السيسي يجتمع بالجيش ويطيح بقادة المخابرات.. ماذا يحدث؟

- ‎فيتقارير

خلال الأسبوع الماضي جرى أمران مهمان للغاية؛ الأول هو قيام الدكتاتور المنقلب عبدالفتاح  السيسي فجر السبت 06 أغسطس 2022م، بجولة تفقدية للكلية الحربية، رافقه خلالها القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق أسامة عسكر، وقادة الأفرع الرئيسية، وعدد من قادة الجيش، تحدث خلالها في طابور عسكري عن الأوضاع الداخلية للبلاد، وقضايا دولية وإقليمية أخرى. وجرى تفسير ذلك بأن "السيسي قدم ما يشبه كشف حساب لحكومته أمام الجيش، وهو عادة لا يفعل ذلك مع أي مؤسسة مدنية أخرى، وذلك لأنه يعلم أن الخطر يمكن أن يأتي من المؤسسة العسكرية".

الإجراء الثاني هو ما تؤكده تقارير عربية بأن السيسي أطاح مؤخرا بنحو 17 من قادة جهاز المخابرات العامة، بعضهم مسئول عن ملفات خارجية حساسة؛ حيث تم إحالة بعضهم إلى التقاعد وآخرون إلى وظائف مدنية في عدد من الوزارات والمؤسسات.

وكانت صحيفة العربي الجديد اللندنية قد نقلت عن دبلوماسي مصري قريب الصلة بالجهاز بحكم عمله الرسمي، أن هذه التغييرات الأخيرة طالت مسؤولين بارزين في ملفات ليبيا، وفلسطين، والعلاقات المصرية الأميركية، وملف القرن الأفريقي، الذي يتولى الإشراف على أزمة سد النهضة الإثيوبي، بالإضافة إلى مسؤولين عن ملفات داخلية، بينها الإعلام. وبحسب التقرير فإن أعداد من شملتهم التغييرات الأخيرة وصلت إلى 17 من القيادات البارزة، حيث تمت إحالة الغالبية العظمى منهم إلى التقاعد، فيما لم يتم التجديد لآخرين، وجرى نقلهم إلى مناصب إدارية بعدد من الوزارات الخدمية، منها الإسكان، والبترول، والتموين.

 

السيسي مرعوب

تفسير هذين الإجراءين يؤكد أن السيسي مرعوب في ظل حالة الإفلاس التي يعيشها النظام، وفشله في إدارة مواد الدولة بطريقة صحيحة، لا سيما في الملف الاقتصادي؛ حيث أغرق السيسي مصر في مستنقع الديون بصورة كبيرة وباتت موارد الدولة كلها  لا تكفي لسداد بند واحد في الموازنة العامة للدولة وهو بند خدمة الدين؛ فبينما تصل موارد الدولة المتوقعة في الموازنة الحالية (2022/2023) إلى نحو تريليون ونصف التريليون جنيه (1.5 تريليون)، فإن بند خدمة الدين وحده يصل إلى نحو (1.65 تريليون جنيه)، بزيادة قدرها 150  مليار جنيه. وسيضطر السيسي إلى اقتراض نحو تريليون ونصف خلال هذه السنة من أجل تسيير دواليب الدولة (أجور ومرتبات + سداد خدمة الديون).

هذا الوضع الاقتصادي المتدهور وضع جميع مؤسسات الدولة في هالة ارتباك وعدم يقين؛ فهناك إجماع بين مؤسسات الدولة بلا استثناء على أن السيسي فشل فشلا  ذريعا رغم الإمكانات الهائلة التي أتيحت له والمساعدات الضخمة من الخليج والقروض الباهظة التي اقترضها من هنا وهناك، وأن بقاءه هو مزيد من الخراب وأن الدولة على هذا النحو حتما تتجه نحو الانهيار.. لكن هذه الأجهزة لا تعرف كييف تتصرف، ولا يعرفون ماذا عليهم أن يفعلوا لمنع انهيار الدولة؛ كثير من قيادات هذه الأجهزة قد أمنوا أنفسهم بأرصدة هائلة في بنوك الخارج واكتناز ثروات وأصول ضخمة داخليا وخارجيا؛ وفي حال اندلاع فوضى نتيجة انهيار الدولار الفقر المتزايد والغلاء الفاحش فإن هذه الأجهزة سوف ترحل بلا عودة. لكن ذلك لا يمنع من وجود قيادات وطنية بهذه الأجهزة معنية حقا بمستقبل هذا البلد بعدما تبرهن لهم أن مسار 3 يوليو قد فشل فشلا ذريعا وكان خرابا على البلد ولم يكن أبدا إنقاذا لها أو تصحيحا لمسارها.

