونجلاه تم فتحها في عهد المجلس العسكري، وتولى التحقيق فيها النائب العام الذي عينه مبارك نفسه "عبدالمجيد محمود" ورغم أن القضية واكبتها تحركات واسعة على محاور دبلوماسية لاستعادة أموال مبارك وأسرته من الخارج، لكن كل تلك الجهود باءت بالفشل؛  لأن جهات التحقيق تعمدت طمس الأدلة وإخفاء الحقائق وفق مخططات البراءة للجميع التي بدأت بمجرد الشروع في المحاكمات الشكلية لمبارك وأركان نظامه. وعندما وصل الرئيس الراحل مرسي إلى الحكم تم تكوين لجنة لهذا الغرض. لكن بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013، ثم انتهاء عهد المطالبة بمطالب وأهداف الثورة باغتصاب السيسي للسلطة، وجرى تجميد هذه الجهود، واكتفي نظام السيسي باستخدامها للضغط على علاء وجمال مبارك ومنعهما من العمل السياسي والظهور الإعلامي، كأداة تخويف ومنع من إعادة إنتاج نظام مبارك بشخوصه القديمة.

ثانيا، أبدى نظام السيسي استخفافا بالقضية وتهوينا من شأنها؛ حيث أصدر في أغسطس 2015 قانوناً يمكِّن رموز نظام مبارك من التصالح المالي في جرائم الكسب غير المشروع، لكن مبارك لم يستفد من ذلك، نظراً لعدم تقديم تقارير الخبراء بشأن ثروته هو ونجليه حتى اليوم؛ ما يؤكد غياب الإرادة السياسية سواء للتصالح معهم أو حتى معاقبتهم، لينتج هذا الوضع الممسوخ، الذي كانت قضية "التلاعب بالبورصة" دليلاً حياً عليه، بإبقاء أسرة مبارك تحت الحصار دونما عقاب أو تمكين بالعودة لآجال طويلة.

ثالثا، لم يُعرف عن نظام السيسي الهمة والنشاط في استرداد أموال مصر التي نهبها مبارك وحاشيته كما يفعل في السطو  على أموال الشرفاء والمخلصين من رجال الأعمال والمعارضين؛ وهو ما أدى إلى قرار محكمة العدل الأوروبية  (ديسمبر 2020) بإلغاء العقوبات المفروضة على الرئيس الأسبق حسني مبارك وأفراد أسرته بشأن تجميد أموالهم، وهو ما يفتح الباب أمام آل مبارك لاسترداد 300 مليون دولار من البنوك السويسرية والتي تم تجميدها عقب ثورة 25 يناير 2011. وفي تفسير ذلك قالت محكمة العدل الأوروبية إن السبب وراء إلغاء العقوبات التي فرضها مجلس الاتحاد الأوروبي على أصول مبارك وعائلته، كان خطأ في الإجراءات.  معنى ذلك أن سلطات 3 يوليو لم تكلف نفسها تقديم ما يثبت إدانة مبارك في قضايا فساد مالي للمحكمة الأوروبية، منها حكم بات ونهائي من محكمة النقض، أعلى محكمة في مصر، يدينه في قضية القصور الرئاسية الشهيرة، وبالتالي ضيعت على البلاد استرداد 300 مليون دولار للخزانة العامة للدولة التي تعاني من عجز ضخم. ولم تبذل اللجنة المكلفة باسترداد أموال مصر المنهوبة في الخارج جهداً لإثبات أن الأموال المودعة في البنوك السويسرية والبريطانية وغيرها من البنوك الأوروبية هي نتاج أعمال غير مشروعة. في المقابل لم تقدم أجهزة السيسي دليلا واحدا بشأن الاتهامات بالإرهاب التي طالت ثابت ونجله والسويركي ومن قبلهم خيرت الشاطر وحسن مالك وغيرهم، فاغتصبت هذه الثروات وسطت على تلك الشركات دون وجه حق.