 الدولة ممزقة اجتماعيا في ظل حالة الانقسام التي خلفتها معركة الانقلاب حتى اليوم، والمجتمع يتفكك أخلاقيا وسلوكيا في ظل تفشي الجريمة إلى مستويات مرعبة، وتزايد معدلات الفقر والبطالة والانتحار والطلاق والهجرة إلى الخارج؛ فمصر فعليا في حالة شلل تام على كافة الأصعدة والقطاعات، والسيسي يقف عاجزا لا يملك أي حلول لحلحلة الموقف المأزوم؛ وتؤمن جميع أجهزة الدولة أن السيسي أهدر مئات المليارات من الدولارات على مشروعات قد تكون مهمة لكنها جاءت في توقيت مبكر جدا، وكان الأولى توجيه هذه الأموال إلى قطاعات أخرى أكثر أهمية مثل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء لتحقيق الأمن الغذائي الذي انكشف بفعل الغزو الروسي لأوكرانيا، وبناء آلاف المصانع لتوفير فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، لكن سياسيات السيسي أدت فعليا إلى مزيد من الديون ومزيد من الفقر  في معادلة غريبة وشاذة؛ إذ كيف تحصل على كل هذه الأموال وتزداد فقرا وتأزما؟! لكن اللافت حقا هو  انه في الوقت الذي تزداد فيه مصر فقرا وتخلفا يزداد حكامها غنى وثراء؛ فمصر تفتقر وهم يزدادون ثراء في معادلة تبرز حجم الفساد في البلاد.

 

أسباب الإطاحة بقادة المخابرات

يرى البعض أنّ "التغييرات الأخيرة ربما تكون في جزء منها منطقياً، كونها طاولت أفراداً في ملفات لم تُدر بالشكل الأنسب، وشهدت تقديرات كثيرة خاطئة طوال الفترات السابقة، وعلى رأسها على سبيل المثال ملفا سد النهضة وليبيا، بالإضافة إلى الملف السوداني". فالأزمات الأخيرة التي حدثت في السودان وليبيا كشفت عدم صحة التقديرات المصرية بشأن التعامل مع الملفين". وأكد أن "الرهانات المصرية مؤخراً كانت خاطئة، والأطراف التي راهنت مصر عليها واستثمرت فيها طوال الفترة السابقة، لم تكن على قدر التوقعات". تلك الأجواء بحسب خبير سياسي مصري "تجعل صانع القرار دائماً يتحسس مواقع القلق، كما تجعله في حالة مراقبة وتتبع للأجهزة التي تحيط به، خشية التقاء مصالح أفراد بها مع أطراف داخلية مناوئة تسعى لاستثمار الغضب الشعبي لصالحها".

ويعزو البعض الإطاحة بهذا العدد الضخم من قادة جهاز المخابرات إلى كونهم قد يمثلون امتدادا للقيادات التي أطيح بها قبل سنوات لأسباب تتعلق بولائها لرئيس الجهاز الأسبق اللواء عمر سليمان والذي أدار الجهاز لنحو عشرين سنة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، فالفترة الأخيرة "تشهد تنافساً من أجل الإبقاء على مصالح بعض القيادات، في ظل محاولات متواصلة منذ نحو 5 سنوات، من جانب شخصيات مقربة للغاية من السيسي، لتغيير التركيبة العمرية في الجهاز، للتخلص من قيادات لا تزال تحمل ولاءً لقيادات وفترات مضت". فهذه الحركة الأخيرة انتقصت من نفوذ ومصالح قيادات كبيرة في الجهاز خلال الفترة الماضية، أزعجت هؤلاء، ما دفعهم إلى التعبير عن غضبهم بطرق أثارت غضب السيسي، فجرى التحري بين القيادات الحالية عما إذا كان هناك امتدادات لا تزال لمجموعة القيادات التي أطيح بها على مدار السنوات التي أعقبت تولي السيسي الحكم".

يعزو آخرون هذه التغييرات إلى حالة عدم الرضا من جانب مؤسسة الرئاسة عن أداء الجهاز بشكل عام، على ضوء الشائعات التي طالت شخصيات رفيعة في الدولة، ورددها بعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان من بينها معلومات صحيحة، ما يشير إلى أنه يقف وراءها أطراف عليمة. فقد ترددت شائعات مؤخرا حول زواج السيسي من وزيرة الصحة (المعلقة) هالة زايد، وهناك شائعات أخرى حول سلوك نجله محمود.

في تفسير رابع، يرى دبلوماسي غربي أن هذه الحركة في التنقلات والتغييرات لا يمكن وصفها بأنها تأتي في إطار صراع سياسي داخلي بين أجنحة، ولكن يمكن اعتبارها منافسات على نفوذ داخل الجهاز، الذي بات يمثل إمبراطورية اقتصادية تمتلك محفظة مالية ضخمة". ويمتاز الجهاز، الذي يملك استثمارات واسعة في مجال الإعلام والقطاع العقاري والمواد الغذائية والسياحة والطيران والبترول، عن الأجهزة السيادية الأخرى في مصر، بأنه يسمح بتعيين عسكريين وشرطيين ومدنيين.

ومنذ اغتصاب السيسي للسلطة بانقلاب عسكري، في يوليو 2013م أصدر نحو 10 قرارات متعلقة بتشكيلات الجهاز، أطاحت بنحو 120 من قياداته. وصاحب ذلك تعيين قيادات جديدة من مراحل عمرية أصغر. كما شهدت الفترة التي أعقبت تظاهرات سبتمبر 2019، التي دعا لها المقاول والفنان محمد علي، تعيين عدد كبير من ضباط جهاز الأمن الوطني بالمخابرات العامة.