رابعا،  تعتبر قضية «القصور الرئاسية» هي البرهان الساطع على حماية المجلس العسكري ومن بعده السيسي لمبارك وعصابته؛ فهي القضية الوحيدة التي حكم فيها على الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك؛ وكانت محكمة النقض قضت في (يناير 2016) بتأييد حكم الجنايات الصادر(في مايو 2015) بالسجن المشدد 3 سنوات لمبارك ونجليه وتغريمهم متضامنين مبلغ 125 مليون و779 ألف جنيه، وإلزامهم متضامنين برد 21 مليون و197 ألف، وذلك إثر إدانتهم بالاستيلاء على 125 مليون جنيه من ميزانية مؤسسة رئاسة الجمهورية والتزوير في محررات رسمية. فلماذا  أدين مبارك في هذه القضية دون غيرها  من القضايا الأخرى التي كان متهما فيها؟  لذلك قصة عجيبة تحمل الكثير من الدلالات والمعاني. ففي 13 يونيو 2011، أصدرت اللجنة  القضائية التي تشكلت  بالقرار رقم 5841 لسنة 2011 من المستشار محمد عبدالعزيز الجندي، وزير العدل الأسبق، والتي كلفها بحصر كافة أموال ومحتويات ومقتنيات القصور الرئاسية، وقد انتهى تقرير اللجنة إلى عدم  وجود عجز سواء في الأموال أو المقتنيات أو العهدة الخاصة بالقصور الرئاسية. لكن النائب العام طلعت عبد الله الذي تم تعيينه بقرار من الرئيس محمد مرسي، لم يطمئن إلى عمل هذه اللجنة، وكلف فريقاً من أعضاء النيابة للتحقيق في المخالفات المالية التي تمت في أموال القصور الرئاسية خلال فترة حكم مبارك، وانتهت التحقيقات إلى أنه يوجد عجز في أموال القصور الرئاسية بلغ 126 مليون جنيه استولى عليها مبارك ونجلاه؛ حيث جاء الحكم في القضية موافقاً ومؤيداً لما انتهى إليه النائب العام المستشار طلعت عبد الله ورفاقه؛ الأمر الذي يبرهن حجم التواطؤ من المجلس العسكري والقضاء لحساب مبارك وشلته.

معنى ذلك أن اللجنة القضائية الأولى التي رأسها المستشار أحمد إدريس وضمت في عضويتها المستشار خالد المحجوب صاحب قرار إحالة القضية المعروفة إعلامياً باسم "الهروب من وسجن وادي النطرون" التي اتهم فيها الرئيس الشهيد محمد مرسي وبعض قيادات الإخوان الذين كانوا مخطوفين وقتها دون وجود أي أوراق ثبوتية بشأن اعتقالهم واحتجازهم. هذه اللجنة أصدرت تقريرها بالمخالفة للحقيقة؛ فإنْ كان ما جرى هو من باب القصور وعدم الخبرة فلا يستحقون المناصب القضائية التي تبؤوها، وإنْ كان ما جرى إخفاء للحقيقة لمساعدة مجرم من الإفلات من العدالة، وإهدارا لمال الشعب؛ فإن تلك جريمة تستوجب المحاكمة والعقاب. لكن الذي جرى عكس ذلك تماما؛ فقد جرى التنكيل بالنائب العام المستشار طلعت عبدالله وإحالته للصلاحية من جانب سلطات الانقلاب، فيما كوفئ المحجوب بتعيينه في المكتب الفني لـ "نائب عام الانقلاب هشام بركات""، وحتى الضابط عصام فتحي الذي كان يعمل في هيئة الرقابة  الإدارية وفجَّر القضية بعد لقائه بالرئيس مرسي وتقديم أدلة إدانة مبارك ونجليه، تمت إحالته للتقاعد، بينما رئيس الرقابة الإدارية وقتها الجنرال محد تهامي، والذي حاول منع نشر تقرير إدانة مبارك ونجليه فقد كوفي بعد الانقلاب بتعيينه رئيسا لجهاز المخابرات العامة!.